رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا لم تتطور إدارة الأزمات فى مصر؟

الحوار مع الجمهور هو المدخل الصحيح لإدارة الأزمات إعلاميًا في العصر الرقمي.
لا توجد وصفة ثابتة لإدارة الأزمات.. والجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح هو البطل.

تطورت مفاهيم إدارة الأزمات من عدة زوايا، أهمها أنه لم يعد ينظر إليها كعملية أو خطوات ثابتة، وإنما كعملية متغيرة تؤثر وتتأثر بعديد من العوامل التنظيمية والداخلية والخارجية للأزمة أو الكارثة، خاصة مدي كفاءة المنظمة (سواء حكومية أو خاصة أو أهلية) في إدارة الأزمة وتفاعلات أطراف الأزمة ومدي استجابة المنظمة ولوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وتعتبر إدارة الأزمات في التحليل الأخير وظيفة تنظيمية حاسمة تنطوي على التخطيط والاستجابة الديناميكية للحوادث عند حدوثها، والتي تتفاعل غالبًا بطرق غير متوقعة، ويمكن للآثار المتتالية لأزمة ما أن تقوض من قدرة بلد أو منظمة ما على العمل بفعالية، ما قد يؤدي إلى إلحاق ضرر جسيم بالناس والهياكل والأصول والسمعة.. وبشكل عام يلعب الاتصال والإعلام أدوارًا متعددة، بالغة الأهمية في التعامل مع الأزمة في مراحلها المختلفة، وقد أدى ظهور عدد كبير من أدوات وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير المشهد في إدارة الأزمات بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، واكتسبت وسائل التواصل الاجتماعي قدرات كبيرة على منع حدوث أزمة أو تفاقمها، كما أصبح من الممكن العمل في إدارة الأزمة من خلال البرمجيات المتاحة مثل منصات المناقشة عبر الإنترنت ومجمعي الأخبار، كذلك يمكن للمنظمات الآن نشر واكتساب وتحليل المعلومات بشكل أكثر كفاءة وبشكل شامل، ومن ثم لا يمكن للمنظمات الخاصة أو العامة أو التابعة للمجتمع المدني تجاهل هذه القدرات، وإنما العمل علي الاستفادة منها وإدماجها ضمن جهودها لإدارة الأزمة والاستجابة الفعالة لها.
والدرس المهم أنه لا توجد وصفة ذهبية أو نهجًًا واحدًا ناجحًا، أو إرشادات ثابتة لإدارة الأزمات نتيجة اختلاف طبيعة كل منها وسياقها ومدي قوتها من جهة، وحجم المنظمة وتباين قدراتها من جهة أخرى، ويؤكد ماير أن «إدارة الأزمات بطبيعتها محفوفة بالمخاطر، ولا يمكن التنبؤ بها بدرجة كبيرة، إنها– يقصد إدارة الأزمات– رحلة من الموافقة المستمرة، ولا نهاية للرحلة. وعمومًا هناك تطوير وتجريب في إدارة الأزمات يجري، جنًبا إلي جنب مع دراسة تقييم إدارة بعض الأزمات والتعلم منها، واستخلاص الدروس المستفادة منها، كما ظهرت محاولات جديدة، ولكنها محدودة لتحليل الأزمات من خلال نماذج رياضية ونماذج محاكاة علي برامج الحاسوب وتطبيقات الذكاء الاصطناعى، منها علي سبيل المثال محاولة حديثة لاستخدام نماذج نظرية الألعاب في البحث المتعلق بإدارة الكوارث الطبيعية في مراحلها المختلفة، وتفترض هذه النماذج اشتراك وتفاعل الوكالات الحكومية والشركات الخاصة، باعتبارهم لاعبين في لعبة الإغاثة أثناء مواجهة الأزمات والكوارث، ويتم استخدام ألعاب المهاجم– المدافع بشكل متكرر نسبيًا لنمذجة كل من التجارب السابقة والاستجابة لكارثة ما، وتخصيص الموارد الدفاعية والألعاب المتسلسلة/ المتزامنة، وذلك بهدف تقديم رؤى حول المستوى الأمثل من القرارات المتعلقة بالاستثمار الدفاعي، وبناء الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مواجهة وقوع الأزمة أو الكارثة.
خلاصة القول إن إدارة الأزمات هي عملية مركبة، تتكون من أنشطة التقييم لمقدمات وبوادر الأزمة، وتطبيق الاحتياطات اللازمة للتعافي من الأزمة بأدنى حد من الخسائر، بكلمات أخري أن إدارة الأزمات أو الاستجابة لها هي عملية تتضمن مجموعة من الأنشطة، مثل التقدير والوقاية من الأزمات، والاستعداد لها، وتحديد خصائصها، والتخطيط المرن للتعافي، وتحديد آليات التعلم وإعادة الجدولة والتطبيق. ومن الأفضل دائمًا العمل لمنع وقوع الأزمات .
وأود الإشارة إلي أن أدبيات الأزمات تكاد تجمع على أن أول كتاب في إدارة الأزمة نشره فينك Finkعام 1986 في الولايات المتحدة، ومن الشيق أن أول كتاب باللغة العربية عن إدارة الأزمات لم يتأخر كثيرًا، إذ نشر أستاذي محمد رشاد الحملاوي أستاذ الإدارة بجامعة عين شمس كتابه الأول والرائد «إدارة الأزمات: تجارب محلية وعالمية عام 1993»، لذلك يعتبر الحملاوي بحق رائد بحوث الأزمات في مصر والوطن العربي، وقد أسس وحدة بحوث ودراسات الأزمات بكلية التجارة، جامعة عين شمس- اسميت بعد وفاته، رحمه الله عليه، إلي مركز محمد رشاد الحملاوي - وقد نظمت الوحدة تحت رئاسة الحملاوي مؤتمرًا سنويًا عن إدارة الأزمات في مصر والوطن العربي، كما شاركت مع الحملاوي في تحرير أول تقرير مصري وعربي عن الأزمات والكوارث في مصر المحروسة عام 1998، ثم غطي التقرير عام 1999. القصد لم يتأخر ظهور بحوث ودراسات إدارة الأزمات في مصر عن ظهورها في الولايات المتحدة، لكن الدمج والتعاون بين الجهود النظرية والممارسات والتطبيقات العملية ساعد كثيرًا علي تطور الدراسات الأمريكية والأوروبية في هذا المجال، بينما استمر الطابع النظري النقلي في أغلب الدراسات والبحوث والكتابات المصرية والعربية .

اتصال وإعلام الأزمات:
بدأت تظهر في الثمانينيات مقالات قصيرة عن اتصال وإعلام الأزمات في المجلات الموجهة للممارسين، وكانت هذه المقالات عادةً تقارير عما فعله الممارسون عند مواجهة الأزمات، ومن هذه المنشورات المبكرة جاءت قوائم بما يجب على المديرين فعله وما لا يفعله عند مواجهة الأزمات. ويعرف كومبس اتصالات الأزمة بأنها عمليات جمع ومعالجة ونشر المعلومات المطلوبة لمعالجة حالة الأزمة في مراحلها المختلفة (قبل وأثناء وبعد الأزمة) وتشمل فترة ما قبل الأزمة، جمع المعلومات حول المخاطر والأزمات، واتخاذ القرارات حول كيفية إدارة الأزمات المحتملة، وتدريب الأشخاص الذين سيشاركون في عملية إدارة الأزمات، ويشمل التدريب أعضاء فريق الأزمات والمتحدثين باسم المنظمة أو الحكومة أثناء الأزمات.
ويركز الاتصال أثناء الأزمات علي كيفية إنشاء ونشر رسائل الأزمات إلى الأشخاص خارج الفريق، أى الجماهير الداخلية والخارجية، علاوة على جمع المعلومات ومعالجتها لمساعدة فريق الأزمات في اتخاذ القرارات المناسبة. وتتضمن مرحلة ما بعد الأزمة تحليل جهود إدارة الأزمات، وإبلاغ التغييرات اللازمة للأفراد، وتقديم رسائل لمتابعة الأزمة حسب الحاجة.
بينما تؤكد التعريفات الحديثة في العصر الرقمي لاتصالات الأزمات على أنه الحوار بين المنظمة و الجمهور قبل وأثناء وبعد الأزمة. ما يعني التفاعلية بين الجمهور والمنظمات المختلفة، واحترام المنظمات لآراء وتعليقات الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد انتهي الاتصال من أعلي (المنظمة) إلي أسفل (الجمهور) وصار الجمهور لاعبًا رئيسيًا. كما تشدد التعريفات الحديثة أيضًا أن الاتصال والإعلام في الأزمات هو محاولة للسيطرة على المعلومات وتهدئة رد فعل الجمهور السلبي عندما يحدث تغيير مفاجئ ودراماتيكي في المنظمة قد يؤدي إلي تلطيخ سمعتها وتعرض استقلاليتها للخطر؛ لذلك لا بد من التركيز علي استعادة الشرعية التنظيمية من خلال إجراءات مناسبة أو ملائمة، أهمها التفاعل والحوار مع الجمهور، والصدق والشفافية.
ومع ذلك يمكن القول إن اتصالات وإعلام الأزمات تفتقر إلى تعريف أو مفهوم متفق عليه بين الباحثين والخبراء، كما هو الحال في تعريف المخاطر أو الأزمات، وذلك بسبب الطبيعة البينية لدراسات الاتصال، فهو مجال أو تخصص جديد يجمع باحثي وخبراء في الاتصال والصحافة والإعلام والعلاقات العامة، جنبًا إلي جنب مع باحثين وخبراء في الإدارة وعلم النفس والاجتماع والسياسة وغيرها من التخصصات المهتمة بإدارة الأزمات، ومع ذلك فثمة اتفاقات ضمنية أو صريحة علي بعض مكونات اتصالات الأزمة ووظائفها في المراحل المختلفة للأزمة، لعل أهمها استخدام وسائل الإعلام التقليدية والجديدة في اتصال وإعلام الجماهير الداخلية والخارجية للمنظمة في المراحل المختلفة للأزمة، مع ضرورة إقامة حوار وتفاعل مباشر مع جماهير المنظمة للتوصل إلي أفضل استجابة أو مواجهة ممكنة للتحديات التي تفرضها الأزمات.
أما أهداف اتصالات وإعلام الأزمات فتتلخص فى تحقيق السلامة العامة وحماية سمعة المنظمة، والتخفيف من الآثار السلبية ودعم الاتجاهات والسلوك الإيجابي نحو المنظمة، وذلك من خلال دعم الثقة بين المنظمة والجمهور من خلال الحوار والمكاشفة وعدم إخفاء المعلومات، والحضور الرقمي المؤثر والرقمي للمنطمة من الدقائق الأولي للأزمة. ويأتي بعد السلامة العامة إصلاح الصورة الناجم عن السمعة، وهي مهمة تقوم بها اتصالات الأزمة، ويؤكد كومبس أن الاتصال ضروري في جميع أجزاء عملية إدارة الأزمات، ويمكن تقسيم عملية إدارة الأزمات إلى فئتين رئيسيتين: هما إدارة المعلومات، وإدارة المعني، وتتضمن إدارة المعلومات جمع وتحليل ونشر المعلومات، ونشر المعرفة التي تم إنشاؤها من خلال تحليل معلومات الأزمة، بينما تتضمن إدارة المعنى محاولات إدارة تصورات عن الأزمة.