رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا لم يُحاكم هؤلاء الشيوخ بتهمة التحريض على القتل؟

(1)

أعادت شهادة المحامى ثروت الخرباوى- التى أذيعت مساء أمس الثلاثاء فى برنامج "الشاهد" بقناة "إكسترا نيوز" والذى يقدمه د.محمد الباز- إلى ذهنى نفس السؤال الذى لم أجد إجابة شافية له وأنا أتابع أرشيف بعض الشيوخ! وقفز السؤال إلى ذهنى بقوة فى عدة مناسبات فى السنوات القليلة السابقة، حين قرأت بعض الحوارات المنشورة، وحين كنتُ أوثق مصادر كتابى "الكتاب الأسود". فى القانون هناك جريمة جنائية اسمها "التحرض" على ارتكاب أى فعل جنائى، وأغلظ تلك الجرائم عقوبة هى التحريض على القتل والذى يتخذ شكلًا من أشكالٍ متباينة. لكن الغريب جدًا فى الواقع المصرى أن هناك علماء، ينتمى كثيرٌ منهم لجامعة الأزهر وتبوأوا مناصب أكاديمية هامة، اعترفوا فى أكثر من مناسبة وبأكثر من وسيلة موثقة بأنهم حرضوا مواطنين مصريين على قتل مواطنين مصريين آخرين، ولم يقم أحد- أو ربما قام أحدهم لكن لم يُستجب قانونًا لتحركاتهم– باتهام هؤلاء العلماء بارتكابهم جريمة التحريض على القتل!

فى شهادة المحامى ثروت الخرباوى، العضو البارز السابق بجماعة الإخوان التكفيرية، أعاد الرجل لذاكرتى استحضار بعض صفحات الأرشيف الأسود لبعض هؤلاء العلماء– والذى قمتُ بتوثيق بعضه فى "الكتاب الأسود". محمود مزروعة، أستاذ عقيدة بجامعة الأزهر المصرية وأحد نجوم الفكر التكفيرى من هذه الزمرة ومن الحاصلين على الدكتوراه من جامعة الأزهر– ربما يكون صاحب النصيب الأوفر من نشر أفكاره التكفيرية فى وسائل الإعلام، بل وفى التباهى بذلك! بخلاف شهادته فى قاعة المحكمة، فلمحمود مزروعة حوارات وعبارات منشورة إعلاميًا بموافقته على قتل فودة، ربما لو صدرت عن غير رجل الدين لتم القبض على قائلها بعد ساعاتٍ من نشرها!

(2)

فى يوم الجمعة الأول من ديسمبر عام 2017م نشرت جريدة "فيتو" حوارًا معه كان يكفى وقتها لتقديم الرجل للمحاكمة الجنائية بتهمة "التحريض على القتل فى واقعة محددة"! وسأقدم فقرات قليلة جدًا من هذا الحوار الدموى لكى تكتمل الدهشة لا أكثر!

فردًا على سؤال "الشباب الذين قتلوا فرج فودة منتمون لأى تيار؟" 

جاء رد مزروعة كالآتى: "الحقيقة لا أعرف من أى تيار إسلامى تحديدًا لكن هناك أمرًا حدث لم أذكره من قبل، وهو أن هؤلاء الشباب طلبونى هاتفيًا وكنتُ وقتها أستاذًا معارًا بجامعة قطر وكنتُ مسافرًا بعد يومين لقطر. وطلبوا منى مقابلتى شخصيًا وقالوا إنهم جماعات إسلامية تريد استشارتى فى أمرٍ ما فقلت تفضلوا فى بيتى، فرفضوا وأعطونى موعدًا فى بنزينة قريبة من شيراتون المطار، وفى الساعة المحددة توجهت لهم فى البنزينة وتركت سيارتى للعمال وطلبتُ غسيلها وتوضيبها ودخلت مع أحدهم فى حجرة داخلية بعيدة عن البنزينة، ووجدت مجموعة من الشباب وسألونى عن حكم قتل المرتد فقلتُ لهم يجب قتله، فقالوا إذا لم يقتله الحاكم؟ قلت يقوم به عامة المسلمين وفى أعناقهم ضرورة قتله، وبعدها انصرفوا وبعد يومين سافرتُ قطر وفى الصباح حدثت الحادثة".

ربما يحتج أحدهم قائلًا إن حديث الرجل لا علاقة له به بفرج فودة، لكن الأسئلة الأخرى فى نفس الحوار تكشف تلك العلاقة، فقد سُئل بشكلٍ مباشر "طُلبت للشهادة فى قضية مقتل فرج فودة.. فما سر علاقتك بالقضية؟"، وأجاب بشكل مباشر واضح "فعلًا طُلبت للشهادة فى تلك القضية ولم تكن لى أى علاقة بهذه القضية.. ولكن طُلبتُ من خلال مقالاتى التى كنتُ أكتبها وهجومى مرارًا وتكرارًا على الإساءات التى كان يسيئها كثيرًا عن المسلمين والإسلام وعلى العقيدة الإسلامية ورموز الإسلام بوقاحة شديدة". 

بعد أن قرأت كثيرًا من أعمال فودة، وبعد أن أعدت قراءة المؤلف الذى قدمه مرزوعة كمستند ضد فودة فى نفس الحوار وهو "الحقيقة الغائبة"، يمكننى القول إن كتابات فودة لم تخرج عما نقوله الآن فى قضية تجديد الخطاب الدينى! لم يتعرض فودة للعقيدة الإسلامية، وإنما تعرض للتاريخ الإسلامى، وفى كتاب الحقيقة الغائبة تعرض لما يُسمى بالحكم الإسلامى أو الخلافات المتعاقبة، ليثبت أنها تصرفات بشرية غير مقدسة واجتهادات سياسية أخطأ أصحابها فى مواضع كما أصابوا فى مواضع أخرى!

فى نفس الحوار يصر مرزوعة على تأكيد قيامه بالتحريض على القتل، وبعد أن يتهم الذين يحتفون ويحتفلون بذكرى فودة بأنهم فاجرون يقول "أنا قلت فى شهادتى للمحكمة إن المرتد عن دين الله له حالتان، الأولى أنه قصر بارتداده نفسه وأغلق بابه على نفسه فهذا لا أقتله أو أمد يدى عليه، وإنما أطالب ولى الأمر بقتله فإذا لم يقتله فالمسئول عنه أمام الله هو ولى الأمر، أما إذا لم يقصر أمره على نفسه وإنما ذهب بارتداده اليمين واليسار يشكك فى العقيدة الإسلامية، وكان أسبوعيًا فى جريدة القاهرة له مقال ثابت يسب فيه الرسول وأصحابه وآل بيته ثم جاءت مصيبة كبرى (الحقيقة الغائبة) وطبع وقتها سمير سرحان ربع مليون نسخة وعرضه قيمته بنصف ثمن الجريدة، فكان أن أقبل عليه الجميع!".

هذا تحريض صريح على قتل فودة أصر عليه مزروعة، وكذب كثيرًا ليبرر جريمته. فلا فودة ولا غيره على أرض مصر يحب أو يتجرأ لا على سب الرسول "ص" ولا آل بيته ولا الصحابة، فالمصريون بكل طوائفهم وأفكارهم يعشقون آل بيت النبوة ولا يتنكر للاحتفال بموالدهم سوى من هم على شاكلة مزروعة! كتاب الحقيقة الغائبة كتاب تاريخى يتعرض للسياسة والحكم فى سنوات حكم الخلافة، ولم يأتِ فودة بما كتبه من بنات أفكاره، وإنما أتى بها مما تم توثيقه فى أمهات الكتب التى كتبها المؤرخون المسلمون أنفسهم!

تظهر بشكلٍ واضح حالة الغل فى كلمات مزروعة وهو يتحدث عن توزيع وانتشار كتاب الحقيقة الغائبة بين المصريين، وما يمثله ذلك من هزيمة كبرى للتكفير والتطرف، وصدمة لمزروعة وصفعة من المصريين بعد عقود من محاولات غسيل المخ!

(3)

مزروعة وفى نفس العام 2017م أدلى بتصريحات أخرى منها ذلك المنشور فى موقع يسمى "الفتح"، والذى يستكمل فيه مد مظلته التكفيرية لتغطى مساحات ومجموعات أخرى، فيقول إن الشيعة مجموعة من المجوس لا يزالون يطالبون بأخذ ثأرهم من المسلمين! وفى حوارٍ ثالث قبله بعامين 2015 فى جريدة النبأ يوم 21 أبريل، أصر أن الرسول "ص" قد خطب عائشة وهى تسع سنوات ثم تزوجها بعد الهجرة وقد تخطت الحادية عشرة! وشن هجومًا على إسلام البحيرى الذى نشر بحثًا قبل ذلك بسنوات يثبت فيه بالتواريخ والروايات المتواترة وبشكل علمى أكاديمى كذب هذا الادعاء، وأن النبى "ص" لم يتزوج السيدة عائشة إلا بعد أن تخطت الثامنة عشرة! ويصف مزروعة إسلام البحيرى وأمثاله بوصف "دعاة على أبواب جهنم"! ويدافع بقوة عن حد الردة ويدّعى أن حرية العقيدة قد نزلت فى غير المؤمنين أى قبل أن يعتنقوا الإسلام! يتجاهل عشرات الآيات القرآنية الصريحة عن حرية العقيدة للدفاع عن روايات مشبوهة أكاديميًا وعلميًا ليست فوق مستوى الضعف! وهى الحجة التى يسوقها هو وكل من يتشبثون بهذا الحد المفترى على الإسلام! وكنتُ قد أفردت صفحات من كتابى "الجلمود" الصادر عام 2016م للرد على هذه الادعاءات!

(4)

الشيخ الغزالى له نصيبٌ وافر من "التحريض على القتل" فى شهادات وفتاوى صريحة نشر بعضها ورقيًا، بينما سجل البعض الآخر صوتًا وصورة!

حقيقة مؤلمة أن الذين وقعوا أو أعلنوا أنهم سوف يوقعون على بيان جريدة النور السلفية وقتها لمؤازرة محمود مزروعة فى موقفه فى محاكمة فرج فودة، هم علماء أزهريون كانوا وقتها نجومًا يحتلون صفحات صحيفة جريدة الأزهر وبعض الصحف والمجلات والإصدارات التى يُطلق عليها إسلامية، ثم ثبت أنها تابعة وممولة من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين مثل الكتاب الدورى "المختار الإسلامى"، أو جريدة النور! توقيع هذه الزمرة من العلماء، أو حتى إعلانهم بأنهم سيوقعون على هذه الوثيقة تعنى بشكلٍ واضح موافقتهم على ما قام به مزروعة!

هناك شخصيات مهمة تولت مناصب دينية كبرى نشرت آراء تكفيرية صريحة ولم تخضع لمساءلة قانونية مثل د. "ن. ف. و" عالم بكلية الشريعة جامعة الأزهر قام بنشر مقال بجريدة أخبار المال يوم 23 أبريل 2009 قال فيه نصًا "قتل المرتد أمرٌ أجمع عليه كل الفقهاء والأئمة والمجتهدين على مدى التاريخ الإسلامى!" وكرر نفس كلام مزروعة أن آيات حرية العقيدة إنما تخص من لم يعتنق الإسلام!

(5)

هناك جريمة أخرى هى التحريض على الاعتداء على دور العبادة قام بها أحد أساتذة كلية التربية د."أ. ا" بإحدى الجامعات الإقليمية، وهو حاصل على ماجستير ودكتوراه فى الدراسات اللغوية والإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة. هذا الأستاذ الدكتور قام فى عام 2013م بالإشراف على إعادة طبع ونشر كتاب "إقامة الحجة الباهرة على هدم كنائس مصر والقاهرة" الذى كتبه أحد من تولوا منصب شيخ الأزهر. أستاذ كلية التربية كتب مقدمة للطبعة الجديدة للكتاب الصادرة عام 2013م هى تحريض صريح معلن على الاعتداء على دور عبادة مصرية، ولم تتم مساءلته قانونًا! القائمة طويلة ولا يتسع المقام هنا على حصرها كاملة فقط فى النصف قرن الأخير من تاريخ مصر!

(6)

أعود للسؤال الأول.. لماذا لم يتم تقديم علماء وشيوخ ثبت عنهم أنهم قد حرضوا على القتل تحت دعاوى قتل المرتد؟! أليست هذه ازداوجية وانفصامًا فى شخصية الدولة؟ ألا يُعد هذا نقصًا فى التشريع يجب رتقه، أو ربما يكون النقص فى تفعيل مواد القانون بما يتناسب مع شخصية الدولة، وشخصية الدولة- التى تعبر جميعًا عن شخصية مواطنيها– يبدو أنها لا تزال فى مرحلة الشيزوفرينيا! لكننا يجب أن نعرف أننا الآن فى مفترق طرق عقلية وفكرية، وسوف يحدد مستقبل هذه البلاد لعقود أو قرون قادمة ما سوف نختاره الآن من طريق! هل سنختار طريق "التقية" والنفاق الشعبوى ولا نتجرأ على المواجهة ونظل فى مرحلة "الشيزوفرينيا" العقلية، التى تقدم لنا مشاهد فى قمة العبث! فنحن نحاكم مَن قَتلوا ومن اشتروا الأسلحة ومن قدم المعلومات اللوجستية، بينما يدخل محرضون على نفس جرائم القتل إلى ردهات المحاكم كشهود ويخرجون منها سالمين، بل وأبطال فى عيون أتباعهم، ونجوم إعلام تنتظرهم شاشات قنوات أو مايكات أو صفحات صفح؟! إذا كانت الحجة هى أن هؤلاء يقومون بدورهم الوظيفى حسبما قر فى يقينهم الأكاديمى ولا تجب محاكمتهم على فعل ذلك، فلماذا تمت محاكمة مفكرين مصريين عارضوا– فكريًا– ما قام به هؤلاء؟!

إذا أرادت مصر الآن وهى على قارعة مفترق الطرق الفكرية أن تختار طريق الدولة المدنية القائمة على القانون المدنى، فعليها أن تعيد المنظومة التشريعية المتعلقة بدور رجال الدين فى المجتمع بطريقة تُخضعهم لتحمل المسئولية القانونية الجنائية لما يقولون به فى دروسهم أو ما ينشرونه عبر وسائل الإعلام المختلفة أو فوق المنابر أو فى الدروس التى تسبق أو تعقب بعض الصلوات! هناك قانون واحد يُلزم الجميع، ويجب أن يتساوى أمامه جميع المواطنين بغض النظر عن وظائفهم!

(7)

تمثل حالة مزروعة حالة فريدة تفتح مجالًا لتساؤل آخر حول مدى لياقة من يتولون مناصب أكاديمية فى الجامعات المصرية. فنحن نعرف كلمة "لائق" أو "غير لائق" فى تولى المناصب أو حتى الالتحاق بكليات جامعية معينة. لكننا حتى الآن لا نتعامل مع إحدى جوانب هذه "اللائقية" معاملة جادة، وأقصد بها "اللائقية النفسية". ففى أحد حوارات مزروعة نكتشف سببًا مهمًا لعقدة نفسية صاغت تطرفه وعدوانيته تجاه الدولة المصرية منذ عقد الستينات. وبغض النظر عن مدى صدق أو كذب روايته تلك، لكنها تظل حاضرة بقوة داخله، ويقينه بصدقها يجزم بخطأ توليه أى مناصب أكاديمية مثل تلك التى تولاها. حيث يقول مزروعة "فى عام 1956م كنت طالبًا فى الثانوية الأزهرية وأسكن مع أربعة طلاب، ثلاثة منهم من التنظيم الإخوانى. جاءت شرطة أمن الدولة وأخذتهم من السكن وأنا معهم ودخلت السجن الحربى وضربونا بالسياط. كان السوط فى نهايته قطعة من الصلب مثل الموس حتى تحدث جرحًا فى الجسد، ولكن الضربة جاءت فى عينى فأصيبت وراحت ومن هنا بدأت العلاقة تسوء بينى وبين النظام. وبعدها خرجت وأصبح لى ملف فى أمن الدولة". هذه عقدة مزروعة التى كان ينتقم منها من الدولة المصرية عبر عقود امتدت من الحدث نفسه وحتى ما بعد يناير 2011م حين عاد إلى مصر من السعودية!

تخسر مصر كثيرًا وعلى شتى الأصعدة من إهمال الجوانب النفسية فى سيرة كل شخص يتولى منصبًا مهمًا، أو حتى فى المواهب الصغيرة فى مجالات أخرى! فكم موهبة مثلًا فى مجال الرياضة أو الفنون لم تكمل طريقها الصحيح لعدم معالجة الجوانب النفسية لشخصية تلك الموهبة، وكم من مصرى تولى منصبًا وهو يحمل فى نفسه تشوهات نفسية نفث عنها فى انتقامٍ من الدولة وأحيانًا من المجتمع كله! وكم من عالم دين أشقى مصر والمصريين بآرائه المتصلبة جراء جوانب شخصية نفسية نبعت من بيئته أو حتى من مفردات حياته السابقة لتوليه مقعده فى المؤسسات الأكاديمية أو الدينية!

(8)

أعود لشهادة ثروت الخرباوى التى عبر فيها عن تعجبه من عدم محاكمة مزروعة بتهمة التحريض على القتل، وأضم صوتى لصوته فى المطالبة بتغيير منظومة دور رجل الدين فى مصر، سواء كان عالمًا يدرس فى إحدى الكليات الدينية، أو يلقى علينا دروسًا فى إحدى وسائل الإعلام أو إمامًا يصعد المنبر فى مسجد من مساجد مصر! عليهم جميعًا الالتزام القانونى بالقوانين المصرية القائمة، وأن تكون هناك آلية قانونية تسمح بخضوعهم القانونى– شأنهم شأن كل المصريين– الكامل للقانون المصرى ومشروعية تحريك اتهامات جنائية ضدهم!

وأستعير هنا عبارات الفنان أحمد زكى فى فيلم "ضد الحكومة" حين أراد فقط استدعاء وزراء أمام هيئة المحكمة لمساءلتهم عن جريمة اغتيال براعم وأطفال فى حادثة أتوبيس المدرسة، حيث قال عنهم "أليسوا مواطنين؟ لماذا لا يمثلون أمام هيئة المحكمة؟!...........". لقد تغير الحال وحاكمت مصر رئيسى جمهورية وألزمتهما بالمثول أمام القضاء خلف الأقفاص كمتهمين، كما حاكمت وزراء وأدانت بعضهم وتم سجنهم، وبقى علماء الدين بعيدين عن المساءلة القانونية الجنائية! حتى أن السبب الذى أورده مزروعة عن إبعاده خارج مصر يمثل واقعة فريدة.. عبارات سب وقذف وتطاول أخلاقى صدرت عنه فى حق الرئيس الأسبق مبارك وهو فى السلطة، فلم تتم محاكمة مزروعة بتهمة السب والقذف على الأقل فى حق مواطن مصرى يتولى منصب رئيس الجمهورية، وتم الاكتفاء بإبعاده خارج مصر! حيث يقول مزروعة ردًا على سؤال فى حوار جريدة فيتو "كنتَ من الناس الذين مارس عليهم نظام مبارك سطوته وحُكم عليك بالخروج من مصر فما سر ذلك؟"، كان رده نصًا "ذات يوم فى قضية وفاء قسطنطين قلتُ كلامًا فى إحدى الخطب فى المناسبات لم أتخيل يومًا أننى أقوله، كان منه أن الخادم لحرم رئيس الجمهورية شاب، وزوجها قارب الثمانين، وقلتُ إن الرئيس مبارك نعلٌ من نعال بوش رئيس أمريكا، وكان هذا ما تسبب فى نفيى خارج مصر وقد خرجت إلى السعودية وكنتُ أزور مصر لرؤية زوجتى وأولادى، وعدت بعد الثورة!".

ما هذا التدليل؟! يسب رئيس الجمهورية فيتم (نفيه) للعمل فى السعودية، ويُسمح له بزيارة زوجته وأولاده!

(9)

بقيت عدة ملاحظات فى شهادة الخرباوى، الأولى أنه أوضح لماذا قامت جماعة الإخوان باغتيال بعض المنشقين عنها بينما لم تفعل ذلك مع آخرين. حيث فرق بين بيعتين، الأولى منهما البيعة العادية أو بيعة الدعوة، والتى لا يبايع فيها العضو على الدم وإذا انشق عن التنظيم لا يتم اغتياله. أما البيعة الثانية فهى بيعة الدم التى يتم اختيار بعض الأعضاء لها وليس الجميع. وهى بيعة يوافق فيها العضو على سفك الدم فى سبيل الجماعة سواء دماء المعارضين وأعداء الجماعة أو دمه هو فى حالة الانشقاق!

الملاحظة الثانية أنه قدم إجابة تهمنى شخصيًا عن مقال الغزالى عن ماسونية حسن البنا والتنظيم والذى أورده فى كتابه "قذائف الحق" فى طبعته الأولى، ثم غاب هذا المقال فى الطبعات التالية. حيث كشف الخرباوى أن غياب المقال كان بالاتفاق بين التنظيم وبين الغزالى نفسه الذى تم طرده من الجماعة سابقًا لكنه لم يخرج فكريًا من جماعة الإخوان!

الملاحظة الثالثة وهى معلومة مهمة، المحامى الذى اشترك فى جريمة اغتيال فودة بنقل التكليف من قيادة الجماعة الإسلامية من داخل السجن إلى المنفذين خارج السجن، هذا المحامى الذى قام بذلك بصفته عضوًا فى الجماعة الإسلامية هو إخوانى تنظيميًا! كان ينفذ إحدى خطط الإخوان القديمة بالانتساب إلى أحزاب أو جماعات أخرى ليقوم بدور الطابور الخامس، وحين يقوم بارتكاب جريمة معينة تنسب الجريمة للتنظيم الذى اندس بين صفوفه! قال الخرباوى إنه عاصر هذا المحامى وحضر معه بعض أنشطة الإخوان تنظيميًا ويعرفه بشكل شخصى! ما قاله الخرباوى لا يبرئ الجماعة الإسلامية بالطبع من الجريمة، لكنه يوثق لاشتراك جماعة الإخوان معها!