رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة يونيو 2013 فى الثقافة

لا يختلف أحد حول الدور المهم الذي تلعبه الثورات في حياة الشعوب وتشكيل وعي الشعوب، وفي تكوين الوجدان المصري بصفة خاصة، فقد نجحت ثورة 23 يوليو 1952 فى تعبئة كل الشعب المصري ليسير وراء الثورة ويتبنى أهدافها، عبر ثورة ثقافية قام بها الدكتور ثروت عكاشة.

كما نجحت في تسويق صورة جمال عبدالناصر ورجال الثورة لدى جماهير الشعب، وخلقت نوعًا من التعاطف الطاغي بين الشعب وقادته، وهذا التعاطف هو الذي جعل الشعب يتقبل طواعية هزيمة الجيش في 1967، ولم يتوقف كثيرًا عندها، وسرعان ما هب من جديد يدافع عن كرامته ويعيد تحرير الأرض في أكتوبر ورمضان 1973.

وفي التسعينيات، وفي 1994، ظهر في مصر أضخم مشروع ثقافي وهو مكتبة الأسرة والقراءة للجميع، وهو مشروع مصري خالص لنشر روائع الأدب من أعمال إبداعية وفكرية وفلسفية، وكذلك تقديم الأعمال التي شكلت مسيرة الحضارة منذ فجر التاريخ حتى الآن، على أن تطرح هذه المكتبة للبيع بأسعار رمزية.

وقد أشاع هذا المشروع مناخًا جيدًا في الثقافة العامة المصرية، وأسهم هذا في توسيع نطاق المهرجان ليشمل الشباب والأسرة، إلى جانب الطفل، حيث أصبح الشعار
وهو المشروع الذي أسهم في تداول الكتب التي يصعب أن ينشرها الناشر العادي لأنها عبارة عن كتب الثقافة الثقيلة التي لا يقبل عليها الخاصة. كما أسهم هذا المشروع في قيامنا باقتناء الكتب.

فقد كانت أسعار الكتب متاحة بين أيدينا وفي متناول الموظف البسيط. وتمت إعادة أمهات الكتب والكتب الضخمة والموسوعات مثل موسوعة وصف مصر وموسوعة الدكتور سليم حسن عن الآثار المصرية القديمة، 
يمكننا أن نقرر دون أن نتجاوز الصواب أن الثورة الثقافية سبقت أحداث يونيو 2013، وربما ما حدث وقتها كان دافعًا لما حدث بعد تلك الواقعة.

بدأت الواقعة من يوم 5 يونيو2013 واصل عشرات المثقفين والفنانين، اعتصامهم داخل مكتب علاء عبدالعزيز، وزير الثقافة، الذي عينه الإخوان بالزمالك، معلنين عن استقلال الوزارة عن حكم الإخوان.
بعد 30 يونيو تم وضع خارطة سياسية، واقتصادية، ولكن للأسف لم توضع خارطة طريق ثقافية تسير عليها البلاد، وتركت الأمر لكل وزير حسب اجتهاده، ليضع ويرسم السياسة الثقافية، وما دمنا لا ننتقى الوزير من بين النخبة الثقافية، فإن الوزير سيأتي بالأفكار القديمة والبالية والمكررة، ويمكننا أن ندعى أنه في 4 سنوات فقط، تناوب علينا 5 وزراء للثقافة، وفى فترة من الفترات كان رئيس الوزراء، لا يجد وزيرًا للثقافة، فاختار أحد رجال الأحزاب. ولما اعترض عليه المثقفون، استبدلوه بوزير سبق أن كان في الوزارة، نكاية في المثقفين.

وبالتالي لا فكر، ولا هدف. ولا تفكير في خطة يتم تنفيذها.
الآن أصبح لدينا إسهال في الإنتاج الثقافي الشفهي، معارض حفلات، مؤتمرات.، يمارس فيه القطاع الخاص دورًا محوريًا، وغابت مؤسسات الدولة المعنية بالإنتاج الثقافي الثقيل، وهو نشر الكتب ذات الثقافة الرفيعة والجادة وكتب التاريخ والترجمة، فأصبح لدينا وفرة في الروايات والشعر وكتب السحر والشعوذة وسير الفنانين، ومعظمه إنتاج تافه لا يرقى للمنافسة.

مع الأخذ في الاعتبار تدليل المؤسسة لكتابها ومثقفيها، وإغداقها عليهم بجوائز الدولة، وكأن الإبداع توقف عند هؤلاء. إن المؤسسات الثقافية عندنا أصبحت عاجزة عن مجاراة الفكر الإرهابي، الذي تغلغل حتى النخاع في تلك المؤسسات نفسها، وقد أصيبت تلك المؤسسات بالشلل، ولم تعد قادرة على درء التطرف والتعصب والتكفير عن جسد الأمة. ونتساءل: أين هي خارطة الطريق الثقافية؟

الغريب أنه بعد 30 يونيو تزايدت حملات التشكيك وأسهمت بعض القنوات الفضائية المتعددة في بلبلة أفكار البسطاء حول بلدهم، وزعزعت الثقة في اعلام بلادنا، كما ترسخ لديهم اعتقاد بأن الإعلام الأجنبي صادق فيما يقوله، وتصاعدت نبرات العداء لمصر والتشكيك في منجزاتها القومية التي أسهمت في تغيير وجه مصر الحضاري، خصوصًا بعدما استطاعت مصر القيام والنهوض من نكسة وتخريب ثورة 2011 , وآثارها المدمرة، وما قام به الإخوان المسلمون. 
الحقيقة لم تتمكن وزارة الثقافة من التصدي لتلك الحملات الشرسة، والتي مازالت أفكارها موجودة بين المواطنين البسطاء، وتلاشى دائما دور وزارة الثقافة لأنه لم يتم عمل خريطة طريق ثقافية في أعقاب ثورة يونيو 2013.