رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإيد الشقيانة.. نعمة عمال مصانع الطوب: «لهيب الشمس أحسن من قعدة البيت»

الإيد الشقيانة
الإيد الشقيانة

هنا فى مركز الصف، التابع لمحافظة الجيزة، تستقبلك المداخن الشاهقة ذات الشكل المخروطى الموحد، مُعلنة عن وصولك إلى إحدى المناطق الشهيرة التى تضم مصانع الطوب الطفلى، أو ما يعرف بين الأهالى بـ«الطوب الأحمر»، حيث تجرى هناك «معركة لكسب لقمة العيش».

يخوض المعركة جنود مجهولون، يحملون فوق ظهورهم قوالب الطوب لنقلها من مكان إلى آخر، تحت شمس يوليو الحارقة، وحيث يلاحقهم لهيب الأفران، وذلك ابتغاء كسب قوت يومهم، وتوفير نفقات أسرهم، ليضربوا المثل فى الصبر من أجل الرزق الحلال.

عم محمد: أصِل الوردية الأولى بالثانية للحصول على أجر أكبر

من بين هؤلاء محمد أحمد، وهو رجل خمسينى يرتدى جلبابًا اختفى لونه الأساسى وصُبغ باللون الأحمر بسبب غبار الطوب، وعلى ظهره قطعة خشبية مصممة بشكل ما، ليحمل عليها أكبر كم من «قوالب الطوب» التى ينقلها من مخزنها إلى مقطورة النقل، ويكرر ذلك ذهابًا وإيابًا عشرات المرات يوميًا.

وقال «عم محمد» كما يناديه زملاؤه فى الموقع: «بدأت العمل فى هذه المهنة منذ ٢٠ عامًا، عندما كنت لا أزال شابًا، وأصبحت مهنتى التى أحصل على رزقى من خلالها، واعتدت على ما بها من عمل شاق وقاسٍ».

وأوضح أنه يستيقظ عند أذان الفجر، وبعد أن يؤدى الفريضة يذهب إلى حيث يتجمع زملاؤه من العمال فى انتظار العربة التى تقلهم إلى المصنع، حيث يبدأ العمل من شروق الشمس حتى أذان الظهر، وهى الوردية الأولى، وفى بعض الأحيان يستكمل عمله ويصل الوردية الثانية بالأولى، من أجل الحصول على أجر أكبر.

وعن المجهود والعمل الشاق وسط ارتفاع درجات الحرارة وكذلك لهيب الأفران، قال «عم محمد»: «بالتأكيد العمل فى هذه المهنة صعب ومجهد، لكن هذا هو حال الحياة، فالرزق يحتاج إلى العمل والجد والاجتهاد، حتى نشعر بقيمة ما نحصل عليه».

وأضاف: «دائمًا ما أقول: (الحمد لله، اللهم دمها نعمة)، وعندما تقل حركة العمل وتهدأ سوق الإنتاج ويطلب منا أصحاب المصانع أن نأخذ عطلة لأن العمل قليل، أشعر بغصة وملل، فأنا لم أعتد الجلوس فى المنزل دون عمل».

وواصل: «لذا فى فصل الشتاء، عندما تقل حركة البناء وطاقة العمل فى المصنع، أبحث عن عمل إضافى، حتى أقدر على جلب رزق اليوم لأبنائى، فأنا لدىّ ٣ أبناء، لديهم متطلبات بشكل يومى، لذا ليس هناك مجال للكسل والتراخى».

 

على محمود: الأجر اليومى ما بين 50 و150 جنيهًا على حسب «القوالب»

قال على محمود، أحد العاملين فى المصنع، إن هذه المهنة تعد من أقدم المهن التى عمل بها البشر فى مختلف العصور، حتى فى عصر الفراعنة، كما أنها ذُكرت فى القرآن الكريم على لسان فرعون موسى، حينما أمر هامان أن يبنى له صرحًا فقال له: «فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحًا».

وأضاف «محمود»: «لا يمكن لأحد الاستغناء عن الطوب الأحمر فى البناء حاليًا، بعد أن كان قديمًا يتم استخدام الطوب اللبن فى بناء المنازل»، لافتًا إلى أنه يتم تصدير الطوب المصرى إلى الخارج، بعد تحقيق الاكتفاء الذاتى منه وتلبية الطلب المحلى.

وبيّن أن العمل يمر بعدد من المراحل، تبدأ باستخراج «الطَّفلة» والرمال من الجبل، ثم يتم خلطهما وطحنهما، ويلى ذلك إدخالهما إلى ماكينة ضغط وصناعة «القوالب»، فيخرج عمود طويل، ويقطع إلى قوالب بالمقاسات المطلوبة، ثم نتركه يجف تحت أشعة الشمس.

تأتى بعد ذلك المرحلة التالية وهى مرحلة إحراق الطوب فى الأفران حتى يتحول إلى طوب أحمر، ويتولى هذه المهمة عامل يعرف بـ«الحَرِّيق» وهى مهنة تحتاج إلى مواصفات خاصة فى صاحبها، باعتبارها من أهم مراحل صناعة الطوب، وفق «محمود».

وأوضح أن هذا العامل مطلوب منه معرفة الطوب الناضج أم يحتاج إلى أن يُترك فى النار لوقت إضافى حتى ينضج، ثم يتم بعد ذلك استخراج الطوب ليكون جاهزًا استعدادًا لبيعه، ويتولى هذه المهمة مجموعة من العمالة تنقله من المخازن إلى العربات، من خلال حمله على ظهورهم بواسطة جزء خشبى يضعه العامل على ظهره يسمى «العصفورة».

وبالنسبة للأجر اليومى، قال إن هذه المهنة تعتمد على مقدار الإنتاج، مشيرًا إلى أن الأجر يتراوح فى المتوسط ما بين ٥٠ و١٥٠ جنيهًا، وفقًا لعدد «القوالب» التى ينقلها.

الطفل أحمد جمعة:بدرس فى المرحلة الإعدادية .. و«بحوش عشان أشترى عجلة»

بينما يعمل الجميع كخلية نحل فى المصنع، وكل منهم يعرف دوره ومهمته، يظهر الطفل أحمد جمعة بين العمال، وهو طالب فى المرحلة الإعدادية، يقضى العطلة الصيفية فى العمل بمصنع الطوب القريب من بيته، ليتحصل على مصاريفه ويشغل وقته. وقال «جمعة» إن العمل فى نقل «قوالب الطوب» ليس مقيدًا بأجر معين، فهو حسب الإنتاج، أو كما يطلق عليه «العمل بالطريحة»، لافتًا إلى أن أجره اليومى يتراوح ما بين ٢٠ و١٠٠ جنيه، حسب عدد «القوالب» المنقولة فى الوردية، مبينًا أن «كل ألف طوبة لها سعر، وكلما ازداد العدد ازداد الأجر، وبالتأكيد يختلف أجره عن الرجال لأنهم ينقلون أكثر». وأفاد بأن عمله فى المصنع بمحض إرادته، فلا يجبره أحد عليه، وهو الذى طلب من والده أن يعمل فى الإجازة، وألح فى هذا الطلب حتى وافق الأب، مضيفًا: «أنا متحمس للعمل وأحرص على التواجد بشكل يومى دون انقطاع، لأنه يُشعرنى بالمسئولية وقيمة الأموال فى يدى، فكما يقال عليه (قرش شقا)، كما أننى أتمنى شراء دراجة من مالى فى نهاية الإجازة الصيفية».