رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" تكشف: لماذا تأخرت وزارة البيئة في تركيب أجهزة رصد وتتبع القروش؟

أسماك القرش
أسماك القرش

بعد حادثة صادمة راح ضحيتها شاب روسي على يد سمكة قرش من نوع "تايجر" في الغردقة، تسعى مصر لتنفيذ برنامج لرصد وتتبع حركة وسلوك أسماك القرش في البحر الأحمر، بهدف حماية مرتادي المياه من هجمات تلك الأسماك، وذلك من خلال استيراد أجهزة متخصصة في رصد حركة الكائنات البحرية، وتكون متصلة بالأقمار الصناعية لتقديم معلومات دقيقة عن كل حركة وسلوكيات للأسماك المستهدفة.

ووفقًا لما ما أعلن عنه قطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة، فإن مصر استوردت 50 جهازًا أمريكيًا لرصد حركة القروش منذ أكثر من عام، ولكن لم تستخدم هذه الأجهزة حتى وقتنا الحالي، على أن تصل خبيرة أمريكية متخصصة في تشغيل وتركيب هذه الأجهزة إلى مصر خلال الأيام القليلة المقبلة، وتشرف على سير هذه العملية البحثية لمدة عام كامل.

تكشف "الدستور" في السطور التالية، أبرز العوائق التي واجهت تنفيذ مشروع رصد وتتبع حركة أسماك القرش في مصر، منذ استيراد الأجهزة الخاصة به قبل نحو عام ونصف، من خلال الحديث مع عدد من الأشخاص المعنيين بهذا القطاع، والذين يملكون خبرة طويلة في دراسة وتحليل الأمور المتعلقة بأسماك القرش في مصر. 

عُطل دولي

يقول الدكتور محمود معاطي، أستاذ الأحياء البحرية بالمعهد القومي لعلوم البحار بالبحر الأحمر، والباحث المتخصص في مجال أسماك القرش، إن مشروع رصد وتتبع حركة أسماك القرش في مصر قد تم التخطيط لتنفيذه منذ عام 2018، وتم استيراد الأجهزة بنجاح من الولايات المتحدة منذ أكثر من عام ونصف، بجانب تحديد ميزانية عالية له من قبل وزارة البيئة، وذلك بالتعاون مع وزارة السياحة، لكن جائحة كورونا عطلت تنفيذ المشروع في ذلك الحين.

ويوضح "معاطي" لـ "الدستور"، أنه تم اتخاذ إجراءات تفعيل مشروع رصد وتتبع حركة أسماك القرش بعد الهجمة الأخيرة في الغردقة، وبالفعل كان هناك خطوات استباقية قبل وقوع تلك الحادثة، لكن الوضع اختلف تمامًا بعد هجوم سمكة القرش على السائح الروسي، وأصبح هناك ضغوط كبيرة لدى وزارة البيئة في تفعيل هذا المشروع بأسرع وقت ممكن.

الدكتور محمود معاطي، أستاذ الأحياء البحرية بالمعهد القومي لعلوم البحار بالبحر الأحمر

ويضيف: "هناك أسباب أخرى أيضًا لتعطل تنفيذ مشروع رصد وتتبع حركة أسماك القرش في مصر، ومنها عدم تواجد خبراء متخصصين في سلوكيات أسماك القرش، لذا يتم التعاقد حاليًا مع خبيرة أجنبية لتولي هذه المهمة الحساسة؛ حتى تضمن الحكومة المصرية أن المشروع سيجني ثماره بنتائج دقيقة، دون حدوث أي عطل في التعامل مع هذه الأجهزة".

ويشير "معاطي" إلى ضرورة توفير ميزانية مخصصة لتدريب وتأهيل كوادر مصرية يشرفون على هذا النوع من المشروعات بشكل عملي، وذلك يتم منذ فترة الالتحاق بالمرحلة الجامعية، بجانب خوض التجارب العملية داخل البحار، وكيفية التعامل مع أسماك القرش، وتركيب هذه الأجهزة لهم بشكل سليم.

أما عن طرق تركيب أجهزة رصد وتتبع أسماك القرش، يقول: "نعتقد أنه سيتم تركيب الأجهزة عن طريق الزعنفة الظهرية لسمكة القرش، وذلك بعد تخدير أسماك القرش باستخدام الحقن، ثم إطلاقها في المياه مرة أخرى، بحيث إذ اقترب القرش من سطح المياه سيتم التقاطه على الفور عبر الأقمار الصناعية، ويطلق تحذيرات من تواجد هذه الأسماك في المنطقة المحددة".

ويختتم: "لدينا في البحر الأحمر 44 نوعًا من أسماك القرش، وتعتبر هذه كمية كبيرة من الأسماك التي لا تستطيع الأجهزة المستوردة استيعابها؛ لأنه من الصعب السيطرة على الكم الكبير من أسماك القرش داخل البحر، بجانب التكلفة العالية لتنفيذ مثل هذه المشروعات بشكل موسع، لكن يمكن تقسيم هذه الأجهزة في الوقت الحالي على الأنواع المختلفة لدينا في الشواطئ المصرية".


دراسة عميقة

ومن جهته، يقول الدكتور محمود حنفي، أستاذ البيئة البحرية بجامعة قناة السويس والمستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر وجمعية المحافظة على البيئة "هيبكا"، إن أجهزة رصد وتتبع أسماك القرش التي تعاقدت عليها مصر منذ فترة طويلة يتم استخدامها في العديد من الدول العالم، ولا يقتصر دورها على متابعة سلوكيات أسماك القرش فقط، بل هي مخصصة لمعرفة أوضاع الكائنات البحرية بشكل عام، والأماكن التي تقيم فيها أو تتحرك منها وإليها.

ويؤكد "حنفي" في حديثه مع "الدستور"، أن تفعيل مشروع رصد وتتبع أسماك القرش في مصر كان يحتاج إلى وقت طويل، بداية من استيراد الأجهزة المخصصة في هذا الأمر، ثم الاستعانة بخبراء أجانب متخصصين في التعامل مع الأجهزة؛ لأن مصر ليس لديها كوادر مؤهلة للتعامل مع سلوكيات أسماك القرش أسفل المياه، كما أن المشروع عبارة عن دراسة علمية لمتابعة حركة القروش الأساسية في المياه على المستوى الأفقي والمستوى الرأسي.

الدكتور محمود حنفي، أستاذ البيئة البحرية بجامعة قناة السويس

ويضيف: "الأجهزة لها أدوار مختلفة أيضًا من حيث قياس درجة الملوحة في البحر، وقياس درجات الحرارة في المياه، فضلًا عن البيانات التي تصدرها بشأن مدى حركة وقرب أسماك القرش من الشواطئ التي يتردد عليها عدد كبير من المصطافين".

ويشير أستاذ البيئة البحرية، إلى دراسة أجهزة الدولة المصرية لهذا الأمر بتمعن شديد، من أجل منع تكرار هجمات أسماك القرش في البحر الأحمر، حيث تعتبر أسماك القرش في مصر من أفضل مصادر الاستثمار السياحي، لذا تعمل وزارة البيئة على وضع حلول فعالة تحافظ على أرواح المصطافين، ولا تعرض أسماك القرش للخطر داخل المياه.

وفي ختام الحديث، يوضح المستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر، أن وقف الصيد لمدة 3 أو 4 أشهر في مصر يعتبر أحد الحلول الرئيسية لتقليل الضغط على الأسماك؛ لأن عمليات الصيد التي تتم بمواصفات ضارة بالبيئة مثل الصيد بالكهرباء أو المتفرجات، تعد سببًا أساسيًا في تغير سلوكيات الكائنات البحرية، الأمر الذي يزيد من حدة هجوم أسماك القرش، ولكن يجب أيضًا بجانب ذلك أن يتم تقييم وتغيير حرف الصيد من الجانب الاقتصادي للعاملين بالمجال، ومراقبة ومتابعة كافة أوضاع القطاع بشكل عام.


تخصص غائب

ومن جانبها، تقول الدكتورة سحر مهنا، رئيس شعبة المصايد بالمعهد القومي لعلوم البحار، إنه منذ اندلاع حوادث هجمات القروش في شرم الشيخ خلال العامين الماضيين، طالب المعهد القومي لعلوم البحار بضرورة تنفيذ برنامج رصد ومتابعة لحركة أسماك القرش؛ لأنه لا يوجد لدينا في مصر دارسون أو متخصصون في سلوكيات هذه الكائنات البحرية الكبيرة، ونظم الدراسة المخصصة لهذا المجال يتم عبر الأقمار الصناعية، لذا يجب توافر تخصصات دراسية لهذا القطاع الهام.

وتؤكد "مهنا" في حديثها لـ "الدستور"، أن الإشراف على هذا المشروع صعب للغاية، بداية من استقلال مركب أبحاث داخل البحر والبحث عن القروش، ثم وضعها في مكان مخصص لها لحين تركيب الجهاز بجسدها، ثم إطلاقها مرة أخرى في المياه، كما أن المشروع التي أعلنت عنه وزارة البيئة مؤخرًا يستهدف 3 أنواع فقط (ماكو – تايجر – أوشينك) من 44 نوعًا داخل البحر الأحمر، وتلك تُعد مشكلة كبيرة في عمليات البحث عن الأنواع المحددة.

الدكتورة سحر مهنا، رئيس شعبة المصايد بالمعهد القومي لعلوم البحار

وتستطرد: "نحتاج أيضًا إلى أدوات معينة تمكن الفريق المسؤول عن اصطياد أسماك القرش من تركها حية مرة أخرى في المياه، وذلك لا يستطيع تنفيذه سوى أشخاص متخصيين علميًا في هذا الأمر، لذا نعتقد أن ذلك ما تسبب في تأخر تفعيل مشروع رصد وتتبع حركة أسماك القرش في مصر".

وتنوّه "مهنا" في ختام حديثها، إلى أن المشروع يستهدف في الأساس سمكة "التايجر"، كونها الأشرس على الإطلاق، ومن المعروف أنها تفترس أي شئ أمامها، وليس لها أي حدود في الطعام، وما حدث مؤخرًا في واقعة الغردقة، يؤكد أن سلوكيات هذه السمكة غير طبيعية، لأن القرش يبتعد فورًا عن المكان الذي هاجم فيه فريسته، لكنها ظلت مكانها حتى تم اصطيادها، وذلك عكس السلوك الطبيعي لأسماك القرش.


ميزانية مكلفة

وفي هذا السياق، يقول الدكتور محمود عبد الراضي دار، أستاذ الجيولوجيا البحرية بالمعهد القومي للبحار، إن أجهزة رصد وتتبع حركة أسماك القرش عبارة عن شريحة يتم تثبيتها بمكان ما في جسد السمكة حسب نوعها وحجمها، ويتم تنفيذ هذا المشروع في العديد من الدول التي تعاني من هجمات القروش، مثل الولايات المتحدة وأستراليا، الذين حققوا أعلى معدل في حدوث هجمات أسماك القرش على مدار التاريخ.

ويؤكد "عبد الراضي" أنه وفقًا للملف الدولي لهجمات القروش، بلغ معدل الحوادث في أمريكا 1563 هجمة، بينما بلغت أستراليا 682 هجمة، وذلك منذ عام 1580 حتى عام 2022، في حين أن مصر جاءت في المرتبة السفلى لهجمات القروش، بمعدل 22 حادثة فقط، ما يعني أن عدد هجمات القرش في مصر مقارنة بدول العالم التي تمتلك سواحل طويلة وأعداد كبيرة من مرتادي الشواطئ هو الأقل.

ويستكمل أستاذ الجيولوجيا البحرية حديثه مع "الدستور": "عدد الموتى بهجمات القروش على مستوى العالم مقارنة بالحوادث الأخرى، واحد لكل 4 ملايين شخص تقريبًا، ولكن ذلك لا يمنع اتخاذ كافة إجراءات الحماية من هجمات القرش غير المتوقعة خلال السنوات الماضية؛ بسبب تغير سلوكيات الكائنات البحرية".

 الدكتور محمود عبد الراضي دار، أستاذ الجيولوجيا البحرية بالمعهد القومي للبحار

ويضيف: "الأزمة لا تقتصر فقط على الكائنات البحرية، بل هناك أيضًا سلوكيات بشرية خاطئة، فمن الضروري أن تتوفر توعية شاملة للسائحين بسلوكيات وحالات ومدى تواجد أسماك القرش في المياه، كما يجب تحديد نطاق معين لمرتادي البحار، خاصة التي يتواجد فيها أسماك القرش، ومن المعروف أيضًا أن القرش يظهر في المنطقة التي يستهدفها قبلها يوم، من أجل تأمين المكان قبل الهجوم بهدف التغذية، لذا استخدام الأجهزة الجديدة في الوقت الحالي سيكون هامًا للغاية من أجل رصد هذه الكائنات فور ظهورها".

وعن تركيب الأجهزة للإناث من أسماك القرش خصيصًا، يوضح: "الإناث هي التي تلجأ إلى الأماكن المزدحمة من أجل توفير بيئة مناسبة لتلد فيها بأمان، بعيدًا عن الذكور، وذلك يحدث فقط في مواسم الولادة، التي تكون عادة في فترة الصيف".

ويختتم: "ميزانية استخدام أجهزة رصد وتتبع حركة أسماك القرش مكلفة للغاية، ومن الصعب أيضًا التعامل معها، لذا ننتظر حاليًا وصول الخبيرة الأجنبية التي تم الاتفاق معها للإشراف على المشروع بشكل كامل، رفقة فريق مخصص لمتابعة سلوكيات أسماك القرش في البحر الأحمر، ومن الضروري أن يتم استغلال هذا الأمر في تدريب كوادر مصرية على التعامل مع القروش في المستقبل".

موافقات أمنية 

يقول أيمن طاهر، خبير الحياة البحرية والغوص لأكثر من 40 عامًا في البحر الأحمر، إن مشروع رصد وتتبع حركة أسماك القرش لن ينتهي تنفيذه سريعًا كما يعتقد البعض، فالأمر يحتاج إلى مجهودات كبيرة خلال مرحلة تركيب الأجهزة في جسد أسماك القرش، ثم مراقبة أوضاعها لفترة لا تقل عن عام على الأقل، حتى يتم التيقن من الأسباب الرئيسية وراء ظهور هذه الكائنات الكبير على الشواطئ المصرية، ومدى احتياجها للتغذية.

ويتابع "طاهر" حديثه مع "الدستور"، موضحًا أن مصر استوردت هذه الأجهزة من أمريكا، ولكن لم يتم تحديد الشركة المصنعة أو الموردة لهذه الأجهزة، كما أن هناك عدة دول تستخدم أجهزة رصد القروش لمراقبة حركتها وسلوكها وحماية مرتادي الشواطئ من هجماتها،ومن بينها هذه أسترالياوجنوب أفريقياوالولايات المتحدة والبرازيل وفرنسا.

ويشرح: "هذه الأجهزة تعمل بمبادئ مختلفة، مثل الأقمار الصناعية أو الراديو أو الصوت أو الكاميرات، ولكن تأخر تفعيلها في مصر بسبب الحصول على الموافقات الأمنية والجمركية، والاستعانة بخبيرة أجنبية لتركيب وتشغيل الأجهزة، بالإضافة إلى استيفاء الإجراءات والتدريبات اللازمة لضمان دقة تركيب الأجهزة".

أيمن طاهر، خبير الحياة البحرية والغوص 

وعن مدى نجاح المشروع في صد هجمات القروش في مصر، يوضح: "هذا يعتمد على عوامل كثيرة، مثل دقة ووثوقية الأجهزة، وسرعة وكفاءة استخدام المعلومات التي تجمعها، والتعاون بين السلطات والسائحين والمرشدين، والتوعية البيئية والسلامة الشخصية، ولكنها ستكون مفيدة بالتأكيد في جمع بيانات عن سلوك وحركة أسماك القرش، وتحديد الأنواع والمناطق الأكثر خطورة، واتخاذ إجراءات احترازية لتجنب الهجمات".

ويستطرد: "لكن هذا لا يضمن أن تكون هذه الأجهزة كافية لحماية السائحين بشكل تام، فقد تحدث حالات طارئة أو غير متوقعة، أو قد تفشل الأجهزة في بعض الأحيان، أو قد يتجاهل البعض التعليمات والإرشادات، لذا يجب أن يكون هناك جهد مشترك من جميع الأطراف لزيادة فرص السلامة والأمان في المياه".

وفي ختام الحديث، يشير "طاهر" إلى تعليمات وزارة البيئة الأخيرة التي تم توجيهها إلى العاملين بالقطاع السياحي في البحر الأحمر، بشأن كيفية التعامل مع أسماك القرش، ومنها وضع علامات عند خط كنتور على عمق 2 متر، لتحديد المياه العميقة بهدف حماية النزلاء، وإقامة أبراج لا يقل ارتفاعها عن 5 أمتار من خط المياه، لمراقبة الشواطئ  بشكل تام، فضلًا عن عدم نزول المصطافين إلى المياه فرادى، ولكن في مجموعات برفقة مرشدين "سنوركل" مدربين ومؤهلين، ووجود لانش "زوديك" سريع أمام شاطئ كل قرية مع توفير كافة الإسعافات الأولية.