رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيد درويش.. عدو الإنجليز يحمى سائق أوتوبيس من رصاصة جندي محتل

سيد درويش
سيد درويش

 يحتفل كل محبي الموسيقى الشرقية حول العالم بمرور 100 عام على وفاة خالد الذكر سيد درويش، الفنان المصري الذي قاد بإبداعه ثورة ضد الإنجليز وصنع موسيقى تتحدى الزمن وتطيح بالقوالب الموسيقية القديمة.

في عدد مجلة الكواكب الفنية رقم 277، الصادر بتاريخ 20 نوفمبر من العام 1956، كتب الناقد والمؤرخ الفني محمد علي غريب، عن جانب غير معروف للكثيرين عن حياة فنان الشعب سيد درويش، في مقاومة المستعمر البريطاني لمصر.

يربط «غريب» بين مولد سيد درويش في الإسكندرية، حيث دخل الاحتلال الإنجليزي إلى مصر، وبين الكراهية التي تولدت بداخله للاستعمار، موضحًا أن الشيخ سيد درويش ولد في حي شعبي من أحياء الإسكندرية، عقب الاحتلال البريطاني لمصر، وأبلى هذا الحي في كفاح المستعمرين بلاء عظيمًا.

وأضاف: «رضع سيد درويش كراهية الإنجليز، وفي هذه البيئة الفقيرة التي نشأ فيها تراكمت الآلام والفواجع على القلوب المجهدة».

وتابع: «وجد سيد درويش نفسه يخوض معركة في ثورة 1919، فاستيقظت في نفسه هذه الكراهية العنيفة القاسية التي ورثها عن أبيه وأمه، لأولئك الطغاة الإنجليز الذين هدت قنابلهم بيوت الحي الفقير الذي ولد فيه بالإسكندرية، وقتلت أبناءه.. وهكذا أصبح سيد درويش الفنان العبقري، جنديًا في المعركة، مجرد جندي، لا يميزه عن سائر الجنود سوى حماسته وفنه وبطولته».

ويشدد «غريب» على أن سيد درويش وجد نفسه يقود الثورة ويلهب عزائم الثائرين ويوقد نيران الجحيم الذي يفتح فوهاته ليلتقم الغاصبين. وفي هذه الأوقات كان الفن الشعبي الأصيل، طائرات ومدافع وبوارج ودبابات، وكان سيد درويش يتلقف الأغنية من فم مؤلفها ليعدها ملحنة بعد ساعة، وبعد ساعات يكون شعب مصر كله يرددها في حماسة بالغة.

ولم تعد دور اللهو أماكن لتضييع الوقت في التسلية وإمتاع النفس، بل أصبحت محرابًا للفن السماوي، تشد من عزائم الشعب وتحضه على مواصلة القتال في سبيل الحرية والكرامة والاستقلال.

ما من أغنية تلقى في دار من دور اللهو إلا وتأتي في نهايتها دعوة حماسية لمواصلة القتال وتحريض على الكفاح ونداء للبذل والتضحية. وكان سيد درويش يتولى تغذية قلوب أبناء الشعب الذين لا يرتادون دور اللهو، الملايين الذين يجوعون ويستبسلون في الجهاد فكنت تسمع رجل الشارع يغني: «اليوم يومك يا جنود.. ماتجعليش للروح ثمن»، أو يغني: «على السما خلو الهجوم.. لو كانت الأعداء النجوم».

اندفع الشعب الثائر في أغنياته الحماسية الملتهبة وهو يحطم كل شيء في طريقه، ولم تستطع مدافع العدو صده.

ويروي «غريب» واقعة مهاجمة سيد درويش لأحد جنود المحتل الإنجليزي: «اتفق سيد درويش مع إخوانه الفنانين على أن يرابطوا في جميع مواقع القاهرة، وأن يقودوا المظاهرات الصاخبة وهم يرددون معها هذه الأغنيات الحماسية».

ويذكر الرواة أن سيد درويش كان يركب مع نخبة من زملائه الفنانين في طريقهم إلي حي السيدة زينب، وفجأة برز لهم الجنود البريطانيون، وسدد أحد هؤلاء الجنود رصاصة إلى صدر سائق العربة. وأحس سيد درويش بالخطر، فاندفع إلى سائق العربة وحماه بجسده، بعد أن أوقعه على الأرض، وفي هذه اللحظة كان سيد درويش فدائيًا. 

وأكد: «خاض سيد درويش المعركة كجندي، وخرج منها بطلًا خالدًا، فإن أغنياته الحماسية لا تزال تغنى إلى اليوم وسيرددها شعب مصر إلى الأبد».