رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أم الفنون.. بالأدلة والوثائق الأثرية: المصريون صُناع أول كرة فى التاريخ

 

 

 

عفوًا جبل أوليمبوس.. عفوًا مجمع أوليمبيا.. عفوًا فللحضارة المصرية السبق. لقد سبق المصريون- وبعدة قرون- أول بطولة للألعاب الرياضية الأوليمبية التى أقيمت عام ٧٧٦ق.م، وذلك بتنظيمهم أقدم منافسات رياضية موثقة! أما ممارسة الرياضة بشكل رسمى فقد سبق المصريون الحضارة اليونانية بما يزيد على عشرين قرنًا. هذه حقائق التاريخ!

وإن كانت الألعاب الأوليمبية اليونانية القديمة تقتصر فقط على ممثلى المدن اليونانية، فإن منافسات المصريين التى تم تسجيلها فى معبد هابو غرب الأقصر كانت منافسات دولية بحكام دوليين! وإن كانت الألعاب الأوليمبية اليونانية القديمة تستبعد النساء وتقتصر على الرجال، فإن المصريات قد مارسن جميع أشكال المنافسات الرياضية على الأقل منذ خمسة آلاف عام!

«تل جانيت» فى غرب الأقصر كان هو أول مكان يتجلى به «آمون» منذ ملايين السنين، فاختار المصريون هذه المنطقة المقدسة لتشييد معابد هابو التى لا يزال معظمها قائمًا محتفظًا بتوثيق المنافسات الرياضية الدولية الأقدم فى العالم، والتى تعود لعصر الملك رمسيس الثالث من ملوك الدولة الحديثة من القرن الثانى عشر قبل الميلاد!

تتقاسم متاحف العالم اللوحات والمنحوتات والوثائق المكتوبة التى توثق ممارسة المصريين لجميع أشكال الرياضات البدنية. 

وفى مصر تقف مقابر نبلاء مصر برسومها شاهدة على سبق المصريات والمصريين فى ابتكار أصول غالبية تلك الرياضات! ففى منطقة سقارة يوجد أقدم أثر رياضى فى التاريخ المكتوب. وفى منطقة مقابر سقارة من الدولة القديمة لدينا عدة مقابر منها «بتاح حتب - مرى روكا» القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد التى تصور مناظر ممارسة رياضات ألعاب القوة والرماية والوثب العالى والمصارعة وشد الحبل.. وفى منطقة بنى حسن بالمنيا لدينا مقابر الدولة الوسطى حوالى القرن العشرين قبل الميلاد التى تصور مئات المناظر لممارسة المصريين لرياضات الملاكمة، والمصارعة، والتجديف، والهوكى، والسباحة بأنواعها، ورفع الأثقال.. وفى الأقصر فى معابد هابو وحتشبسوت ومقابر النبلاء لدينا عشرات المناظر التى تصور رياضات العدو والمبارزة والملاكمة والمنافسات الرياضية الدولية!

الجرى

أقدم أثر رياضى فى التاريخ القديم موجود فى مصر، ويعود لحوالى القرن السابع والعشرين قبل الميلاد، ويمثل ممارسة الملك زوسر لرياضة العدو. تمثل اللوحة الملك وهو يؤدى أشواط عدو محددة، وهو ما يسمى بعيد «الحِب سد» كرمز على اللياقة البدنية والقوة وتصور دقة تشريح عضلات الملك. كل ملوك وملكات مصر تقريبًا من بعده كانوا يقومون بهذه الرياضة ذات المدلول الدينى. فالملكة حتشبسوت وعلى جدران مقصورتها بمعبد الكرنك تم تصويرها، وهى تقوم بنفس الرياضة البدنية. لدينا لوحة بمتحف بوسطن بالولايات المتحدة تصور الملك أمنمحات من ملوك الدولة الوسطى القرن العشرين قبل الميلاد وهو يقوم بنفس الرياضة.

مارس ملوك مصر رياضات أخرى بخلاف العدو، منها رياضة الرماية بالسهام أو الخناجر، سواء من وضع الثبات على الأرض أو من الوضع المتحرك من عربات حربية. لدينا فى متحف الأقصر لوحة تمثل الملك أمنحتب الرابع يمارس رياضة الرماية بالسهام. تفاخر ملوك مصر بألقابهم الرياضية. فالملك أمنمحات حوالى القرن العشرين قبل الميلاد ذكر ضمن ألقابه أنه «مدير الميادين الرياضية». والملك العظيم تحتمس الثالث من الدولة الحديثة القرن الخامس عشر قبل الميلاد ذكر ضمن ألقابه أنه «سيد الرياضيين»، وأنه قام برياضة التجديف ضد تيار النهر لمسافة لم يسبقه إليها أحد! لقد اقتنعت مؤسسة الحكم فى مصر القديمة بأن القوة البدنية عن طريق ممارسة الرياضات المختلفة من مؤهلات تولى الحكم! وكانت ألعاب القوى والرماية والتجديف والفروسية وصيد الحيوانات من أكثر الرياضات التى مارسها ملوك مصر!

السباحة

لم تقتصر ممارسة الرياضة فى مصر القديمة على طبقة دون أخرى، كما لم تقتصر على الذكور دون الإناث. الرياضة للجميع، كان هذا هو شعارهم الذى طبقوه بشكل عملى ووثقته الوثائق المكتوبة والمنحوتة والملونة. كانت السباحة من الرياضات التى حظت بعدد وافر من التوثيق للإناث والذكور. فلدينا بمقابر سقارة مناظر تعود للقرن ٢٥ ق.م تمثل ممارسة السباحة الحرة. وفى مقابر بنى حسن قرن ١٩ق.م مناظر تصور ممارسة السباحة الحرة. والأطرف هى اللوحات الموجودة ببعض متاحف العالم، مثل لوحة متحف اللوفر التى تعود للقرن ١٥ق.م التى تمثل تدريبًا على سباحة الصدر. ولوحة متحف المتروبوليتان بالولايات المتحدة من نفس الفترة وتمثل تدريبًا على سباحة الصدر للسيدات! وفى متحف بوشكين بموسكو لوحة سباحة حرة للسيدات من نفس الفترة التاريخية. ولوحة سباحة الصدر فى متحف تورينو من القرن ١٢ق.م. ويعتقد أن البحيرة المقدسة بمعبد الكرنك بالأقصر هى أقدم حوض لممارسة رياضة السباحة فى العالم! رياضة التجديف كانت من أولى الرياضات التى مارسها المصريون لارتباطهم بنهر النيل كوسيلة انتقال. ولدينا مئات المناظر فى مختلف المعابد المصرية التى تصور ممارستها سواء كطقوس دينية أو فى احتفالات شعبية أو منافسات رياضية خالصة. وبجانبها عرف المصريون «إنقاذ الغرقى» عن طريق تفريغ بطن الغريق، وتم توثيق ذلك فى مناظر معركة قادش بين رمسيس الثانى والحيثيين بأبيدوس قرن ١٣ ق.م!

المصارعة والملاكمة والجمباز

منطقة مقابر بنى حسن الأثرية بالمنيا- الدولة الوسطى القرنين ٢٠ و١٩ ق.م- هى بحق درة المناطق الأثرية التى توثق الرياضة المصرية القديمة. ومن أكثر الرياضات التى حظيت بوجود قوى فى مناظر تلك المنطقة هى رياضة المصارعة! ففى مقبرة «باكت» لوحة كبيرة بها ١٢٩ مشهدًا وموقفًا أو «مسكة» من مسكات تلك الرياضة أشبه بالمصارعة الرومانية! 

وفى مقبرة «خيتى» ١٢٢ منظرًا ومشهدًا لنفس الرياضة، لكنها أشبه بالمصارعة الحرة! ولم يكن الجمباز غائبًا عن رياضات المصريين. ففى نفس المنطقة لدينا فى مقبرة خيتى بعض المناظر! وفى منطقة سقارة الأقدم فى مقبرتى «محو ومرى روكا». ويبدو أن الرياضة شهدت عصرها الذهبى فى عصر الدولة الوسطى والدولة الحديثة، وأن نبلاء مصر قد اهتموا كثيرًا بتصويرها فى مقابرهم، ففى مقبرة «خبرو إف» بمنطقة القرنة فى غرب الأقصر لدينا لوحتان تمثلان ممارسة رياضة الملاكمة تعودان لبدايات الدولة الحديثة فى نهاية القرن ١٦ ق.م! 

الكرة واليوجا

المصريون هم من صنعوا أول كرة فى العالم! الأجيال الأربعينية والخمسينية لا شك يتذكرون جيدًا كلمة «كورة شراب» التى كان الأولاد والبنات يصنعونها من قطع قماش أو إسفنج وخيوط، ثم يتم وضعها فى جورب أو شراب! وكلنا يذكر فيلم «الحريف» للفنان عادل إمام! لم تكن تلك الكرة إلا آخر شكل من أشكال الكرة المصرية القديمة! فلدينا بالمتحف المصرى كرات حقيقية صنعها المصريون القدماء من الجلد والقش والخيط! ولدينا منظر من مقبرة خيتى ببنى حسن يمثل بعض الفتيات يمارسن لعب الكرة وقوفًا، ومنظر آخر من نفس المقبرة يمثلهن وهن يمارسن لقف الكرة وهن ممتطيات ظهور زميلاتهن، ونفس المنظر مكرر فى مقبرة «باكت» من منطقة بنى حسن من القرن ٢٠ق.م! ومن نفس المنطقة وفى مقبرة خيتى لدينا توثيق حقيقة أن «الهوكى» رياضة مصرية قديمة خالصة، مع استبدال الكرة بطوق أو حلقة صغيرة، لكن بنفس العصى المعقوفة!

ومن نفس المنطقة وثيقة أخرى عن ممارسة المصريين رياضة «اليوجا» من مقبرة خيتى القرن ٢٠ ق.م، وهناك منظر أقدم فى مقبرة بتاح حتب بسقارة قرن ٢٤ ق.م تمثل ممارسة رياضة اليوجا! كما مارسوا رياضة الجمباز للفتيات والصبية!

الفروسية

رغم أن الحصان غير مصرى حسبما يعتقد معظم علماء الآثار، وأنه دخل مصر مع اجتياح الهكسوس مصر، بعد انهيار الدولة الوسطى فى القرن ١٧ ق.م، لكنه كان يستخدم فقط فى جر العربات والعجلات الحربية فقط. لكن أقدم أثر لامتطاء الإنسان للخيل أو لممارسة الفروسية مسجل للمصريين! فلدينا لوحة من مقبرة حور محب بسقارة فى فترة توليه منصب قيادة الجيوش- القرن ١٤ ق.م- منظرًا ممثلًا لحور محب ممتطيًا جواده! ولم تصبح رياضة الفروسية شائعة إلا بعد مرور خمسة قرون على عصر حور محب! هذه اللوحة موجودة الآن فى متحف بولونيا بإيطاليا. هناك لوحة أخرى بمتحف اللوفر بباريس تعود للأسرة ٢٥ نهايات القرن ٨ ق.م تمثل ضابطًا يمتطى جواده!

الألعاب الأوليمبية

مارس المصريون الرياضات فى أماكن مختلفة. المنافسات الرسمية كانت تتم فى صالات مخصصة، لذلك كما هو موثق فى معبد مدينة هابو فى غرب الأقصر. مارس المصريون الرياضة بمختلف طبقاتهم الاجتماعية. فى منازل الأثرياء كانت هناك فسحات يقوم الصبية والبنات بممارسة رياضات الألعاب الجماعية. أما باقى المصريين فكما يحدث حتى الآن، كان الصبية يمارسون رياضاتهم فى الأزقة، وفى الحقول، وفى كل مكان يجدون فيه مساحة مناسبة لذلك! 

نظم المصريون مسابقات رياضية دولية وجلبوا لها حكامًا من دول خارج مصر. ففى معبد مدينة هابو بغرب الأقصر- رمسيس الثالث قرن ١٢ ق.م- لدينا توثيق مهم يوضح منافسات رياضية دولية نظمتها مصر، وجلبت لها حكامًا من خمس دول آسيوية وإفريقية. ومنظر لتقديم الفائز! وفى منطقة إخميم بصعيد مصر كانت تُنظم مسابقات رياضية دولية!

تنظيم المسابقات

نخرج مما سبق بعدة حقائق...

- أن مصر هى أقدم أمة مارست الرياضات بمختلف أنواعها، وتركت لنا آلافًا من الوثائق بين كتابات ولوحات منحوتة أو مناظر مرسومة، تحفظ لها حقها التاريخى فى ذلك!

- أن معظم الرياضات التى يمارسها العالم اليوم ليست إلا تطويرًا لما ابتكره المصريون، بل إن بعضه بقى كما هو!

- أن مصر هى أقدم دولة نظمت منافسات رياضية دولية شارك بها متنافسون وحكام من عدة دول، وأن ذلك سبق تنظيم أول مسابقات أوليمبية بعدة قرون!

- أن المنافسات الأوليمبية القديمة لم تكن دولية، بل كانت فى نطاق المدن اليونانية المتناحرة، كما لم يكن بها حكام من خارج تلك المدن!

- أن منطقة مدينة هابو بغرب الأقصر التى كان لها اسم قديم «تل جانيت» ربما تكون هى الأصل فى فكرة الألعاب الأوليمبية، وأن يكون اليونانيون قد «اقتبسوا» الفكرة مما رأوه فى مصر من تنظيم منافسات رياضية وربطها بمكان مقدس دينيًا!

 

التحطيب

رياضة أو لعبة «التحطيب» التى ما زال بعض المصريين فى قرى صعيد مصر يمارسونها هى رياضة مصرية قديمة خالصة! مارسها المصريون على الأقل منذ القرن الرابع عشر ق.م فى الدولة الحديثة. نفس الحركات باختلاف الزى! مارسها المصريون أولًا بسيقان البردى، كما فى مقبرة «خبرو إف» بغرب الأقصر، ثم مارسوها بالعصى كما فى إحدى مقابر الأقصر فى القرن الثانى عشر ق.م!