رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيبوا أم كلثوم فى حالها

لو صح ما قرأناه مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعى، عن اعتزام البعض ممن لديهم دراية بموضوع «اللعب» فى الأصوات لإنتاج أغانٍ جديدة «مخترعة» باستحضار أصوات بعض مطربينا الراحلين فالأمر جد خطير، يجب الالتفات إليه ومقاومته، ووأد الفكرة فى مهدها بسبب عدم فائدتها، كونها لن تضف جديدًا إلى تراث الراحلين، بل ستخصم من أرصدة المبدعين، أم كلثوم الله يرحمها وعبدالوهاب وعبدالحليم وفريد وغيرهم الكثيرين، أثروا حياتنا وشكلوا وجداننا بكل ما قدموه من فن أصيل، فلماذا يصر البعض عن عمد، أو عن غير قصد على تشويه كل أصيل وتقبيح كل جميل؟! هل حالة الفقر الفنى التى يتحدث عنها البعض، والافتقار إلى وجود أصوات جميلة أو حناجر معبرة هى التى دفعتهم إلى الإقدام على فعل هذا؟ هل يريدون مثلًا أن يثبتوا لغيرهم أنهم «شُطار» فى موضوع تركيب الأصوات وعباقرة فى استخدام التكنولوجيا وعفاريت فى الذكاء الاصطناعى؟! أنا لست معاديًا للتكنولوجيا ولا معارضًا للتطور، ولكنى من المؤمنين بأن لكل شىء من الأشياء التى نستخدمها جميعًا، بوصفنا بشر وأحياء، وجهًا نافعًا ومفيدًا وآخر مضرًا ومؤذيًا وأحيانًا مبيدًا، وبأنه إذا زاد الشىء عن حده فإنه حتمًا سينقلب إلى ضده، إذا دخلت التكنولوجيا إلى حياتنا لتسعدنا وتساعدنا وتيسر علينا بعض الصعاب وتهون علينا بعض المشاق فأهلًا بالتكنولوجيا ويا ميت مرحبًا بالتطور، ولكن إذا ما تدخلت فى حياتنا من أجل إفساد الأصيل وتشويه الحسن وتقبيح الجميل فبناقص خالص من التكنولوجيا ويغور فى داهية التطور، إذا كان الذكاء الاصطناعى هيستحضر لنا صوت الست «اللى ماتت من ٤٨ سنة» علشان تغنى لنا أغانى جديدة الله أعلم بكلماتها يبقى مبروك عليكم الذكاء «خليهولكم وسيبوا لنا إحنا عقولنا»، اللى مريحانا على حالها، ما الذى سنستفيده إذا ما نجحتم فى استحضار صوت الست؟ ما الذى سيعود علينا إذا حتى حضّرتوا لنا روحها؟! فى عمرى الفائت كله، لا أذكر أننى قد أُعجبت يومًا أو تفاعلت أو صفقت لأى من الأشخاص الذين منحهم الله القدرة على تقليد الأصوات واستغلوها بدورهم فى تقديم الاسكتشات، وقد شاهدتهم كثيرًا فى الحفلات واستمعت إليهم فى الإذاعة «فى برنامج مسرح المنوعات» وظهروا مرارًا على الشاشات، شاهدتهم وأنا صغير ولكنى لم أُعجب بأداء أحدهم، لأنهم، ومع الاحترام الكامل لشخوصهم والتقدير الشديد لموهبتهم والإجلال الوافر لجهدهم واجتهادهم فى إتقانهم «للتقليد»، لم يعجبونى كونهم لم يقدموا أى جديد، قلدوا صوت محمد رضا وكمال الشناوى واستيفان روستى وغيرهم وغيرهم، شاهدهم الناس وصفقوا لهم، وشاهدتهم أنا ولم أصفق، لأنه هنالك حقيقة تقول إن الذى يموت لا يمكن أن يعود، إذا نجحت التكنولوجيا فى استحضار صوت الست أو حتى تحضير روحها، فلن يفيدنا هذا فى قليل أو كثير، لقد رحلت السيدة إلى رحاب ربها فاذكروها بالخير واقرأوا لها الفاتحة، دعونا نستمع إلى أغانيها القديمة ونقول الله يرحمك يا ست، ادعوا لها مثلنا أو اتركوها، لا تعبثوا بتراثنا وشوفوا لكم حاجة مفيدة اعملوها.
حفظ الله بلدنا وأعانكم وأعاننا.