رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما هي سيناريوهات المرحلة المقبلة بعد خروج روسيا من "اتفاقية الحبوب"؟

روسيا
روسيا

قال الدكتور أشرف الصباغ الباحث والمختص في الشأن الروسي، إنه من الواضح أن موسكو حولت "اتفاق الحبوب" من اتفاق اقتصادي إلى ملف عسكري- سياسي بامتياز، ويبدو أن الضغوط العسكرية والعقوبات الاقتصادية قد بدأت تؤثر بقوة على قرارات الكرملين الذي يطالب عمليا بإطلاق يده في أوكرانيا وفي البحر الأسود مقابل تنفيذ هذه الصفقة، فموسكو تطالب أن تضغط الحكومات الغربية على شركات التأمين العالمية لكي تقوم بالتأمين على السفن الروسية، بينما شركات التأمين لا يمكنها فعل ذلك بسبب العمليات العسكرية الروسية وعدم استقرار الأوضاع والمخاوف الناجمة عن تورط روسيا في الحرب، وتطالب أيضا بفتح موانئ الدول الأوروبية أمام سفنها، وهو أمر غريب في ظل العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا كما أن الكرملين يطالب بإعادة البنك الزراعي الروسي إلى شبكة سويفت العالمية، هذا إضافة إلى أكثر من عشرة مطالب أخرى كلها تستهدف رفع العقوبات الغربية عن روسيا وهو ما يعني إطلاق يدها في أوكرانيا وفي أي مكان في أوروبا، وإلا ستظل تهدد باستخدام الحبوب كأداة سياسية.

 

وأشار الصباغ، إلى أن موسكو قررت استعادة الوضع العسكري والأمني الذي كان قائما قبل توقيع اتفاق الحبوب، أي إعادة تحويل منطقة البحر الأسود إلى منطقة "خطر"، وإلى منطقة عمليات عسكرية ذات طبيعة معينة وهو ما سيضر ليس فقط بأوكرانيا، ولكن أيضا بروسيا وتركيا والعديد من دول العالم التي من بينها دول أعضاء في حلف الناتو، لافتا إلى أنها خطوة كلاسيكية للغاية لا فائدة منها لأن الغرب يسبقها بعدة خطوات، فروسيا تفاقم من خلط الأوراق لكي تكون لديها مساحة أوسع للمناورة ولإمكانية التفاهم مع كل دولة على حدة، ليس بشأن اتفاق الحبوب فقط، أو بشأن بيع الحبوب لهذه الدولة أو تلك فقط، ولكن أيضا بشأن مصالح كافة دول العالم في البحر الأسود، وبالذات الدول المطلة عليه وتتصور موسكو أنها بذلك تشق الصف الدولي وتضع المزيد من المعوقات أمام الغرب.

 

وأوضح الصباغ، أن كل حمولات نقل القمح عبر البحر الأسود ستتعطل، لأنه أصبح منطقة عمليات عسكرية ولا توجد ضمانات لا من روسيا ولا من أوكرانيا بشأن تأمين مرور سفن نقل شحنات القمح وبالتالي، بدأت مناورات من الطرفين الروسي والأوكراني، فالأول بدأ يناقش تصدير الحبوب عبر البحر الأسود مع تركيا بعيدا عن أوكرانيا، بينما الثاني بدأ يبحث تصدير القمح عبر البحر الأسود بعيدا عن روسيا ولكن طالما هناك حرب وعمليات عسكرية، فلن تنجح لا مناورات روسيا ولا مناورات أوكرانيا وعلى الطرفين أن يبحثا عن طرق برية أو جوية لتصدير حبوبهما، بعيدا عن البحر الأسود الذي سيصبح بحق منطقة ساخنة بسبب تصرفات روسيا.

 

وأضاف أن أوكرانيا ستجد منافذ برية لتصدير قمحها ولكن روسيا ستقع في أفخاخ سياسية وعسكرية، وستعود مجددا للتعامل مع تركيا التي تستغل كل صغيرة وكبيرة للاستفادة منها، خاصة وأن "اتفاق الحبوب" يحقق الكثير من الفوائد والمصالح الاقتصادية والمالية والسياسية واللوجستية لأنقرة، وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصيا.

 

وتابع الصباغ، أسئلة كثيرة تدور حول ما هية موقف تركيا من هذه التطورات الخطيرة؟ وبماذا سترد تركيا على التحركات الروسية الجديدة التي تضرب الاقتصاد التركي، المتعثر أصلا، في مقتل؟ وماذا عن موقف الصين التي طالبت روسيا بالالتزام بتنفيذ اتفاق الحبوب، ولم تستمع موسكو إلى مناشداتها؟ وماذا عن موقف دول الشرق الأوسط وأفريقيا التي تعتمد بشكل مثير للتساؤلات على القمح الروسي والأوكراني؟! وما هو موقف الغرب من تلك التحركات الروسية، وموقفه من المحاولات المستقبلية التي ستلجأ إليها روسيا لتصدير شحنات القمح الخاصة بها، سواء عبر طرق بحرية أو برية؟!.

 

وأشار إلى أن موسكو كررت تصريحاتها بشأن استعدادها لإمداد الدول التي بحاجة إلى القمح، مجانا بل ذهب الكرملين للحديث صراحة عن الاستغناء عن القمح الأوكراني واستيراد القمح الروسي بدلا منه وبشكل مجاني كل ذلك مصحوب بحملة دعائية وبروباجندا فظة تدفع موسكو إلى البكاء بمرارة على أحوال الدول الفقيرة التي لا تحصل على القمح الأوكراني وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن "أفقر الدول الأفريقية حصلت على أقل القليل من صفقة الحبوب"، وذلك من دون أي توضيحات واتهم دول الاتحاد الأوروبي بأنها لم تنفذ شروط الصفقة حسب رؤية موسكو، وبأنها حصلت على القدر الأكبر من صادرات الحبوب الأوكرانية.  

 

الصباغ: عرض موسكو باستعدادها لإمداد الدول المحتاجة للقمح مجانا هو عرض استعراضي

ولفت إلى أن عرض موسكو باستعدادها لإمداد الدول المحتاجة للقمح مجانا، هو عرض سياسي وليس اقتصادي، وهو عرض استعراضي غير واقعي بالمرة، نظرا لأن موسكو لم تحدد آليات وطرق الإمدادات، ولا المقابل السياسي للقمح المجاني وفي الحقيقة، الكرملين يتصور أنه يتحرك بمفرده في الساحتين الإقليمية والدولية، ويحاول فرض شروطه التي ترتكز على أرضية الابتزاز والعسكرة، وإثارة أكبر قدر من الضجيج وخلط الأوراق ولكن للأسف، فكلها تحركات بدائية للغاية، أقرب إلى ممارسات الحيل الطلابية والحزبية الكلاسيكية فمن المستحيل أن تعتمد أي دولة على القمح الروسي حتى إذا كان مجانيا والصين التي اشترت 8 ملايين طن من القمح الأوكراني خلال الأشهر العشرة الأخيرة أكبر مثال على ذلك، لافتا إلى أنه حتى الدول الأفريقية لن تمرر هذه الحيلة السياسية البدائية لأن مستقبلها ومستقبل مواطنيها وقراراتها يتوقف على الوقوع في مثل هذه الأخطاء القاتلة.

 

واختتم الصباغ تصريحاته قائلا: “بطرح روسيا هذه الصيغة المثيرة للفوضى الاقتصادية والعسكرية والأمنية، تمت عسكرة ملف الحبوب الروسية والأوكرانية، وجر العالم إلى مزيد من الفوضى وعلى روسيا أن تبحث عن أطراف معينة لتمرير شحنات القمح الخاصة بها في مناطق وطرق الصراع ومن ثم توريط هذه الأطراف في معادلات سياسية وعسكرية لا ناقة لها فيها ولا جمل ومع ذلك فستكون موسكو بحاجة إلى توافقات واتفاقات مع خصومها للسماح بمرور تلك الشحنات أما الغرب فلديه بدائل اقتصادية ومالية ولوجستية كثيرة يمكن أن يقدمها للدول الأخرى على الرغم من أن ذلك قد يكلفه بعض الخسائر”.