رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحكومة تسعى لحلها.. القصة الكاملة لأزمة نقص المستلزمات الطبية

أرشيفية
أرشيفية

حين أُصيبت قوقعة الأذن لـ«عمرو.م» 12 عامًا، طفل من ضعاف السمع، بعطل مفاجئ نتيجة سقوطها وكسرها لم يستطع إصلاحها، بعدما بحثت والدته عن قطع غيار لذلك الجزء الذي يستند إليه الأذن ولم تجده، رغم أنها سبق وغيرته له في العام 2022 بمبلغ 1800 جنيه.

عملية البحث لوالدة عمرو تمت في محال المستلزمات وقطع الغيار الطبية في شارع القصر العيني بالقاهرة، إلا أن البائعين هناك أخبروها بأنها غير متوافرة في السوق الطبية إطلاقًا، وكانت متوافرة قبل ذلك بأسعار مضاعفة وصلت إلى 3500 جنيه.

لم يستطع عمرو الذهاب إلى المدرسة في الأيام الأخيرة من الفصل الدراسي الحالي قبيل الامتحانات، بسبب سماعته المتعطلة وكانت تعينه على السمع، واضطرت والدته الذهاب معه الآن في كل أيام الامتحانات بسبب عدم قدرته على التواصل.

«عمرو» وكثير من المرضى وأصحاب العمليات الجراحية يعانون بسبب إعلان شعبة المستلزمات الطبية منذ أيام أن هناك تكدس لعدد من الشحنات في الموانئ منذ أبريل الماضي وحتى الآن، واحتياجها لما يقرب من 35 مليون دولار للإفراج عنها.. فكيف يعيش المرضى؟ وما هي النواقص؟ وماذا ستفعل الحكومة والشعبة في الأيام القادمة لإنقاذ حياة المرضى وعدم توقف المستشفيات؟. «الدستور» أجابت.

شعبة المستلزمات توضح حجم الأزمة

الحسين الجامعي أحد المستشفيات المتضررة من نقص المستلزمات الطبية في مصر الآن، فبعدما كانت تجري 320 عملية جراحية انخفضت إلى 4 عمليات فقط، تبعًا للأزمة الحالية، وفق محمد إسماعيل رئيس شعبة المستلزمات الطبية بغرفة القاهرة التجارية.

يقول «إسماعيل» لـ«الدستور» إن هناك تكدسًا لما يقرب من 183 شحنة من المستلزمات الطبية بالموانئ والمطارات بسبب أزمة الدولار، ما أدى إلى نقص كبير في مخزون المستشفيات والمراكز الطبية التابعة لوزارة الصحة، وهيئة التأمين الصحي الشامل وأيضًا المستشفيات الجامعية.

يحذر رئيس الشعبة من خطر المضاعفات التي يمكن أن تحدث للمرضى بسبب ذلك الأمر: «توقف البنك المركزي عن  تدبير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج خطأ فادح، أثر بدوره على معدل وُجود تلك المستلزمات الطبية بالأسواق المصرية».

محمد إسماعيل - شعبة المستلزمات الطبية

إسماعيل يوضح أن نقص المخزون من المستلزمات الطبية بالمستشفيات الحكومية والخاصة، وكذلك العيادات الخارجية يهدد أرواح المرضى نتيجة تأخر تقديم الرعاية اللازمة في الوقت الملائم، وبالتالي تبذل الغرفة التجارية أقصى جهدها في محاولة إيجاد الحل الأمثل لتلك الأزمة.

جانب آخر من الأزمة تحدث عنه رئيس الشعبة، وهو أن تأخير الإفراج عن شحنات المستلزمات الطبية من الموانئ سيسهم في ارتفاع كبير بالأسعار، وينشط السوق السوداء للمتاجرة بالأدوية والمستلزمات الناقصة.

فور صدور قرار من رئيس الوزراء بتخصيص مبلغ 150 مليون دولار لاستيراد المستلزمات الطبية، سيتم حل الأزمة بحسب إسماعيل، وضخ الشحنة في السوق المصرية ما يؤدي إلى سد الحاجة وإنقاذ المرضى تحديدًا ذوي العمليات الجراحية.

والد محمد بين الحياة والموت

أحد مرضى العمليات الجراحية الذي أثر فيه نقص بعض المستلزمات الطبية، هو والد محمد أبو حبيبة، الذي حُجز في مستشفى جمال عبد الناصر للتأمين الصحي بالإسكندرية بقسم العظام؛ لإجراء عملية تغير وتركيب مفصل في الفخذ إلا أنه لم يجرها إلى الآن.

يعاني والد محمد من كسر في مفصل الحوض -وفق تقارير طبية حصلنا عليها-، ويحتاج إلى تدخل جراحي لتغير مفصل ثنائي القطبين إسمنتي، وحُجز في قسم العظام بالمستشفى منذ 25 مايو الماضي ولم يجر العملية بسبب نقص المستلزمات الطبية.

أشعة والد محمد

يقول محمد: « والدي يدفع تأمينات منذ أكثر من أربعين عامًا، وهذا اليوم هو يحتاج رعاية صحية قد دفع ثمنها مقدمًا إلا أنه لا يجدها، وفي النهاية أمروا بخروج والدي من المستشفى مع صرف كرسي متحرك بعد كل ذلك العناء».

وعن وضع والده الحالي، يوضح أنه يعاني من عدم القدرة على الحركة، والألم الناتج عن الكسر، وبسبب طول مدة الانتظار أصبح الجسم لا يفيد معه المسكنات التي تضر بالكبد والكلى والمعدة بسبب كثرتها عن الحد المعقول نتيجة الألم.

أشعة والدة محمد

تصدر مصر مستلزمات طبية سنويًا إلى ما يقرب من 65 دولة من مختلف أنحاء العالم، بينما تمتلك حوالي 320 مصنعًا للمستلزمات الطبية حاصلًا على شهادة الأيزو، وتعلن كل فترة أنها تتجه إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي للمستلزمات الطبية.

المصدر – محمد إسماعيل رئيس شعبة المستلزمات الطبية

فؤاد: «هناك بضائع مستلزمات طبية متوقفة منذ 4 أشهر»

بينما يؤكد محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، أن مصر تستورد ما يقرب من 95% من احتياجاتها الطبية سواء مستلزمات أو أدوية، موضحًا أن الأزمة الحالية في المستلزمات الطبية مرتبطة بشكل وثيق بالأزمة الاقتصادية.
 

وكشف لـ«الدستور» عن أن النقص الحالي يشمل أكاسيد القلب والمضخات وأجهزة قياس السكر والأجهزة التعويضية وسماعات القواقع للأطفال، إلى جانب المفاصل وعمليات القلب المفتوح، كل تلك المستلزمات تأتي من الخارج ومرتبط الدولار.

يقول: «وضع المستلزمات الطبية في مصر أصعب من الدواء لأن الأخير له تسعيرة جبرية يلتزم بها الشركات والتجار على عكس المستلزم الطبي، فالشركات تنتظر الآن تدبير الدولار من البنك المركزي حتى يتم الإفراج عن بضائع المستلزمات الطبية في الموانئ الموجودة منذ 4 أشهر.

محمود فؤاد - الحق في الدواء

ويوضح أن مصر قطعت شوطًا طويلًا في أزمة المستلزمات الطبية فيما سبق: «خلال شهر 4 ضخت الحكومة 530 مليون دولار أجهزة طبية ومستلزمات وأدوية كانت في الموانئ وتم الإفراج عنها، لكن مازالت هناك كميات ضخمة من البضائع وهناك أعداد من الشركات لا يتمكن البنك المركزي من تلبية حاجتها من العملة الصعبة.

ويرى أن الحل في الإفراج عن تلك المستلزمات الطبية وإن لم يكن هناك عملة صعبة تكفي فيمكن الاستغناء عن معدات التجميل أو مقاعد الأسنان والأجهزة التعويضية، وإدخال كل ما يتعلق بإنقاذ الحياة.

وأشاد فؤاد بالطفرة التي أحدثتها مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي في القضاء على قوائم الانتظار، وكذلك إنشاء هيئة الشراء الموحد 2019 التي كانت مهمتها شراء احتياجات مصر في مجال الصحة، وتوفير احتياطي من المستلزمات الطبية، وعودة الدولار الجمركي كما كان في العام 2016 والذي بموجبه كان يدخل شغل الشركات الأكثر أهمية للمرضى.

ميار تعود للوخز بسبب السكرى

كانت الوخزة الأخيرة التي شعرت بها ميار، 12 عامًا، في أصعبها قبل أن يبتاع لها والدها جهاز free style libre والذي يقيس نسبة السكر من النوع الأول في الدم دون وخز، حينها فرحت الصغيرة ظنًا منها أنها لن توخز مجددًا بسبب ذلك الجهاز الذي باتت تقيس عليه.

إلا أن النقص الذي أصاب المستلزمات الطبية في مصر مؤخرًا شمل تلك الأجهزة التي تحتاج تغيير «السينسور» كل 14 يوم، بحسب والدتها، فقد كانت تبتاعه بمبلغ 1040 جنيهًا ثم أصبح 2100جنيها ثم نقص في السوق ولم يعد موجودًا.

جهاز free style libre 

طالبت والدته برفقة عدد من أمهات أطفال مرضى السكري بشمول ذلك الجهاز في التأمين الصحي، إلا أن طلبها الآني هو توفير الجهاز فقط: «نتحمل الغلاء لكن الأطفال لن يستطيعوا تحمل الوخز كل فترة ويعتبر الجهاز هو المنفذ الوحيد لهم لرحمتهم من ذلك الألم».

هناك غرف عمليات جامعية ومركزية تم غلقها ومستشفيات استثمارية كبرى، مثل عين شمس الجامعي والتي أغلقت ثلاثة أيام بسبب نقص مؤكسدات القلب ومستلزمات عمليات الرئة، وباتت مهددة بالغلق مجددًا بسبب قوائم الانتظار.

المصدر - محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء

لا يوجد نقص بالأدوية

وبالنسبة للأدوية، يؤكد علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن النقص بها في القطاعات الطبية الخاصة كالعيادات والصيدليات والمستشفيات الخاصة فقط، ولكن المستشفيات الحكومية لا تعاني نقصًا وهناك مخزون كاف من الأدوية بنسبة 80%.

ويكفي المخزون بحسب عوف في حديثه لـ«الدستور» نحو 3 أشهر، منوهًا أن هناك نقصا في توافر بعض الأدوية بالسوق نتيجة عدم تدبير النقد الأجنبي لإتمام عملية استيراد المواد الخام اللازمة، ولم يحدث تأثير قوي بسبب وجود بدائل لها على عكس المستلزمات الطبية.

ويقول: «أي دواء مستورد له بديل مصري بأسعار أقل وبنفس الجودة والكفاءة كما أن هيئة الدواء تضع  ضوابط صارمة لصرف العلاج، وذلك منعًا للمتاجرة بتلك الأدوية بالسوق المصرية أو ظهور سوق سوداء لها».

علي عوف - شعبة الأدوية

ويؤكد عوف أهمية الدور الذي يقوم به الاتحاد العام للغرف التجارية؛ من أجل تعزيز المخزون اللازم وتوفير الكميات المطلوبة بالوحدات والمستشفيات الحكومية من خلال وضع عدد المقترحات والخطط المدروسة لتحقيق طفرة في حجم صادرات مصر من الأدوية، بما يسهم في ضخ استثمارات جديدة.

تمكنت مصر من تحقيق صادرات من الأدوية ومستحضرات التجميل والمستلزمات الطبية بلغت 968 مليون دولار عام 2022 مقابل 697 مليون دولار عام 2021، ويستهدف المجلس التصديري زيادة صادرات الأدوية 30% خلال عام 2023.

المصدر - على عوف رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية.

وترى الدكتورة نجوى الشافعي، الوكيل السابق لنقابة الأطباء، أن الحل الأمثل لامتصاص تلك المعضلة والتغلب عليها يتمثل في العمل على تصنيف المستلزمات الطبية وفقًا للأهمية، وبالاتفاق مع الجهات المعنية يتم فرز وإخراج المستلزمات الأكثر احتياجًا، وبالتالي تدبير النقد الأجنبي المستحق لها، ويتم تأجيل الكميات الأخرى إلى حين توفير العملة الأزمة لاستيرادها.

لا تزال قوقعة عمرو لا تسعفه على السمع الجيد بسبب عدم إصلاحها ولا تعرف أمه كيف تستقبل العام الدراسي الجديد، بينما ينتظر محمد إجراء والده لعملية تركيب المفصل حتى يتخلص من ألمه، فيما تتحمل ميار آلام كشف السكري نتيجة نقص أجهزة الفحص.