رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صراع ثلاثى فى كوبا

إلى أوكرانيا، وشرق أوروبا، وتايوان، وبحر الصين الجنوبى، قد تنضم كوبا قريبًا، وربما تكون قد انضمت بالفعل، إلى ميادين الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين. ولعلك تعرف أن كوبا، التى تفصلها ١٦٠ كيلومترًا فقط عن شواطئ فلوريدا، كانت أبرز ميادين الحرب الباردة، وأن الصواريخ الروسية، التى وافق الرئيس الكوبى الأسبق فيدل كاسترو، على نشرها فى بلاده، سنة ١٩٦٢، كادت تجر العالم إلى حرب نووية.

لفترة قصيرة جدًا، تحسنت العلاقات الأمريكية الكوبية، نسبيًا، بعد محاولات الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما فتح صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات بين البلدين، غير أن العلاقات تراجعت، مجددًا، فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى أضاف إلى العقوبات التى كانت مفروضة على كوبا ٢٤٣ تدبيرًا جديدًا، واستمر التدهور مع إدارة جو بايدن التى لم توجه لها الدعوة لحضور «قمة الأمريكتين»، التى استضافتها مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، فى يونيو ٢٠٢٢، بزعم وجود مخاوف أو تحفظات متعلقة بسجل حقوق الإنسان والديمقراطية، بينما كانت روسيا والصين، تتقاربان معها ومع دول أمريكا الجنوبية إجمالًا.

كانت كوبا تواجه أسوأ أزماتها الاقتصادية، بفعل العقوبات الأمريكية، وتبعات وباء كورونا والأزمة الأوكرانية، حين توجه رئيسها ميجيل دياز كانيل إلى موسكو، أواخر نوفمبر الماضى، وفى الشهر التالى أعرب الرئيسان، فى مكالمة تليفونية، عن رغبتهما المشتركة فى مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وفى يونيو الماضى، توجه مانويل ماريرو كروز، رئيس وزراء كوبا، إلى روسيا، فى زيارة استمرت أكثر من ١٠ أيام، التقى خلالها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى أكد أن بلاده ستستمر فى مساعدة كوبا فى التغلب على العقوبات الأمريكية غير المشروعة. وفى الشهر ذاته، زار ألفارو لوبيز ميرا، وزير الدفاع الكوبى، موسكو وأجرى مباحثات مع نظيره الروسى سيرجى شويجو، الذى وصف كوبا بأنها «كانت ولا تزال أهم حليف لروسيا فى منطقة الكاريبى»، وقال إن العلاقات بين البلدين تطورت بدرجة كبيرة. 

الأهم من هذه الزيارات، كان وصول السفينة البحرية الروسية «بيريكوب»، Perekop، إلى كوبا، وعلى متنها نحو ١٠٠ طالب عسكرى روسى، ومساعدات إنسانية ومعدات مختلفة إلى الجزيرة، وحضر مراسم استقبالها السفير الروسى فى هافانا، ونائب قائد البحرية الروسية. وكنوع من رد الفعل، أرسلت الولايات المتحدة غواصة تعمل بالطاقة النووية، فى ٥ يوليو الماضى، إلى قاعدتها العسكرية فى خليج جوانتانامو، الأمر الذى وصفته الخارجية الكوبية، فى بيان، بأنه «تصعيد استفزازى من جانب واشنطن»، لا تعرف دوافعه السياسية والاستراتيجية، محذرة من «الخطر الذى يشكله تواجد غواصات نووية فى منطقة الكاريبى».

الصين، أيضًا، استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية أن تصبح حليفًا اقتصاديًا حيويًا لكوبا وباتت ثانى أكبر شريك تجارى لها، كما صارت الممول الرئيسى للتكنولوجيا والمنتجات الصناعية إلى كوبا، وأنفقت أكثر من ٣٠٠ مليون دولار على مشروعات تنموية، أهمها تحديث ميناء «سانتياجو دى كوبا»، وتطوير شبكة الروابط الجوية بين البلدين. وخلال زيارته بكين فى نوفمبر الماضى قال الرئيس الكوبى إن العلاقات بين البلدين تقوم على ثلاث ركائز أساسية: التكنولوجيا الحيوية، قطاع الطاقة، والحوسبة والأمن السيبرانى.

الأكثر من ذلك، هو أن صحفًا أمريكية من بينها «وول ستريت جورنال»، كانت قد نقلت عن مسئولين، حاليين وسابقين، أن الصين تدير «منشأة تجسس» فى كوبا، منذ سنوات، وقامت بتطويرها سنة ٢٠١٩، غير أن الخارجية الصينية نفت هذه المزاعم، وقال المتحدث باسمها، وانج ون بين، إن «إدارة بايدن تحاول نشر اتهامات لا أساس لها فى الواقع»، لافتًا إلى أن نشر الشائعات والافتراءات، «كما نعرف جميعًا»، يُعد تكتيكًا تتبعه الولايات المتحدة التى تملك براءة اختراع فى التدخل بشكل متعمد فى الشئون الداخلية للدول الأخرى.

.. وأخيرًا، لم يعد سرًا أن الصين ضخت استثمارات كبيرة فى أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى، منذ بداية القرن الحالى، وتجاوزت الولايات المتحدة كأكبر شريك تجارى لكثير من دولها.