رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتراح لوزير الشباب والرياضة والقائمين على منظومة كرة القدم فى مصر!

(1)

لا يخفى على أحد أن كرة القدم أصبحت منذ زمن بعيد من أحد الأنشطة الاقتصادية المهمة ومصدرًا من مصادر قوة الدول السياسية والثقافية!

 وكلما قويت تلك الصناعة محليا تعاظمت فرصة تلك الدولة فى أن يكون لها نصيبها فى الإيرادات العالمية لتلك الصناعة؛ بخلاف ما تحصل عليه من إضافات لقوتها الناعمة! ولن يحدث هذا فى منظومة محلية حدث بها خللٌ كبير فى الأسس الرئيسية القائمة عليها الصناعة! فهى صناعة قائمة على فكرة جذب الجمهور تماما مثل المسرح، فمن العبث الاقتصادى وحتى المنطقى أن يقوم ممثلون بأداء عروض مسرحية على خشبة مسرح بدون جمهور! ولذلك تم التعارف على أنه من العقوبة أن يلعب فريقٌ بلا جماهير! 

فى ظروفٍ معينة حين تخرج الجماهير على النص فتحول مسرح العرض إلى ساحة لاستعراض قدرتها على الانحدار الأخلاقى أو حتى ساحة اقتتال، يكون ساعتها من حق القائمين على الصناعة معاقبة هذه الجماهير. لكن تظل هذه الأحداث حالات عارضة مؤقتة لا يمكنها أن تغير من الأسس الأساسية للصناعة ويحتلمها الجميع حتى تستوعب الجماهير ما اقترفته من تجاوزات وتلتزم بممارسة حقوقها طبقا للقوانين السائدة! 

(2)

لكن حين يحدث خللٌ آخر بعيدا تماما عن الظروف العارضة ويضرب الأسس القائمة عليها تلك الصناعة من الأساس فيجب أن نبحث عن موضع الخلل! وهنا فإن حديثى لا علاقة له بفنيات لعبة كرة القدم أو قوانينها الفنية المحلية والعالمية، وإنما هو حديثٌ عن صناعة محلية ومورد من الموارد التى يجب تعظيم مواردها!

من يلقى نظرة على أسماء الفرق الممثلة للمستوى الأول فى منظومة كرة القدم المصرية هذا العام، والأعوام السابقة سيفاجأ بحقيقة تهدم الفكرة القائمة عليها تلك اللعبة من الأساس! الفكرة أنها لعبة لمتعة الجماهير تحولت إلى صناعة، لكن المعادلة ظلت كما هى، وهى أنه كلما ازداد العرض جمالا كثر عدد من يحرصون على مشاهدته، وقويت الصناعة وفتحت آفاقا للخروج عن المحلية! هذا الخلل الذى أتحدث عنه عزل تلك الصناعة عن كثيرٍ من المصريين! 

فمن بين ثمانية عشر فريقا من المفترض أنها تمثل الفرق الأهم فى مصر، نجد أن أكثر من نصفها عبارة عن أندية شركات – وهناك فريقان آخران فى العام القادم - ليس لها محبون يحرصون على الركض وراءها، مما يحرم الصناعة من أهم مقوماتها وهى الشعبية!

فرق لا تمثل جماهير مصر، لكن لديها إمكانات مادية تمكنها ليس فقط من مزاحمة الفرق الشعبية، لكن أن تزيحها جانبا! ويلهث فريقٌ مثل فريق أسوان فقط للحصول على تكاليف السفر والإقامة سبع عشرة مرة فى العام الذى يصل فيه إلى ما يسمى بالدورى الممتاز!

أصبح الخلل واضحا (فرق تملك الموارد المالية وليست لها شعبية ولا تمثل جماهير مصر، وفرق شعبية تترنح ماليا يتآكل عددها كل عام)، ما يهدد بقاء الحد الأدنى من منطقية تلك المنظومة! 

(3)

قطعا سيكون من العبث المطالبة بسن أي تشريعات من شأنها الوقوف عقبة أمام تشجيع الاستثمار فى كرة القدم من أجل إصلاح هذا الخلل! 

لذلك فإننى أتقدم بهذا الاقتراح الذى يمكنه أن يصلح الخلل دون أن يتعرض لبقاء أندية الشركات المصرية الإنتاجية أو الشركات الاستثمارية! يقوم الاقتراح على فكرة يتم تنفيذها فى ثلاث خطوات. الفكرة هى بدلا من أن يتم إقصاء أندية الشركات التى لا تمتلك الشعبية وتمتلك الموارد، نقوم بخلق شعبية لتلك الأندية! نُعيد خلقها بشكلٍ جديد فى ثلاث خطوات محددة لكنها ليست سهلة، وتستدعى أن تقتنع أولا الإدارة الرسمية ممثلة فى وزارة الشباب والرياضة حتى تساعد إدارات الأندية في تنفيذ تلك الخطوات، ثم أن تقتنع تلك الإدارات بأن هناك ما يمكنه أن ينتقل بأنديتهم من مجرد مشروع استثمارى إلى مشروع استثمارى شعبى وطنى!

الخطوة الأولى هى أن تقوم إدارات الأندية بتغيير أسماء تلك الأندية، وأن تختار كل إدارة اسما معبرا عن منطقة من مناطق مصر، أو قطاع كبير من شعبها منتشر فى محافظات كثيرة، ويشترط أن يكون اسما تتقبله الجماهير، فمثلا فريق (فاركو) يختار اسما يتناسب مع وجود المقر الأم للشركة فى الإسكندرية وليكن (إسكندرية أو اسكندرانى أو أى اسم يختاره أهل المحافظة ويكون اسما محببا أو مقبولا لديهم)، وفريق إنبى البترولى لديه فرع فى السويس والسويس مثلا ليس لديها فريق فى جدول الدورى العام فيمكن تغيير الاسم إلى (أبطال السويس)، وأي شركة يكون لها مقرٌ فى أي محافظة من محافظات الصعيد تغير اسمها إلى اسمٍ معبر عن الصعيد مثل بيراميدز الذى كان فى الأساس (الأسيوطى) يمكن مثلا تسميته باسم شمال الصعيد أو بطل الصعيد!

بالتأكيد لن يحوّل الاسمُ فريقا من فريق شركة إلى فريق شعبى! وهنا نأتى للخطوة الثانية التى يجب أن تتزامن مع الخطوة الأولى. تقوم إدارة الشركة بفتح مقرات أو مراكز شباب صغيرة فى المدينة أو المحافظة التى سيعبر الفريق عنها. تقوم تلك المراكز بتقديم خدمات مجانية لبراعم كل محافظة وتلتقط الموهوبين منهم وتضمهم لفرق الناشئين التابعة للفريق الأول! بمعنى أن تبدأ علاقة تلاحمية جديدة بين تلك الأندية وشركاتها وبين الجماهير!

إذا كانت الحكومات تتغير والدول تتغير من ممالك إلى جمهوريات، واتحادات اللعبة يغيرون شكل البطولات العالمية، فيجب أن نتقبل فكرة أن فرقا شعبية قديمة لم تعد قادرة على البقاء أو الصمود أو المنافسة، فلا بأس من الدخول بكرة القدم إلى عصرٍ جديد بأندية جديدة تصنع شعبيتها وتصنع تاريخا جديدا لها مع الجماهير على الأرض!

الخطوة الثالثة والأخيرة هى أن تقوم أندية الشركات – بعد تنفيذ الخطوتين الأوليين – بتوقيع بروتوكولات تعاون مع الأندية الشعبية القديمة أو ما يُسمى فى مجتمع كرة القدم (اتفاقات توأمة رياضية)، وهى اتفاقات تعاون مع استمرار المنافسة المشروعة، لكن تلك الاتفاقات تعنى بدء اندماج فرق الشركات بالفعل مع المجتمع المصرى وأن يكون لها جمهور حقيقى يحول بطولة الدورى المصرى إلى بطولة شعبية حقيقية تتنافس فيها فرقٌ تمثل جميع المصريين فلا نرى مثلما نراه هذه الأيام من مدرجات فارغة فى مباريات من المفترض أنها مهمة مثل مباريات كأس مصر التى شاهدت بعضا من مشاهدها! 

(4)

تنفيذ تلك الخطوات يمكنه أن يضيف لموارد أندية الشركات المالية لا أن يخصم منها كما يبدو للوهلة الأولى لما سوف تتحمله ميزانيات تلك الأندية لإقامة مراكز الشباب. فضمان الحصول على المواهب المصرية الصغيرة بوجود تلك المراكز أفضل بكثير من مجرد القيام بجولات سنوية فى محافظات مصر، كما يحدث حاليا من جانب بعض الأندية مثل إنبى، وهو جهد مشكور بالفعل، لكن القيام به بصورة دائمة سيكون مردوده المادى أفضل.

مصر تكتظ بالمواهب فى كرة القدم، لكن للأسف بعض تلك المواهب لا تستطيع الحصول على فرصها فى عمرٍ مبكر مما يهدر كثيرا من الثروات على مصر وعلى الأندية التى يمكنها أن تستفيد به. ففى محافظات مصر النائية لا تزال كرة الكرم غير مستغلة بشكل اقتصادى بشكلٍ يتناسب مع ما يمكن أن تمثله كمصدر دخل! وبدء غرس تلك الأندية ذات الموارد فى شتى بقاع مصر يمكنه أن يحقق هذا الهدف!

تنفيذ ما سبق يرتهن أولا باقتناع إدارة تلك الشركات بعد أن تقوم بعمل دراسات الجدوى الاقتصادية، وأيضا بأن تقوم الجهة الإدارية – وزارة الشباب والرياضة – بتسهيل تنفيذ الإجراءات الإدارية وحتى تقديم مساعدات مالية مثل تقديم مقرات لمراكز الشباب بأسعار مناسبة أو بطرق سداد ميسرة!

(5)

ومن الوارد طبعا ألا يقتنع هؤلاء ولا أولئك بهذا الحديث! وهذا حقهم بالطبع! وفى هذه الحالة فإننى – كمواطن مصرى – أطالبهم بتغيير الشكل الحالى لمنظومة البطولات المحلية بشكلٍ يجعلنا كمواطنين لا نشعر بالخجل مما نشاهده حين نقارن تلك المنظومة بمنظومات مماثلة فى دول ربما عرفت كرة القدم أول مرة بينما  كانت مصر تتوج على منصات البطولات القارية! والتغيير الوحيد الممكن – فى حال بقاء أندية الشركات على حالها - هو أن تتم إعادة صياغة القوانين المصرية المحلية المنظمة لتلك البطولات، بما يقتضى أن يتم الفصل بين أندية الشركات الإنتاجية والاستثمارية وبين الأندية الشعبية! 

فلتقوموا بتنظيم دورى شركات خاص بهم داخل استادات فخمة لكنها خواء فارغة من المصريين! ودعوا للمصريين بطولتهم المحلية بشكلها الذى يعبر عنهم ويمثلهم وذلك بحماية الأندية الشعبية من أخطبوط رأس المال وعدم القدرة على المنافسة! لكن أن يتم تحويل الدورى المصرى إلى دورى شركات فهذا ضربٌ لصناعة يمكنها أن تكون موردا ماليا مصريا لا ينضب من ناحية، ومن ناحية أخرى إفساد لأحد أهم منافذ المتعة المصرية الشعبية المشروعة! إفساد مناحى المتع الشعبية المشروعة به خطورة يدركها كل من يملك الحد الأدنى من الفطنة والذكاء!