رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أيام البركة.. الأقباط يبدأون «صوم العذراء»: «شفاعتك معانا يا أم النور»

صوم العذراء
صوم العذراء

تبدأ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أول أيام صوم السيدة العذراء مريم، الإثنين، والذى ينتظره المسلمون والمسيحيون على حد سواء، وتحول إلى واحد من أهم مظاهر الوحدة الوطنية التى تتميز بها «أم الدنيا» عن سائر دول العالم أجمع. وخلال فترة الصوم، يمتنع الأقباط عن تناول أى لحوم ويكتفون بالأطعمة النباتية فقط، ويسمح لهم بتناول الأسماك، بينما يكتفى البعض بتناول الخبز والملح فقط كنوع من النذور والزهد. وقالت مصادر كنسية، لـ«الدستور»، إن البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، يقضى خلوته خلال فترة الصوم ما بين القاهرة والإسكندرية، لكنه يلتزم بإلقاء عظات الأربعاء طيلة تلك الفترة من مدينة الثغر. وخصص عدد من الأديرة القبطية الأرثوذكسية احتفالات يومية طوال فترة الصوم، أبرزها دير درنكة، الذى يترأس احتفالاته السنوية الأنبا يؤانس أسقف أسيوط، ويستقبل الزوار طوال فترة الصوم، ويقيم قداسات ونهضات روحية مسائية يوميًا.

مسموح بتناول الأسماك.. والغالبية تكتفى بـ«الخبز والملح»

قال شريف برسوم، الباحث القبطى، إن غالبية أصوام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكون يوم الإثنين وليس السبت أو الأحد، ويرجع السبب فى ذلك إلى كون هذان اليومان مكرمين فى الكنيسة.

وأضاف «برسوم»: «لا يصح أن يُصام انقطاعيًا يوما السبت والأحد، لذا حتى فى فترات الصوم، يتناول الأقباط الطعام والشراب صباح هذين اليومين، مع الحفاظ على نوعية الطعام التى يتم تناولها خلال الصوم، كل حسب درجته».

وشرح الباحث القبطى درجات الأصوام لدى الكنيسة، أولاها ما يعرف بـ«أصوام الدرجة الأولى»، التى تعد الأشد نسكًا وزهدًا، ويفطر خلالها الأقباط على المأكولات ذات الطابع النباتى. وأوضح أن من أمثلة هذه الأصوام: صوم الأربعاء، وصوم الجمعة، وصوم أهل نينوى المعروف باسم صوم يونان، وكذلك صوم البرامون السابق للأعياد، والصوم الكبير الممتد لمدة ٥٥ يومًا وينتهى بعيد القيامة المجيد.

أما «أصوام الدرجة الثانية»، فتتميز بإمكانية تناول الصائم فى وجبات إفطاره مأكولات ذات طابع بحرى مثل الأسماك وغيرها، ومن بينها صوم السيدة العذراء الحالى، وفقًا لـ«برسوم».

وأضاف: «خلال فترة صوم العذراء، نمتنع عن تناول أى لحوم ونكتفى بالأطعمة النباتية فقط، مع السماح بتناول الأسماك، بينما يكتفى البعض بتناول الخبز والملح فقط كنوع من النذور والزهد».

طقوسها الموسيقية كثيرة وكل المحبين يغنون لها

قال المرتل إبراهيم وليم، خريج معهد الأنبا مكسيموس للألحان والتسبحة، إن صوم العذراء يرتبط بطقوس موسيقية فى الكنيسة، فالصلاة لا تخلو من ذكر العذراء.

وأوضح «وليم»: «مرد الأبركسيس فى القداسات الإلهية يبدأ بذكر العذراء، وكذلك ثيؤطوكية الأحد فى كل تسبحة من تسبحات منتصف الليل، وأيضًا معظم ألحان طقس التمجيد مثل سينا إتشو وشاشاف أنسوب أممينى وذفتى بانتيس وراشى نى وغيرها من الألحان».

وأكد أن هناك تراثًا موسيقيًا كبيرًا يخص العذراء، وفى الموسيقى الحديثة لها ترانيم؛ فكل محبى العذراء يتغنون بـ«يا مريم البكر فقتى.. ومجد مريم يتعظم بالمشارق والغروب».

زيارة الكنائس وإشعال الشموع لـ«خير النساء»

رأت السيدة «تحية» أن هناك مناسبات دينية تعد أفضل ما يمكن أن يعبر عن الوحدة الوطنية والمحبة الحقيقية المتبادلة بين قطبى الأمة وشركاء النسيج المصرى الواحد، المسلمين والمسيحيين، مثل صوم شهر رمضان المبارك، الذى يتبادل فيه المصريون وجبات الإفطار، و«الكريسماس» الذى تضاء خلاله الشوارع بأشجار «الكريسماس» ونغماته الشهيرة، وصولًا إلى صوم السيدة العذراء.

وقالت الموظفة الخمسينية إنها تخرجت فى مدارس راهبات، وتعرف جيدًا قيمة السيدة العذراء مريم، التى وصفها القرآن الكريم بأنها «مصطفاة من نساء العالمين».

وأضافت: «كثيرًا ما أزور كنيسة السيدة العذراء المجاورة لمنزلى وأضىء الشمع أمام صورتها، حينما أكون فى مأزق أو أزمة ما، وكلى يقين بأنها تسمع وتجيب الطلبات». وواصلت: «قبل أيام نذرت نذرًا للسيدة العذراء، وعلى الرغم من أن الله لم يستجب لطلبى حتى الآن، سأرسل هذا النذر مقدمًا مع زميلتى فى العمل، التى ستذهب لزيارة دير السيدة العذراء فى درنكة بأسيوط، خلال فترة الصوم فى أغسطس الجارى». وأكملت: «على يقين تام بأن السيدة العذراء لن تخيب ظنى وعشمى، كما اعتدت منها دومًا، أنا وكل أهل بيتى»، مشيرة إلى أنها لم ترث محبة العذراء من مدرستها فحسب، بل كان ذلك من والدتها، التى كانت «ترتبط بصداقة خاصة مع العذراء»، وكثيرًا ما تزور كنيستها «العزباوية» فى الأزبكية.

الشلولو أشهر الأكلات

قالت الطباخة روفينا سعيد، من إيبارشية شبرا الخيمة، الحاصلة على بكالوريوس السياحة والفنادق، إن أبرز أكلات فترة صوم السيدة العذراء ما يعرف بـ«الشلولو»، وهى ملوخية ولكن لا تؤكل ساخنة، تطهى بمياه فاترة وبشكل سريع، ويقال إن السيدة العذراء أكلت هذه الأكلة أثناء وجودها بمصر، لذلك ارتبطت هذه الأكلة بصومها.

«العزباوية» أشهر أيقوناتها.. ولا يُرد زائرها خائبًا

كشف جرجس فاروق، الحاصل على دبلوم الفنون القبطية من معهد الدراسات القبطية، أن «العزباوية» هى أشهر أيقونات العذراء فى مصر على الإطلاق، ويُقال إنه رسمها القديس لوقا الطبيب والرسول، وكانت البشارة الثالثة من بشائر الإنجيل بحسب الترتيب الحالى.

وقال «فاروق» إن أيقونة «العزباوية» توجد فى دير السيدة العذراء السريان فى حى الأزبكية، ويتوافد عليها المصريون، مسلمين ومسيحيين، ويطلقون عليها «الأيقونة المعجزية»، نظرًا للمعتقد السائد حولها، وهو أن كل من يقف أمامها ويطلب طلبًا وينذر نذرًا، لا يُرد خائبًا أبدًا.

وأشار إلى أن الأيقونة تظهر السيدة العذراء مريم ملكةً متوجةً، والمسيح ملكًا متوجًا، ويجلس على قدمها، ويرتدى كل منهما تاج الملك.

«المولد» تسمية خاطئة 

نبه مينا رويس، الحاصل على دبلوم معهد الدراسات القبطية فى التاريخ الكنسى، إلى خطأ يقع فيه كثيرون وفق قوله، وهو إطلاق وصف «مولد» على فترة الاحتفال بصوم السيدة العذراء مريم. وقال «رويس»: «هذه التسمية خاطئة، لأن الاحتفالات بالسيدة العذراء ترتبط بذكرى رحيلها، والصوم خلالها يكمن فى أن القديس توما، أثناء عودته من رحلته التبشيرية فى الهند، رأى أن الملائكة تحمل جسد السيدة العذراء مريم إلى السماء، التى ألقت الزنار الأحمر إليه كدليل على صحة الرؤية، وهو لا يزال إلى الآن محفوظًا فى كنيسة السيدة العذراء للسريان الأرثوذكس فى سوريا، المعروفة بكنيسة أم الزنار».

وأضاف: «القديس توما حينما رأى ذلك سأل التلاميذ عن العذراء، مدعيًا عدم علمه بموتها، وحينما ذهبوا ليروه القبر ليتبرك بها، فوجئوا بأن الجسد غير مسجى فيه، فروى لهم روايته عن جسد العذراء، فصاموا ١٤ يومًا ليريهم الله رؤية القديس توما، وهو ما حدث بالفعل».

وواصل: «لذلك الكنيسة لا تعترف بفكرة وجود (مولد) خلال الاحتفال بصوم العذراء، والاحتفال فى نظرها هو القداسات اليومية والعشيات والتسبحات والعظات المتنوعة، وهو ما يعرف بالنهضة الكنسية للقديس والعذراء».