رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الحرب الأخيرة".. كيف تستعد إسرائيل للتصعيد المحتمل مع "حزب الله"؟

جريدة الدستور

يسود القلق فى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مؤخرًا بعد تراكم أنباء عن تطورات على الجبهة الشمالية، ما قد ينذر بحرب مع حزب الله اللبنانى، مع تقديرات تشير إلى استعدادات التنظيم لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، بالتزامن مع تصعيد إسرائيلى فى منطقة مزارع شبعا.

ودفعت التطورات القيادة الأمنية فى إسرائيل إلى إطلاق تحذيرات، مع إشارة كل من رئيس الأركان الإسرائيلى هرتسى هليفى، ورئيس الاستخبارات أهارون حليفا، أمام وسائل الإعلام- إلى أن ثقة «حزب الله» المبالَغ بها بنفسه يمكن أن تؤدى إلى حرب جديدة مع لبنان، ما يستدعى النظر فى سيناريوهات التصعيد المحتملة بين الجانبين فى الفترة المقبلة.

توتر بعد عملية «مجيدو».. وإقامة مواقع لقوة «الرضوان» بالقرب من الحدود

تشير التقديرات الإسرائيلية فى الفترة الأخيرة إلى أن تنظيم «حزب الله» اللبنانى يخطط لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل من لبنان وسوريا، وذلك بعد شهرين من تنفيذ عملية «مجيدو»، التى تم فيها إدخال فلسطينى إلى مفرق «مجيدو» على بُعد ٧٠ كلم من الحدود، وهو يحمل عبوة كانت ستتسبب فى خسائر كبيرة حال تفعيلها.

وتعتبر التقديرات الإسرائيلية أن إيران، التى كانت تطالب «حزب الله» بالامتناع عن الانجرار إلى حرب مع إسرائيل، قد أعطت الضوء الأخضر للقيام بعملية قريبًا، خاصة بعد ما شهدته الحدود مع لبنان من تطورات مؤخرًا.

وقالت ساريت زهافى، ضابط الاحتياط فى الجيش الإسرائيلى ومديرة مركز «ألما» للأبحاث: «خلال الأيام الأخيرة شهدنا العديد من الاستفزازات الكثيرة من جانب حزب الله، ردًا على محاولات الجيش الإسرائيلى إنشاء جدار، كما وقعت فى مزارع شبعا استفزازات وصلت لحد إلقاء الحجارة على الجيش الإسرائيلى، وتصاعدت حين وجّه جنود من الجيش اللبنانى سلاح الـ(آر بى جى) نحو الجنود الإسرائيليين».

فيما حذر معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى «INSS» من أن تل أبيب «لا يمكنها الاكتفاء باتصالات دبلوماسية لإخلاء المواقع التى أنشأها حزب الله فى الأراضى الإسرائيلية، وأنه يتعين عليها التحرك، حتى لو شكّل هذا خطرًا فى اندلاع مواجهة».

وتوصل المعهد، فى تقرير له، إلى استنتاجات مثيرة للقلق حول ملابسات عدد من الحوادث الفردية فى الفترة الأخيرة، وما اعتبره تحركات محسوبة من «حزب الله»، محذرًا من مواقع التنظيم الجديدة وعواقبها على الصراع، ومعتبرًا أنه «يتزايد جرأة ويتصرف بشكل فاضح».

فيما أشارت تقارير إسرائيلية أخرى إلى اقتراب مقاتلين من «قوة الرضوان»، التابعة لـ«حزب الله»، من الحدود اللبنانية مع إسرائيل، لافتة إلى أن القوة تضم مجموعة من العملاء المدربين على اختراق السياج الحدودى والسيطرة على مستوطنات حدودية إسرائيلية، بالإضافة إلى عدد ممن لديهم تجربة عسكرية كبيرة فى سوريا.

ونوهت التقارير إلى أن «قوة الرضوان» أقامت فى الفترة الأخيرة عدة مواقع متاخمة للحدود، على هيئة حاويات تتزايد حولها حركة المركبات، ومزودة بدوريات مراقبة، معتبرة أن الهدف من تلك المواقع هو تعويد الجيش الإسرائيلى على وجود عناصر من القوة على بُعد خطوة من الخط الحدودى.

مخاوف داخل تل أبيب من الصواريخ والمُسيّرات اللبنانية

أفادت بعض التقديرات الإسرائيلية المتفائلة بتآكل فى الأدوات القتالية لـ«حزب الله»، مثل المركبات العسكرية وراجمات الصواريخ، والقدرات العملياتية الخاصة، استنادًا إلى العروض العسكرية الأخيرة للحزب فى لبنان، مشيرة إلى تراجع تلك القدرات عما كانت عليه.

وأشارت إلى أن الأعوام الأربعة الأخيرة شهدت فشل عدة عمليات لـ«حزب الله»، منها الخطأ فى إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على سيارة إسعاف عسكرية فى سنة ٢٠١٩، وهروب خلية حاولت التسلل إلى معسكر «غلديولا» فى «مزارع شبعا» فى سنة ٢٠٢٠، وفشل محاولة قنص قوة عسكرية فى منطقة المنارة فى سنة ٢٠٢٠، مع تنفيذ غير احترافى للعملية «مجيدو»، التى كان يفترض بها أن تقتل عدة إسرائيليين، وفقًا للتقارير.

واعتبرت التقديرات الإسرائيلية أن «حزب الله» لم يجد إلى اليوم بديلًا عن العقل العملياتى المبدع لقائده عماد مغنية، حتى بعد ١٥ عامًا على اغتياله.

فى المقابل، تؤكد تقديرات أخرى أن إسرائيل لا تستهين بـ«حزب الله»، رغم الاعتراف بوجود نقاط ضعف لدى التنظيم، مشيرة إلى أن التنظيم لا تزال لديه قوة برية مدربة، يصل تعدادها إلى آلاف الأشخاص الذين يستطيعون اختراق الخط الحدودى و«احتلال» بلدات إسرائيلية، مع القدرة على دعم تلك القوة بمنظومة قوية من الصواريخ والقذائف، التى تقدم لها تغطية نيرانية تستطيع إلحاق ضرر كبير بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبأهداف استراتيجية فى إسرائيل.

وترى تلك التقديرات أن «حزب الله» يستطيع فى المعركة المرتقبة أن يطلق أكثر من ٣٠٠٠ صاروخ فى اليوم ذات مدى أكبر بكثير من صواريخ غزة، كما أنه يمتلك أكثر من ٢٠٠ ألف قذيفة وطائرات مُسيّرة من إنتاج إيرانى.

ونوهت بأن المناورات الأخيرة لـ«حزب الله» شهدت قيام قواته بمحاكاة هجوم ضد مستوطنات إسرائيلية وخطف أسرى عبر استخدام مسيّرات ودراجات نارية.

ووجهت التقارير الانتقادات لقدرات الجيش الإسرائيلى فى حالة حدوث اختراقات من الشمال، لأن قواته البرية على الحدود الشمالية باتت أقل خلال العام الماضى، بسبب انتقالها للعمل فى الضفة الغربية، مع وجود نقص فى المدافع والدبابات التى يجب أن تتواجد بشكل دائم هناك، والتى يمكنها استخدام قوتها النيرانية الكثيفة لإحباط أى اختراقات من «قوة الرضوان».

تحذيرات من مخطط الحزب للتسلل إلى الجليل الأعلى 

أشارت تقارير إسرائيلية، أيضًا، إلى أن «حزب الله» أصبح يتحرك حيال إسرائيل من خلال استراتيجية جديدة، يستهدف عبرها الانتقال من استراتيجية «درع لبنان» إلى «احتلال الجليل»، اعتمادًا على إرسال وحدات خاصة تتسلل إلى المستوطنات على خط الحدود، وتستولى على جزء من الجليل الأعلى، وهو ما لم يعد صعبًا مع اقتراب «قوة الرضوان» إلى الخط الحدودى مع إسرائيل.

وتدّعى تلك التقارير أن التنظيم يخطط لشن حرب، تبدأ من خلال إطلاق آلاف الصواريخ تجاه إسرائيل، مع تدخل «قوة الرضوان» لخرق الخطوط الإسرائيلية على الحدود من ٤ مواقع دفعة واحدة، وهو ما أصبحت إسرائيل تستعد له فى الفترة الأخيرة.

وتشير ساريت زهافى، مديرة مركز «ألما» للأبحاث، إلى أن قوات حفظ السلام الدولية «يونيفيل» فى جنوب لبنان قد تتحول إلى دروع بشرية فى حال وقوع حرب شاملة، قائلة إن هناك أكثر من ٢٠ منطقة فى جنوب لبنان لا تستطيع قوات «اليونيفيل» الاقتراب منها.

وتثير تلك التقديرات مخاوف فى إسرائيل تتعلق باستراتيجية «وحدة الجبهات»، وهو ما أشار إليه جاك نيريا، الضابط السابق فى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والمتخصص فى الشأن اللبنانى، بقوله: «إن إيران تحاول أن تنسق فيما بين الجبهات، إيران، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وحتى اليمن، لمحاصرة إسرائيل».

وأكد أن إسرائيل تعمل على رد مفاجأة «حزب الله» وستوجه ضربة للحزب فى الوقت الذى يناسبها، مع التشكيك فى أن التنظيم يخطط للدخول فى حرب شاملة، رغم كونه أصبح أكثر جرأة واستعدادًا للمخاطرة.

فيما أوضح آخرون أن «حزب الله» يعلم أن إسرائيل، خاصة تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا تريد خوض حرب حالية، ما يعنى أن «نتنياهو» سيكون هادئًا وسيمارس أعلى درجات ضبط النفس فى حالة تنفيذ الحزب أى عمليات هجومية، رغم ما يحمله ذلك فى الوقت نفسه من مخاطر تهدد بمواجهة واسعة لا يعرف أحد مداها، خاصة أن القيادة فى إسرائيل تضع خطط الحرب مع «حزب الله» فى الأدراج، مع إطلاق اسم «الحرب الأخيرة» عليها.

وأشاروا إلى أن طهران أيضًا لا تريد مواجهة كبيرة بين إسرائيل و«حزب الله»، لأن بناءها لقوة التنظيم الكبيرة كان يهدف بالأساس إلى ردع إسرائيل عن ضرب إيران، أو عقابها فى حال وجّهت أى ضربة إليها، لذا فهى لن تبادر ببدء مواجهة كبيرة ضد إسرائيل فى الوقت الذى بدأت فيه العمل على الوصول لمصالحة إقليمية.