رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جوتيريش.. مكوك العالم الأقطاب.. أين نحن فى كل ذلك؟

شهر سبتمبر الجارى مزدحم بالعمل الدبلوماسى الدولى، متعدد الأطراف، عالميًا وجيوسياسيًا، عدا عن مرتكزات معالجة الأزمة العسكرية الأمنية جراء استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وما قد تخلفه من أحداث ومجريات متباينة فى ظل الاستقطاب الدولى بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وحلف ناتو، عدا عن مواقف الدول الكبرى الصين والهند وتركيا.. وبالطبع دول المنطقة والإقليم.
 
*المشكلة تكمن فى مجلس الأمن.. أم فى جوتيريش؟!
الحراك السياسى، والأممى، والاقتصادى، يتقاطع مع الأمن والسلم، أزمات رديفة، آثارها شوهت العالم، هذا من جهة؛ فيما الجهة الأخرى تكمن فى شخصية أمين عام الأمم المتحدة، بالتأكيد، مواقف وقرارات مجلس الأمن. 
كيف ذلك؟ 
سيكون جوتيريش فى نيويورك، فى سياق اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأيضًا بمختلف أنحاء العالم.
وقال فى تصريحات إنه سيحضر:
* قمة المناخ الإفريقية فى كينيا، فى الفترة من 4 إلى 5 سبتمبر. 
* قمة الأمم المتحدة ومجموعة الآسيان فى إندونيسيا، المكونة من 10 دول، المعروفة باسم آسيان فى الفترة من 6 إلى 7 سبتمبر. 
* قمة مجموعة الدول العشرين فى الهند.
* قمة مجموعة الـ77، وهى تحالف يضم حوالى 134 دولة نامية وحكومة. بالصين، فى 14-15 سبتمبر.

.. من المؤكد، أن خطوات ومكوكية الأمين العام للمنظمة الدولية «أنطونيو جوتيريش»، مع تعدد اجتماعات القمم يعكس الاتجاه متعدد الأقطاب فى العالم، ويعكس ما يجعل العالم يترقب الحلول إذا كان هناك حل للأزمات، ما ظهر منها يقلق المستقبل الاقتصادى والسياسى والأمنى، فى عالم تلتهمه الاضطرابات والحروب الداخلية الأهلية، عدا عن الانقلابات متعددة الأشكال فى عديد القارات، لعل أسخنها فى إفريقيا، أو أمريكيا اللاتينية، عدا عن الصراع الخفى بين كوريا الشمالية، واليابان والصين وملف تايوان و.. 
* دبلوماسية الإملاءات الخفية.
منذ وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تعيين الأمين العام للمنظمة «أنطونيو جوتيريش» لولاية ثانية فى المنصب، وهو يردد ذات التصريحات وربما ذات الإملاءات؛ برغم ذلك عادة ما يقوم مجلس الأمن الدولى بدعم لكل سعى جوتيريش، فى المجتمع الدولى، برغم تراجع مكانة وقرارات الأمم المتحدة، خصوصًا فى الشأن المتعلق بأخطر أزمات العالم، القضية الفلسطينية، الحرب الروسية الأوكرانية، الهجران ومشاكل اللاجئين، قضايا المناخ. 
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة التى تضم 193 عضوًا، قرارها التجديد للأمين العام فى الأول من يناير 2022، وهو الذى تولى المنصب بعد الكورى الجنوبى بان كى- مون، وكان ذلك فى يناير 2017.
وهو شخصية متفائلة.. متشائمة دائمًا، ينطبق عليه وصف الروائى الفلسطينى إميل حبيبى فى رواية «المتشائل». 
جوتيريش بعد تعيينه قال: «الأمور يمكن أن تسير فى أى من الاتجاهين: الانهيار والأزمة الدائمة أو الانفراجة وآفاق مستقبل أكثر محافظة على البيئة وأكثر أمانًا وأفضل للجميع»، كما أن «هناك أسبابًا تدعو الشعور بالأمل».
جوتيريش دبلوماسى برتغالى يقنع العالم من خلال موقعة فى هرم الدبلوماسية الدولية: «النماذج تتغير. والمعتقدات القديمة تنقلب. نحن نكتب تاريخنا بالاختيارات التى نتخذها الآن». 
قال أيضًا: «التحديات المعقدة للمستقبل لا يمكن حلها إلا من خلال نهج متواضع، هو نهج لا يملك فيه الأمين العام وحده كل الحلول ولا يسعى إلى فرض آرائه».
… 
وتعد الولايات المتحدة أكبر مساهم فى تمويل الأمم المتحدة والمسئولة وحدها عن 22 بالمائة من الميزانية الاعتيادية ونحو ربع ميزانية حفظ السلام. وبدأ الرئيس الأمريكى الجديد «جو بايدن» بالفعل فى إعادة ما خفضه ترامب من تمويل لبعض الوكالات التابعة للأمم المتحدة.
فى إحاطته للصحفيين، حسب مصادر الإعلام فى الأمم المتحدة، قال جوتيريش عن جولاته خلال الأيام المقبلة:
* أولًا:
ستركز قمة المناخ الإفريقية على العمل المناخى فى منطقة تدفع ثمنًا باهظًا لأزمة لم تتسبب فى خلقها.
* ثانيًا:
أما قمة الأمم المتحدة والآسيان فستكون فرصة لتعزيز التعاون بين الجانبين فى العالم المتغير.
* ثالثًا:
«قمة الدول العشرين تجمع أكبر الاقتصادات فى العالم. كما تعد مجموعة الدول السبع والسبعين صوت الجنوب، وهى أكبر مجموعة من الدول على الصعيد الدولى».
.. ومن موقف الأمين العام المتشائل قال: التعددية القطبية فى حد ذاتها لا تضمن السلام والاستقرار، «بل على العكس دون مؤسسات قوية متعددة الأطراف، قد تصبح التعددية القطبية عاملًا لتصعيد التوترات الجيواستراتيجية مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب مأساوية». 
محذرًا فى ذات الوقت من حتمية التفتت، والمصادمات التى يمكن أن تتبعه، إذا لم يتم تعزيز وإصلاح أطر العمل متعددة الأطراف.

* رسالة عن الدعوة القوية للإصلاح..
«إن المؤسسات متعددة الأطراف لا يمكن أن تواصل البقاء إلا إذا كانت بالفعل شاملة». 
رؤية خيطها الأول دبلوماسى، بينما باطنها، ثانيًا، أنه سيحمل ذات الملفات العالقة معه، وهى تضع الخط الأحمر، ثالثًا أو بمعنى «الأحمال الثقيلة»، مع: «نفس الرسالة إلى كل الاجتماعات التى سيحضرها، والمتمثلة فى الدعوة القوية للإصلاح لتتوافق مؤسساتنا وأطر عملنا متعددة الأطراف، التى عفا عليها الزمن، مع الواقع الاقتصادى والسياسى لعالم اليوم، بناء على المساواة والتضامن».
.. وهو أمام قادة العالم، يؤكد: الدبلوماسية تكتسب أهمية الآن أكثر من أى وقت مضى، للتعامل مع التوترات فى العالم متعدد الأقطاب. وأكد أن الحوار يبقى السبيل الوحيد لإيجاد نهج وحلول مشتركة للتهديدات والتحديات العالمية التى نواجهها؛ بدلالة أن ما يحدث أرهق المنظمة الدولية وحد من قوتها وربما وجودها، فى ظلال الصراعات ومراكز القطبية التى أعادتها ظروف الحروب الانقلابات والأزمة الاقتصادية وتوسع دائرة الهجرة واللجوء، عدا عن قضايا المناخ الشائكة.

* ما بعد الجولات المكوكية؟
من حق موقع الأمين العام للأمم المتحدة، أن يقود الجولات فى أربع قمم أو اجتماعات ملغومة، شائكة، رئيسية على خارطة الدبلوماسية والأمن والاقتصاد، وهى تأتى، عمليًا، قبل أكبر اجتماع دولى للأمم المتحدة على الإطلاق، وهو «الاجتماع السنوى لقادة العالم فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ابتداءً من 18 سبتمبر الجارى، وفيه يتم التجمع السنوى لزعماء العالم فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذى لن يكون تقليديًا فى هذه الدورة، وعادة، قبيل بدء الأسبوع الرفيع المستوى للجمعية العامة، تبدأ دول وقادة العالم فى وضع «المتوقع أو النتائج» إذا ما علمنا أن الأمم المتحدة أقرت بأن «تهيمن» الحرب الروسية الأوكرانية على الاجتماع السنوى للعام الثانى، بينما فى الملاحظات عديد المبادرات والمحاولات المتباينة لوضع خارطة طريق لقراءة واقع مجريات ومستقبل هذه الأزمة. 
.. وليس سرًا، أن سفير ألبانيا لدى الأمم المتحدة، فريد خوجة، الذى يرأس مجلس الأمن الدولى لهذا الشهر، قال بما يفسر، إنه «يكاد يؤكد» أن الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى سيحضر التجمع العالمى شخصيًا للمرة الأولى، وأنه سيتحدث فى اجتماع للمجلس فى ذات الاجتماعات الرئيسية، بما فى ذلك الإشارة إلى دعم وتحريك سكون القرار رقم 20 بشأن دعم ميثاق الأمم المتحدة فى أوكرانيا.
*.. بعد ذلك؟ 
الأمين العام، جوتيريش يعيد، وسيبقى دبلوماسيًا وهو يلفت إلى أن تعدد القمم «يعكس التعددية القطبية المتزايدة فى عالمنا»، مؤكدًا أن وجود مراكز قوة مختلفة «لا يضمن السلام والأمن» وأنه فى غياب مؤسسات عالمية قوية «قد تكون التعددية القطبية عاملًا لتصعيد التوترات الجيواستراتيجية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مأساوية».
.. هل فعلًا، بعد ذلك، يظل الحوار هو السبيل الوحيد لإيجاد مناهج مشتركة وحلول مشتركة للتهديدات والتحديات العالمية؟ 
حتمًا نحتاج إلى نبش تاريخ ما يحدث، لأن المنطقة والإقليم وشمال غرب إفريقيا تحديدًا، تعيش انعكاسات الأزمات، ما يؤثر على مستقبل المنطقة. 
السؤال يتكرر، أين نحن من كل ذلك؟