رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حديث عن المعاناة


الحديث عن معاناة الناس في الصعيد لا ينتهي. 
قبل الحديث عن معاناة الناس في الصعيد، أرى أن الخدمات التي تقدمها مؤسسات حياة كريمة في رصف وتعبيد الشوارع في المدن والطرق الرئيسية، وإعادة تشييد مقار الخدمات الحكومية وأنشطة مراكز الشباب، كلها أعمال جديرة بالتقدير والاحترام.
حتى وإن كانت وتيرة الأعمال بدأت سريعة في العامين الماضيين، ثم أصبحت متمهلة وبطيئة في الأيام الأخيرة، وطغى الجانب الإعلامي على أنشطتها، وظلت مدينتنا بوسط الصعيد، وهي مدينة تجارية ومكتظة بالسكان ومحرومة من خدمات الرصف الصحي، كما أن بعض أحيائها العشوائية ما زالت بعشوائيتها لم تمسها أيدي حياة كريمة.
وإن كنا توقعنا أن تتسع أنشطة مؤسسات حياة كريمة، لتشمل توفير وسائل مواصلات آمنة ومريحة للناس، حتى ولو كان ذلك بموجب عقود استثمار في هذا المجال، وتوفير سيارات مريحة تليق بحياة كريمة فعلا.
ما زالت مدن الصعيد مرتبطة عضويًا بعواصم محافظاتها، وما زلنا نري أربعة أو خمسة رجال يحملون رجلا مريضا لتوقيع الكشف الطبي عليه في القومسيون الطبي في عاصمة المحافظ. للحصول على إجازة، أو لعمل تقرير طبي لاستحقاق معاش أو لتقرير علاج. وأتساءل: لماذا لا تزداد أعداد الأطباء من أعضاء القومسيون الطبي للتواجد في كل مركز من المراكز، كلجنة لها نفس صلاحيات لجان المحافظة للتوفير على المرضي وذوي الاحتياجات الخاصة.
سأتحدث عن ناحية واحدة فقط هي معاناة الناس في الصعيد مع وسائل المواصلات والطرق الداخلية بين مدن المحافظات والمدن.
المسافات بين مدن المحافظات وعاصمتها بعيدة، بعضها يزيد على الستين كيلومترا، ولا تقل عن الخمسة وعشرين، ولا توجد غير وسيلة واحدة، هي الميكروباص، أو سيارات الربع نقل المجهزة بدكك خشبية لنقل الركاب بين القرى والمدن، خلال الطريق الطويل ينحشر الركاب رجالاً ونساء في صندوق السيارة المتهالكة، دون أدنى إحساس بآدمية البشر.
كما يوجد قطار ركاب، يتحرك كل ساعة، ما بين المنيا وأسيوط، ولا أتحدث عن الزحام ولا كمية المشاكل التي تنشأ بين الركاب، ولا ارتفاع أسعار التذاكر. بل وأصبح القطار والتنقل بين المدن من الأشياء التي يحسب لها الناس حسابها. ولا يستخدمه إلا الأصحاء القادرون على الوقوف والحشر بين الركاب والكراسي، وهو ما يتعذر على بعض المواطنين الركوب في هذا الجو، إلا من تجبرهم طبيعة عملهم على ركوب القطار. 
أما عن ركوب طالبات الجامعة وبنات المدارس فحدث ولا حرج. أو حتى ترك بناتهم في هذا الزحام. كما أن الأجرة في بعض القطارات بين المحافظات والمدن تضاعفت وخصوصًا القطارات المكيفة والمريحة.
أما الطريق الزراعي تنعدم عليه رقابة المرور تماماً، وإن وجدت، لفترات معروفة وأماكن محددة، مما يتيح للسائقين، مع أن الطريق الزراعي يستمر عمل الميكروباص عليه حتى وقت متأخر من الليل، مع السير بسرعات عالية، وتعريض حياة الركاب للخطر، أو ترك السيارة لبعض من لا يحملون رخص قيادة، للتدريب على القيادة في المسافات الطويلة، والمغالاة في الأجرة، أو حشر ركاب أزيد من السعة المقررة وعندما تظهر لجنة في الطريق، يغير السائق مساره بالركاب، ليسير بهم في طرق فرعية وترابية غير ممهدة؛ للهروب من اللجنة، معرضاً الركاب للخطر، وتأخيرهم عن مواعيدهم.
ويصبح الوضع أكثر مأساوية عندما يتأخر الناس في عيادات أطباء المحافظة، الذين يزاولون الكشف الطبي على مرضاهم لساعة متأخرة من الليل، وكل طبيب لديه قائمة منتظرين، لا تنتهي قبل الواحدة صباحاً. عند العودة، يجد المواطن نفسه محشوراً في نفس الميكروباص، وتفرض عليه أجرة جديدة، وينطلق السائق بأقصى سرعة، إذ لا رقابة ولا لجان بالليل.
الغريب أن التكتوك أصبح وسيلة مواصلات لا غنى عنها، ولم يتم تنظيمها بما يكفي لأن تكون آمنة، وتركها للصبية والمراهقين. 
كما ظهرت وسيلة مواصلات أخرى للنقل بين المدم هي التروسيكل، ذو الثلاث عجلات، وهي وسيلة مخصصة لنقل البضائع، لكن اضطر البشر إلى استعمالها للضرورة. وهي أيضا بدون تنظيم ولا ترخيص.
الغريب، أن أياً من المحافظين الذين تعاقبوا على حكم البلاد، لم يلتفتوا أبداً إلى تلك المشكلة، ولا للمشاكل الأخرى، وتركوها الركاب في معاناتهم، دون أدنى إحساس بالمسئولية. 
ونحن نرى أيضا. استتباب الأمن، واختفت بعض الجرائم مثل جرائم الخطف مقابل فدية، وخطف الأطفال، والعصابات المسلحة، وفرض الإتاوات والسرقات بالإكراه، كلها كانت تشكل مناطق ضغط عصبي على المواطن المصري وتجعله غير آمن. وبقي النشالون يمارسون أنشطتهم بين التجمعات وفي الأسواق وفى محطات السكة الحديد، وعلى أبواب القطارات، وسيارات الميكروباص.
وعندما ينجح ضابط شرطة في ضبط المجرمين. ويرفض تقبل وساطات، لمنع تحرير محاضر لأقارب الكبار، أو صبانهم، أو سائقيهم، أو ميلشياتهم، فإنه بهذا يرسى مبدأ استقرار الأمن، لأن اغلب بلطجية الصعيد، يستندون إلى عصبيات، لها وظائف تستطيع ممارسة ضغوط.
والخلاصة أننا من ننتظر من مشروع حياة كريمة أن يقوم بتفعيل نشاطه من أجل توفير وسائل مواصلات راقية وآمنة لأهالي الصعيد تفيهم الإهانة في علب الميكروباص التي تهالكت. ولم يعد بعضها يصلح للبشر.