رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لمعَة كاذبة.. زيجات مُهددة بالانهيار بسبب الذهب "المغشوش" فى مصر

الذهب
الذهب

في ظل ارتفاع الإقبال على شراء الذهب في مصر كوسيلة للادخار والتحوط من التضخم، تزايدت حالات الغش والتلاعب ببيع الذهب المغشوش والمقلد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلة جهل بعض المواطنين ورغبتهم في الحصول على أسعار أقل من المحال؛ ما يهدد بانهيار زيجات كثيرة وخسائر مالية ضخمة للمشترين.

ففي مصر، يعتبر الذهب جزءًا لا يتجزأ من شروط الزواج، فهو يشكل جزءًا من المهر الذي يقدمه الزوج للزوجة، ويعبر عن قدرته المادية وحبه لها، كما يعتبر الذهب هدية تقليدية تقدم من الأهل والأصدقاء للعروسين في يوم زفافهما، وتعبر عن تمنياتهم بحياة سعيدة ومستقرة لهما.
 

ولكن: ماذا لو كان هذا الذهب غير حقيقي؟ ماذا لو كان هذا الذهب مغشوشًا أو مقلدًا؟ كيف سيؤثر ذلك على علاقة الزوجين؟ هل سيكون سببًا في انهيار زيجتهما؟ في التقرير التالي نعرض قصصًا لفتيات تضررن من شراء ذهب مغشوش من أزواجهن، وكيف أثر ذلك على ثقتهن بهم وحبهن لهم، بجانب الخلافات والانفراجات التي قد تنتهي بانهيار زيجاتهن.


بريق مزيف

هبة وعادل (أسماء مستعارة) كانا زوجين سعيدين، تزوجا بعد قصة حب استمرت سنوات، وكانا يحلمان ببناء أسرة متفاهمة ومتحابة، وفي يوم زفافهما، أهدى محمد لأمل عقدًا من الذهب، قائلًا لها: "هذا عقد الحب والوفاء، ارتديه دائمًا فهو يزيدك جمالًا ونورًا".
 

هبة فرحت كثيرا بهذه الهدية الثمينة، وشعرت بالامتنان لزوجها الذي تحبه ويحبها، وارتدت العقد بفخر وسعادة، الذي كان يصدر بريقًا لامعًا في ذلك الحين، ولكن بعد مرور شهور قليلة على زواجهما، بدأت تلاحظ أن العقد يتغير لونه، ويصبح باهتًا ومسودًا، فأخذت تشك في أنه ليس ذهبًا حقيقيًا.
 

فقررت أن تذهب به الفتاة العشرينية إلى محل ذهب لفحصه، وفوجئت بأن الصاغة يخبرها أن العقد مغشوش، وأن عياره لا يتجاوز 14 قيراطًا، بينما كان محمد يقول لها إنه 18 قيراطًا، وأضاف الصاغة أن قيمة العقد لا تزيد على 800 جنيه، بينما كان محمد يزعم أنه ابتاعه بـ11 ألف جنيه.

شعرت هبة حينها بالصدمة والخيبة، ولم تستطع تصديق أن زوجها قد خدعها بهذه الطريقة، فكيف استطاع أن يشتري لها هدية مزورة في يوم زفافهما؟ هل هذا دليل على عدم احترامه لها؟ هل هذا دليل على عدم حبه لها؟ فعادت إلى المنزل حزينة للغاية، وأخبرت محمد بالحقيقة التي اكتشفتها، وسألته عن سبب خيانته لثقتها، فانفعل الزوج وأنكر أن يكون قد اشترى لها ذهبا مغشوشا، وادعى أن الصاغة هو من خدعه، وأنه لم يكن يعلم بالأمر.

ولكن هبة لم تصدق كلام زوجها، فشككت في نواياه وصدقيته، وظنت أنه ربما كان يخونها مع امرأة أخرى، ولم يكن يحبها من الأساس، فبدأت تتجنبه وتعامله ببرود وجفاء، ولم تعد تثق به أو تحترمه، ثم بدأ الخلاف بينهما يتصاعد، والمشاكل تتكاثر، والحب يتلاشى، حتى انتهى الأمر بطلاقهما بعد 4 أشهر فقط، وانهيار زيجتهما التي بدأت بالذهب المغشوش.


طُرق ملتوية

وفي هذا السياق، يقول منير أشرف، الذي يمتلك خبرة طويلة في المشغولات الذهبية لأكثر من 35 عامًا، إن الذهب المغشوش هو الذي يختلف عن العيار المعلن عنه، أو يحتوي على نسبة من المعادن الأخرى التي تقلل من قيمته، أو يكون مقلدًا بالكامل من مادة أخرى تشبه الذهب في اللون والبريق.

ويوضح "أشرف" في حديثه لـ"الدستور" أن غش الذهب يتم بطرق مختلفة، منها استخدام طلاء رقيق من الذهب على سطح مادة أخرى رخيصة، مثل النحاس أو الحديد أو الزنك، أو خلط الذهب بمعادن أخرى ذات لون شبيه، مثل الفضة أو النحاس أو الزئبق، لزيادة وزنه وخفض قيمته، أو استخدام علامات دمغ خاطئة أو مزورة لإظهار أن الذهب من عيار أعلى مما هو عليه في الحقيقة، أو استخدام أجهزة قياس وموازين غير دقيقة لإظهار أن وزن الذهب أكبر مما هو عليه في الحقيقة.

ويضيف:"لا يستطيع المستهلك التأكد من جودة وصحة عيار الذهب إلا بإجراء فحص مختبري له، وهو أمر صعب ومكلف للغاية، لذا ننصح دائمًا بشراء الذهب من المحال المعروفة والمرخصة والموثوقة، والتي تخضع لرقابة مصلحة دمغ المصوغات والموازين التابعة لوزارة التموين، والتي تتولى دمغ المشغولات والسبائك الذهبية لمنع تداول ذهب مغشوش".


البحث عن الجودة

ويشير خبير المشغولات الذهبية إلى ضرورة الحصول على فاتورة تتضمن البيانات التفصيلية لحجم مشتريات الذهب، شاملة الوزن والعيار والسعر، لإثبات ملكية الذهب وسهولة إعادة بيعه مرة ثانية، بالإضافة إلى مقارنة أسعار الذهب في الأسواق المختلفة، والابتعاد عن العروض المغرية التي تقدم أسعار أقل من المعتاد، فقد تكون مؤشرًا على غش أو تقليد.

ويستكمل: "من الضروري أيضًا التأكد من علامات الدمغ على الذهب، والتي تحدد عياره وجودته ومصدره، والتحقق من صحتها من خلال موقع مصلحة دمغ المصوغات والموازين، فضلًا عن استخدام المغناطيس لفحص الذهب، فإذا انجذب إليه فهذا يدل على أنه يحتوي على حديد أو نحاس أو زنك، أما إذا لم يتأثر فهذا يدل على أنه ذهب خالص".

ويؤكد "أشرف" أن شراء الذهب المغشوش يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة للمستهلكين، فضلًا عن آثار نفسية واجتماعية سلبية، خاصة في حالات شراء الذهب كجزء من شروط الزواج، ففي بعض الحالات، قد يكتشف الزوج أو الزوجة بعد فترة من الزواج أن الذهب الذي تلقاه كمهر أو هدية هو مغشوش أو مقلد؛ ما يثير شكوكه في نية شريك حياته وأخلاقه، ويؤدي إلى خلافات وانفراجات قد تنتهي بانهيار الزيجة.

علاقة خادعة

رانيا وأحمد كانا خطيبين، تعرفا على بعضهما في الجامعة بمدينة المنصورة، ووقعا في حب بعضهما، وقررا أن يتزوجا بعد التخرج، وفي يوم خطوبتهما، أهدى أحمد لرانيا شبكة كاملة من الذهب الأصفر، وارتدتها حينها بسعادة غامرة، ولكن بعد مرور أسابيع قليلة على خطوبتهما، بدأت تلاحظ أن الذهب يتغير لونه، فقررت أن تخبر والدها بحقيقة الأمر.

وبمجرد أن اطلع والدها على ما حدث للشبكة المقدمة لابنته في خطبتها، قرر أن يذهب بها إلى محل ذهب لفحصه بشكل كامل، ليُصدم حينها بأن جميع المشغولات الذهبية التي قُدمت لابنته لا تتجاوز 12 قيراطًا، بينما كان أحمد يقول لها إنها 21 قيراطًا، وإن القيمة الحقيقية لها لا تتجاوز الـ5 آلاف جنيه، في حين أنه ابتاعه أمامها وأمام بقية الأسرة بـ35 ألف جنيه، وتبين في النهاية أن شراء الذهب المغشوش كان بالاتفاق بين أحمد وصاحب المحل السابق.

وتوضح الفتاة في حديثها: "للأسف، خطيبي السابق خدعنا جميعًا، وأقنعنا بأن صديقه يملك محل ذهب مضمونا، كما أنه سيستطيع شراء كمية معقولة بسعر قليل، ولم يشك فيه أحد من العائلة، وذهبنا معه لاختيار وشراء الشبكة، ولم نلحظ في ذلك الحين أن الذهب مغشوش". 

انزعج والد رانيا كثيرًا من معرفة حقيقة الأمر، وقال لابنته:"لا يجوز أن تكوني خطيبة رجل كذاب وغشَّاش، فإذا كان هكذا في يوم خطوبتك، فكيف سيكون في يوم زواجك؟ هذا الرجل لا يستحقك، ولا يستحق أن تكوني زوجته".

تقول "رانيا": إن والدتها أيضًا وافقت على كلام زوجها، ونصحت ابنتها بأن تفسخ خطوبتها من أحمد، وأن تبحث عن رجل آخر يقدرها ويحترمها، ولكن رانيا كانت محتارة، فهي ما زالت تحب أحمد، وتأمل أن يكون له عذر في ما فعله، فاتصلت به وسألته عن سبب خيانته لثقتها، وعن سبب شرائه لها ذهبا مغشوشا، فانفعل أحمد وأنكر كُل ذلك، مدعيًا عدم معرفته بالأمر، وأنه سوف يقاضي التاجر الذي ابتاع منه الذهب.

لم تصدق الفتاة العشرينية ادعاءات خطيبها، فشككت في جديته، وظنت أنه لم يكن يريد الزواج منها، فقالت له:"أنا آسفة، لكني لا أستطيع الزواج من رجل لا أثق به، أرجوك أعد شبكتك، فأنا لست بحاجة إليها".


توابع اقتصادية

من جانبه، يقول كريم حجازي، الخبير الاقتصادي، إن أزمة الذهب المغشوش في مصر تقلل من الثقة بين المستهلكين والتجار، وتزيد من مخاطر النصب والاحتيال، كما تضر بقطاع صناعة المشغولات الذهبية، وتقلل من فرص العمل والدخل للعاملين فيه، بالإضافة إلى أنها تقلل من الإيرادات الضريبية للدولة من بيع الذهب، وتزيد من التهرب الضريبي والتجارة الموازية.

ويوضح "حجازي" في حديثه لـ"الدستور"، أن انتشار الذهب المغشوش في الأسواق المصرية تسبب في انخفاض الطلب على الذهب كجزء من شروط الزواج، بل وزادت من مشكلات الحالات الاجتماعية والأسرية، لذا يجب توعية المواطنين بأضرار شراء الذهب المغشوش أو المقلد، والإبلاغ عن أي حالات غش أو تلاعب.

أما عن الحلول الممكنة لمواجهة الأزمة، يشير الخبير الاقتصادي إلى ضرورة الامتناع عن مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج منتجاتها غير المضمونة، وشراء الذهب من المحال الرسمية فقط، والتأكد من دمغة الذهب وسعره، كما يجب تشجيع صادرات المشغولات الذهبية، واستيراد خام الذهب بدلًا منها، لدعم قطاع صناعة الذهب وزيادة الإيرادات الضريبية.

"هناك أيضًا بعض الطرق التي يمكن أن تساعد في الحد من الغش في الذهب، مثل توعية المستهلكين بحقوقهم وواجباتهم عند شراء الذهب، وكيفية التعرف على الذهب الأصلي من المغشوش أو المقلد، وذلك من خلال وضع منشورات توعية وتفصيلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للجهات المختصة، فضلًا عن زيادة الرقابة والمتابعة على محال بيع الذهب، وضبط الغشاشين وإحالتهم للجهات المختصة"، وفق حديث حجازي.
 

ويختتم: "قد تكون هذه الحلول مفيدة وضرورية، لكنها قد لا تكون كافية وفعالة بمفردها، فهي تحتاج إلى تنسيق وتعاون بين الجهات المعنية، ورقابة ومتابعة مستمرة، وتطبيق القانون ومحاسبة المخالفين، وتشجيع الابتكار والتطوير في قطاع صناعة الذهب".

وعن عقوبة بيع وترويج الذهب المغشوش في مصر، فهي كالتالي:

السجن لمدة تصل إلى سنتين، وغرامة تصل إلى 10 آلاف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، لمن يبيع أو يتاجر في الذهب المغشوش أو المقلد، وفقا للمادة 18 من قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018.

السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، وغرامة تصل إلى 50 ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، لمن يستخدم أو يحاول استخدام الذهب المغشوش أو المقلد في الزواج أو التوريث أو التبرع أو التصرف بأي شكل من الأشكال، وفقا للمادة 19 من نفس القانون.

مصادرة الذهب المغشوش أو المقلد والأدوات المستخدمة في صناعته أو ترويجه وإتلافها بعد اكتساب حكم الإدانة بالغش التجاري، وفقا للمادة 20 من القانون نفسه.