رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"تهديد متبادل".. كيف تتعامل إسرائيل مع ميدان العمليات فى الضفة الغربية؟

إسرائيل
إسرائيل

السبت الماضى وقع الهجوم العاشر خلال العام الحالى من قرية حوارة الفلسطينية، الواقعة بالقرب من مدينة نابلس بالضفة الغربية، وقُتل فيه إسرائيليان، ما وضع القرية تحت الرادار الأمنى الإسرائيلى، وجعلها تصبح واحدة من بين مراكز العمليات فى الضفة، بعدما تحولت إلى تهديد أمنى، فى ظل أوضاع جغرافية معقدة بالمنطقة.

وأصبحت القرية الفلسطينية المتحكمة فى الطرق المجاورة لها، خلال الأشهر الأخيرة، فى مرمى اليمين الإسرائيلى، خاصة بعدما شهدت أكثر من هجوم من المستوطنين، مع محاولات توغل من قوات جيش الاحتلال وسط دعوات متكررة من أعضاء بالكنيست لتنفيذ عمليات عسكرية موسعة فيها.

دعوات لعملية عسكرية فى «حوارة» بعد تنفيذ 10 هجمات منها 

تعد قرية «حوارة» الفلسطينية واحدة من بين ٥٦ قرية وبلدة تتبع محافظة نابلس، إحدى أكبر محافظات شمال الضفة الغربية، وبدأت تتصدر الأخبار فى إسرائيل بعد أن تم تنفيذ حوالى ١٠ هجمات فلسطينية منها منذ بداية العام الجارى. 

وشهدت حوارة، فى ليلة ٢٦ فبراير ٢٠٢٣، هجومًا حادًا من مستوطنين إسرائيليين، بعد مقتل شابين من المستوطنين فى بلدة مجاورة، وذلك بعد عدة أيام فقط من توغل الجيش الإسرائيلى فى نابلس، ما أسفر عن مقتل ١١ فلسطينيًا. 

وتشير المعطيات إلى أن ٦ من الهجمات العشر فى حوارة كانت عبارة عن عمليات إطلاق نار، وأسفرت إجمالًا عن مقتل ٤ إسرائيليين، وإصابة ٨، ثلاثة منهم بجروح طفيفة، و٣ بجروح متوسطة، واثنان فى حالة خطيرة، وكان نصف القتلى والجرحى من جنود جيش الاحتلال.

وتقع القرية فى المنطقة «أ» بالضفة الغربية، والتى يُمنع الإسرائيليون من دخولها، فيما يقع مركزها التجارى فى المنطقة «ج»، الخاضعة لسيطرة جيش الاحتلال مدنيًا وعسكريًا، لذا يستخدم الإسرائيليون طريقًا رئيسيًا يقطع البلدة، وهو الطريق «٦٠»، لأنه ليس لديهم أى طريق بديل عن ذلك الشريان الرئيسى الذى يقطع الضفة، ويستخدمه الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء.

ونتيجة للهجمات، أصبحت قرية حوارة فى مركز تصريحات اليمين الإسرائيلى، الذى دعا إلى القيام بعملية عسكرية فيها.

وقال رئيس المجلس الإقليمى للسامرة، يوسى دجان: «أطالب الحكومة بالبدء فى عملية عسكرية طويلة ومتواصلة».

كما دعا عضو الكنيست دانى دانون، من حزب «الليكود»، الأسبوع الماضى، إلى إغلاق المتاجر الواقعة على طول الطريق «٦٠»، كما دعا إلى حملة عسكرية جديدة فى الضفة الغربية لـ«اجتثاث الإرهاب».

وفى وقت سابق من العام الجارى، أدلى وزير المالية واليمينى المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، ببيان، دعا فيه إلى «محو حوارة من الخريطة»، وهى التصريحات التى أغضبت المجتمع الدولى وقتها، واعتبرتها الولايات المتحدة «بغيضة وغير مسئولة ومثيرة للاشمئزاز واستفزازية إلى حد التحريض على العنف».

ووسط تزايد الضغوط الدولية بسبب ما قاله، اضطر «سموتريتش» إلى القول إنها كانت «زلة لسان»، مضيفًا أنه «أخطأ فى اختيار كلماته بشأن (حوارة) وأن تصريحه خرج وسط ما أسماه بـ(جيشان المشاعر)».

وكانت «حوارة» إحدى أهم نقاط الخلاف بين اليمين والجيش الإسرائيلى، الذى أرسل، بعد عملية السبت الماضى، قواته لوقف اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين فى القرية، ووقف الهجمات الانتقامية، لكن أفاد الفلسطينيون بأن المتطرفين اليهود رشقوا سيارات الجيش بالحجارة.

وبسبب ذلك، هاجم أحد أعضاء الكنيست، عن حزب «القوة اليهودية» اليمينى المتطرف، قائد القيادة المركزية للجيش الإسرائيلى، وقال: «وصلت القوات أمس لحماية سكان حوارة.. يا لها من حقيقة مشوهة، فى حين أن سكان يهودا والسامرة هم من يحتاجون إلى الحماية».

محاولات لتفادى المواجهة بشق طريق التفافى للمستوطنين 

فى ظل التصعيد المتوقع، تحاول المؤسسة الأمنية فى إسرائيل إيجاد حل للتعقيدات حول حوارة والطريق «٦٠»، الذى أصبح مركزًا للهجمات، عبر شق طريق التفافى حول القرى والمدن الفلسطينية.

وتقرر إنشاء الطريق فى عام ٢٠١٩، أى قبل وقت طويل من تحول حوارة إلى مركز للهجمات، ومن المتوقع الانتهاء منه فى نهاية شهر ديسمبر المقبل، ما سيوفر حلًا أمنيًا للإسرائيليين الذين يمرون عبر الطريق «٦٠» كل يوم. 

وفى الشهر الماضى، تم بالفعل تركيب عوارض خرسانية ضمن أعمال الطريق، فيما تحدث البعض فى إسرائيل عن محاولات لتعطيل الانتهاء من المشروع، وعدم السماح بتنفيذ المشروع الالتفافى، ليظل الطريق بالقرب من حوارة هو الوحيد المتاح للإسرائيليين. 

وقالت وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميرى ريجيف، فى تصريحات صحفية: «يؤسفنى أن الخطة التى بدأتُها لطريق حوارة الالتفافى أوقفتها الحكومة السابقة».

وأضافت: «فى اللحظة التى عدت فيها إلى مكتبى فى بداية هذا العام حرصت على استئناف العمل على هذا الطريق، ويمكن بالفعل رؤية الجرارات تعمل هناك».

فيما قال اللواء متقاعد جادى شامنى، القائد السابق للقيادة المركزية للجيش الإسرائيلى، لإحدى المحطات الإذاعية: «هذا الطريق الالتفافى كان يجب أن ينتهى منذ وقت طويل، ولو حدث ذلك كان سيمنع كثيرًا من الاحتكاكات، لكن لماذا قبل بضع سنوات نقلوا تنفيذه من الجيش إلى وزارة النقل؟».

وأضاف: «الأمر كله يتعلق بالسياسة، ولا أحد يهتم بالأمن حقًا»، وتابع: «لقد أصبحت طرق المرور التى يمر عبرها الإسرائيليون بالقرب من الأراضى الفلسطينية قاعدة ملائمة لتنفيذ هجمات إطلاق النار هناك، والهروب بسهولة وإخفاء الأدلة».

ووفقًا لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، فإن أحد أكبر التهديدات فى الضفة الغربية، خاصة على الطرق السريعة، تأتى من احتمالية التعرض لإطلاق النار على الطرق من المركبات المارة، وذلك دون استخدام متفجرات ولا صواريخ ولا أى شىء آخر.

وأشارت إلى أن ذلك جعل الطرق السريعة مكانًا مفضلًا لمنفذى الهجمات، لأن أى مركبة على الطريق يمكن أن تصطدم بسيارة إسرائيلية وتهاجمها، كما أن أجزاء كبيرة من الطرق بالضفة الغربية، والتى يمر خلالها الإسرائيليون، متاخمة للقرى والمدن الفلسطينية، مما يسمح للمنفذين بالهروب بسرعة نسبية، أو إشعال النار فى سياراتهم بعد الهجوم والاختفاء وسط القرى، كما حدث فى هجوم السبت الماضى.

ونقلت الصحيفة عن مصدر أمنى إسرائيلى قوله: «من المستحيل وضع جندى كل ١٠٠ متر على الطرق فى الضفة الغربية، لكننا مع ذلك نحاول، من خلال المعلومات الاستخبارية والتاريخ الإقليمى، نشر القوات بطريقة من شأنها خلق أكبر قدر من القوة».

وأضاف: «الأمر ليس بسيطًا، فهناك تعقيد فى حماية بعض الطرق، لكننا نرى أن هجمات إطلاق النار على الطرق السريعة، خاصة من مركبة عابرة، مميتة للغاية».

وتابع: «عندما تتعرض إلى إطلاق النار من مسافة قريبة فلن يكون لديك فرصة كبيرة للنجاة، وبسبب النتائج المميتة لهذه الهجمات يواصل المنفذون استخدام نفس الأسلوب، كما أنهم يحاولون تغطية مواقعهم».

وأشار إلى أنه من أجل التعامل مع تلك الظاهرة، نشر الجيش الإسرائيلى قواته على طول الطرق الرئيسية بالضفة، ليبلغ عددها حاليًا ٢٣ كتيبة، بعدما كانت فى الماضى لا تتعدى ١٣ كتيبة فقط.

كما نقلت الصحيفة عن مسئولين فى جيش الاحتلال قولهم: «الإجراء المضاد الرئيسى ضد هجمات إطلاق النار على الطرق هو منع المنفذين من الوصول إليها فى المقام الأول».

وتابع: «نستهدف حاليًا مداهمة الورش والمخارط من أجل جمع الأسلحة، وتنفيذ عمليات أخرى على غرار عملية جنين، لكن ليس كل من فى القيادة المركزية يدفع باتجاه تنفيذ العمليات الهجومية».