رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة الكاثوليكية تحتفل بذكرى القديس أناتوليوس بطريرك القسطنطينية

كنيسة
كنيسة

تحيي الكنيسة الكاثوليكية في مصر ذكرى رحيل القديس أناتوليوس، بطريرك القسطنطينية، ونستعرض في السطور التالية أبرز المعلومات عن القديس أناتوليوس. 

ولد أناتوليوس في مدينة الإسكندرية، التي أخرجت للكنيسة رجالاً كانوا أنواراً سطعت على المسكونة، ونشأ على الفضيلة، وتمكّن من أنواع العلوم. فضمّه القديس كيرلّس إليه، وجعله في داره، واعتنى بأمره، وفي سنة 431 عندما انعقد المجمع الأفسسي المسكوني لينظر في تعليم نسطوريوس، وتجلّت أمام الآباء مواهب وفضائل القديس كيرلّس، كان أناتوليوس شمّاساً إنجيليّاً يرافقه فرأى بعينه الكنيسة مجتمعة، وشاهد عظمتها وقداسة آبائها وغيرتهم على الإيمان، وسمع بأذنيه صواعق الحرم تنزل على نسطوريوس وجماعته، فحفظ ذلك في عقله وفي قلبه ذكراً خالداً.

ومن بعد المجمع الأفسسي أرسله كيرلّس إلى القسطنطينية، ليكون سفيره فيها لدى البلاط الملكي والقصر البطريركي، وكانوا يختارونه من ذوي الكفاية علماً وذكاءً ومقدرةً فبدأ نجم أناتوليوس يتألّق، ومات القديس كيرلّس وخلفه على كرسي الإسكندرية ذيوسقورس، فأبقى أناتوليوس سفيراً له في القسطنطينية، وكان يعتمد على آرائه السديدة وخبرته الواسعة.

كان أوطيخا رئيساً على دير عظيم في القسطنطينية بعد 300 راهب، وكان القديس كيرلّس قد استعمل في مهاجمته البدعة النسطورية وشرحه للعقائد الكاثوليكيّة عبارات فيها شيء من الجرأة اللاهوتية. فتمسّك أوطيخا بها وصار يشرحها على هواه.

وكان إذ ذاك على كرسي كنيسة القسطنطينية البطريرك القديس فلافيانس، فنبّه أوطيخا عليه، فلم يرتدع بل تصلّب في رأيه.فاجتمع المجلس البطريركي العادي المؤلّف من بعض الأساقفة، فحرَم أوطيخا وعزله وربطه عن استعمال الأسرار وتوزيعها. أمّا أوطيخا، فإنّه رفض الرضوخ لحكم المجلس وراح يستجير بالأساقفة والبلاط.

فوجد نصيراً له في شخص ذيوسقورس البطريرك الإسكندري. لأنّ هذا كان يبغض فلافيانس ويعمل على الحط من شأن الكرسي القسطنطيني الذي كان يتمسّك بطاركته بقرار المجمع المسكوني الثاني، ليتقدّموا على أصحاب كراسي الإسكندرية وأنطاكية وأورشليم. 

اجتمع ذلك المجمع سنة 449 في أفسس، وكان مؤلّفاً من 135 أسقفاً، وكان بينهم رجال عظام أمثال فلافيانس، ودُمنس بطريرك انطاكية، إلاّ أن ذيوسقورس استعان بالجند وبشرذمة من الرهبان المسلّحين بالعصي، وأراد أن يملي إرادته على آباء المجمع. ولمّا جسر بعضهم على مقاومته أطلق عليهم المطارق والعصي. فهجم الجند والرهبان على أولئك الأساقفة المساكين وأوسعوهم ضرباً وأثخنوهم بالجراح.

 ومات فلافيانس البطريرك عقب ذلك بثلاثة أيام متأثّراً بجراحه. أمّا قصّاد البابا لاون فإنّهم لاذوا بالفرار وتركوا أفسس. وضرب ذيوسقورس برسالة البابا عرض الحائط، وبرّأ أوطيخا، وأمر بإعادته إلى رئاسته، وعزل أفسافيوس أسقف دُرلاّ وثاوذوريتس وغيرهما. ووافق الملك على تلك الأعمال الوحشية، وبقيت نافذة إلى حين وفاته سنة 450.

فلمّا مات فلافيانس أخذ ذيوسقورس يسعى سعيا حثيثا لينصِب واحداً من خواصه على ذلك الكرسي العظيم. فظنّ أنّه وجد في سفيره أناتوليوس، وأن هذا الكاهن الجليل سيكون حامل علمه في تلك العاصمة. فنجح في مسعاه، وصار أناتوليوس رئيس أساقفة على القسطنطينية، فمات الملك ثاوذوسيوس نصيره، وظهر فجأة أناتوليوس يحمل عالياً علم الكنيسة الكاثوليكي ويهاجم به عَلمه.

ولمّا انتهت أعمال المجمع وعاد الآباء إلى كراسيهم وكنائسهم وأديرتهم، بعث أناتوليوس إلى البابا لاون برسائل يوضّح له فيها إيمانه، وطلب إليه أن يوافق على القرار الثامن والعشرين بشأن الكرسي القسطنطيني. 

إلاّ أن البابا لم يقبل بذلك القرار المغاير لكل التقاليد القديمة، والذي يزيد أسباب المزاحمات بين البطريركيات الشرقية. فلم يعترض أناتوليوس على ما قاله الحبر الأعظم، بل عمل به بكل خضوع، وبقي الحبر الوديع المتواضع المعروف بالقداسة والقيام بالواجب.

وبذل أناتوليوس قواه في دائرته الكبرى؛ ليصلح ما أفسدته البدع ويقيَ شعبه زؤان التعاليم الفاسدة. فكان الراعي الصالح يبذل نفسه رخيصة في سبيل رعيّته. وكان هو نفسه مثالاً حيّاً لِما كان يعلّمه ويدعو شعبه إليه من الفضائل المسيحيّة والكمالات الإنجيليّة، وتوفى سنة 458 وأقيمت له مناحة عظيمة، ودُفن باحتفال يفوق حد الوصف.