رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نبوءة 30 يونيو.. يوم الخلاص

(1) 

"سلموا نفسهم للشعب" كرر أبي تلك الجملة دائمًا خلال مناقشتنا حول الأوضاع الصعبة التي تعيشها مصر آنذاك تحت حكم تلك الجماعة ومندوبها في قصر الرئاسة، وهو ما كنت لا أفهمه، فكل شئ يتجه للأسوأ، والبلد الآمن تسعى جماعة بعينها لتمزيقه بكل ما استطاعت من عنف وتطرف، فكل شيئ حولنا كئيب ومحبط، اعتقد أن الجدران لو كان لها أن تتحدث لألقت باللوم علينا أننا انتظرنا عام كامل للخلاص من الإخوان.

سيطر عليَّ الخوف من مستقبل قاتم لا فرصة في منعه سوى بإسقاط الإخوان، أن تمشي في شوارع وطنك ولا تشعر بالآمان هو أمر كارثي، بلد على شفا حرب أهلية، فتن طائفية تشعل فتيلها الجماعة وتتحدى من يسعى لإخمادها، كل الأوضاع تنذر بواقع مرير إذا استمر، لا حل سوى "التحرك" ولكن كيف السبيل؟

(2) 

بينما كنت ذاهبة إلى جامعتي – عين شمس حيث درست اللغة العبرية وآدابها – لم يخلوا طريق كليتي من أشخاص يتسارعون في "لم صناديق زجاجات المياه الغازية" وتكسيرها لبدء مظاهرة جديدة، ليس ضد جهة بعينها، ولكن ضد أي شخص يريد أن يقول "لا" للتطرف والعنف، لا يجوز في عقيدتهم أن تقول "لا" للإخوان.

كانت مظاهرات شباب الجماعة أمر شبه روتيني في كليتي، أصبحنا (نحن وأصدقائي القائلين لا للجماعة)، نرى طقوسهم اليومية في "لم الصناديق"، بل والتعدي على كافتيريا الكلية عندما تسعى لتخبئة الصناديق قبل أن تطالها أيدي "إخوان التخريب"، أما أنا كنت ابتعد وأراقب من بعيد ما يحدث، ويزداد القلق داخلي: ليس هذا وطننا أبدًا.. ما الحل؟ والأهم "كيف الخلاص؟".

(3) 

لم يتخل أبي عن جملته "الإخوان سلموا نفسهم للشعب"، بدأت احتج على تلك الجملة، نظرًا لما أراه يوميًا في طريقي الذي كان آمن سابقًا، ولكن أبي كان يتحدث بيقين حسدته عليه، بأن الشعب سيطردهم شر طردة، فإما أن تكون مصريًا وطنيًا وسطيًا، وإما لا مكان لك أبدًا.

كيف الخلاص؟ نتحرك.. حسنًا فعلوا شباب "تمرد" وسارعت إلى بطاقتي، التي لم أتخيل أن استخدمها يومًا في أمر سوى تحديثها، فقد جاءنا بداية النور الذي سنراه خارج النفق، ووقعت أسرتنا كلها على الاستمارة وبدأ الحراك "الشعبي" في مواجهة "إرهاب الجماعة".

(4) 

بدأت أدرك معنى "الإخوان سلموا نفسهم للشعب" عندما نزلت للمشاركة في التظاهرات، حتى التي سبقت 30 يونيو بأيام معدود، أمام "قصر القبة" والمشي حتى "الاتحادية".

أتذكر لقاءات الصدفة مع مدرسيني في مرحلة الثانوية، وأصدقاء الأسرة الذين لم نراهم منذ مدة، والكروت الحمراء التي حملناها وأسرتي، ومكتوب عليها "ارحل" لمحمد مرسي مندوب الإخوان في قصر الرئاسة.. الهتافات التي تنادي بخروج الجماعة وعودة وطننا الآمن.

(5) 

3 يوليو 2013.. نترقب جميعًا ما يسفر عن اجتماع كافة القوى السياسية، نجلس أمام التلفاز ننتظر بفارغ الصبر، لحظة حاسمة إما أن تدب فيك الأمل بعودة وطنك مرة أخرى، أو لا، ورغم أنني كنت أرى أن "لا" هنا لن يكون لها مجال، لكن، ما عانيناه في "سنة الإخوان" مخيف للحد الذي يجعلك لا تطئمن حتى تسمع ذلك بأذنيك.

بدأ الفريق أول عبد الفتاح السيسي آنذاك، إدلاء البيان، كنت استعجل كلماته لدرجة أنني لم اسمع ما قاله من تمهيد، وتجمع تركيزي فور أن نطق بكلمتي "خارطة مستقبل"، وحتى أعلن بصوت لا يمكن نسيانه: "تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت.. يؤدي رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة".. فرحة عارمة تملكتنا جميعًا، هنأنا أنفسنا بأننا "فعلناها" وبأن صباح يوم 4 يوليو هو صباح "مصري خالص لا يشوبه إخوان".

(6) 

30 يونيو من كل كام.. أنظر إلى "الكارت الأحمر" المكتوب عليه "ارحل" الذي علقه أبي فوق الحائط المجاور لباب منزلنا، منذ ذلك البيان، واتذكر كيف كان وطننا في غربة وأعدناه بعزيمة لم أكن اتخيلها رغم أني شاركت فيها.

"ارحل" لم يكن مجرد كارت، و"تمرد" ليست ورقة، الاثنين جسدا إرادة مصرية خالصة، هوية وطنية لا يمكن أن نحيد عنها ولو بفعل فاعل.. مصر التي في خاطري، التنمية الشاملة التي ننتصر بها الآن، وسننتصر بها دائمًا.