رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هنا «إمياى».. أول قرية فى مصر بلا عاطل: «السر فى الأقفاص»

إمياى
إمياى

تُعرَف بأنها «القرية التى ليس بها عاطل»، فمنذ أن تطأ قدماك «إمياى» التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية، تجذب عينيك كميات «جريد النخيل» المنتشرة فى كل مكان، وبجانبها الورش التى تحول هذا «الجريد» إلى منتجات فى غاية الحرفية والمهارة العالية، وعلى رأسها الأقفاص والكراسى.

مهنة توارثها أبناء «إمياى» عن أجدادهم، ويحرصون كل الحرص على توريثها لأبنائهم، ليظل مشهد اجتماع أبناء الأسرة الواحدة لتحويل «جريد النخيل» إلى منتجات تُستخدم فى كل بيت، قائمًا كما هو دون تغيير، متحديًا التقدم التكنولوجى الكبير فى كل مجالات الحياة.

«الدستور» تلتقى عددًا من أهالى القرية، لمعرفة تفاصيل عملهم فى هذه المهنة والصنعة، ودور كل منهم فى مراحل الإنتاج، وما الذى يحلمون به لتطويرها والإبقاء عليها دون تأثر بأى مؤثرات خارجية.

البداية عند فتحى أحمد، الذى يعمل فى تصنيع «جريد النخيل» منذ ٢٠ عامًا، ورغم أن لديه وظيفة حكومية، لم يتوقف عن مزاولة هذه المهنة، ولديه ورشته التى تعمل طوال الأسبوع وتدر له دخلًا إضافيًا، بجانب وظيفته.

يبدأ أبناء وزوجة «فتحى» فى العمل منذ طلوع الشمس، وفى منتصف اليوم يكون قد أنهى عمله فى وظيفته، فيكمل عمله معهم داخل الورشة، وفق ما قاله لـ«الدستور»، مضيفًا: «هذه المهنة عماد أساسى لقرية إمياى، ويعتمد عليها الجميع تقريبًا، وهى سبب شهرتنا، فالتجار والموزعون يقبلون علينا باعتبارنا أكبر منتجى الأقفاص فى مصر، والتى يتم شحنها إلى أرجاء الجمهورية كافة».

ورأى «فتحى» أن «المقارنة بين إنتاج الآباء والأجداد وما يتم إنتاجه اليوم، مثل المقارنة بين سير القطار والحمار»، وفق تعبيره، مشيرًا إلى أن الأيدى العاملة موجودة، لكن الطلب على المنتجات لم يعد كما كان، ففى فترة سابقة، كانت الأقفاص هى الوسيلة الوحيدة التى يستخدمها التجار فى نقل الخضار والفاكهة، لكن فى الوقت الحالى أصبحت هناك أدوات بديلة موجودة، مصنوعة من البلاستيك.

لا يبدو الأمر تشاؤميًا على طول الخط، فعلى الرغم من أن الأقفاص تصنع الآن من البلاستيك، وأثر ذلك بشكل كبير على السوق، لكن لا يزال كثيرون يعتمدون على أقفاص الجريد اعتمادًا كبيرًا ويفضلون استخدامها، فى ظل متانتها وحفاظها على الخضروات والفاكهة لأطول فترة ممكنة، إلى جانب سعرها المناسب.

واستعرض «فتحى» المنتجات التى تُصنع من الجريد، بداية من الأقفاص التى تُعرف بين تجار الفاكهة والخضار بـ«العِداية»، إلى جانب الأقفاص المخصصة لتربية الطيور المنزلية وطيور الزينة، والكراسى والكنب والطاولات، فضلًا عن صناعة بعض أشكال الديكور والزينة، مثل القناديل وفوانيس رمضان.

وأضاف: «كأى صناعة لها مراحل حتى الوصول إلى الشكل النهائى، وأولى تلك المراحل هى تقطيع جريد النخل الذى يأتى لنا من المورد بأعواد طويلة، ليصير أعوادًا صغيرة مناسبة للمقاس المطلوب، باستخدام آلة حادة مخصصة لذلك».

وواصل: «فى المرحلة الثانية نصنع الثقوب التى توضع فيها الأعواد، وصولًا إلى تثبيت المركبات المستخدمة ببعضها البعض، باستخدام سلك معدنى، وفى النهاية يتم التجميع الأخير للمنتج، ووضعه فى الخلاء تحت أشعة الشمس، حتى يشتد ويفقد الرطوبة التى بداخله، قبل بيعه فى نهاية المطاف».

فى القرية هنا قلما تجد ورشة لصناعة منتجات «الجريد»، إلا والزوجة تُعين زوجها فى عملية التصنيع، ومن بينهن هدى صالح، إحدى السيدات العاملات فى هذه المهنة، لمساعدة زوجها وأبنائها.

وقالت «هدى» إنها لم تكن تتقن هذه «الصنعة»، لكن مع مرور الوقت تعلمتها من زوجها، وظلت لسنوات معه يدًا بيد، حتى كبر أبناؤهما وشاركوهما العمل، الذى يعتبر مصدر رزق لكل الأسرة.

وأضافت: «أؤدى عملى بكل حب، ولم أُجبر عليه يومًا، وأرى أن عملى فى ورشة زوجى ليس فيه ما يشيننى أو يشين زوجى وأبنائى، فالمصلحة العامة لنا تقتضى ذلك، لأننا مطالبون بإنجاز المنتجات المطلوبة دون أى تأخير، حتى نحافظ على زبائننا، وبالتالى فإن عملنا معًا يقضى هذا الغرض».

وواصلت: «نحن جميعًا مُلاك لهذا المشروع وشركاء فيه، ولا أحد يُجبرنا على العمل فى وقت معين أو بكيفية ما، وهذه المهنة كغيرها بها بعض المتاعب بالتأكيد، لكننا اعتدنا عليها، كما أن من المميز فيها أنها تناسب السيدات والرجال، وحتى الشباب يمكنهم العمل بها، فهى ليست صعبة لحد كبير».

وأشارت إلى بعض المخاطر التى يجب الانتباه إليها خلال عملية التصنيع، لذا لا يُسمح لأحد باستخدام الآلات الحادة إلا بعد تدريبه جيدًا على استخدامها والتحكم الكامل بها.

ثالث من التقتهم «الدستور» كان محمد ماهر، أحد العاملين فى تصنيع «جريد النخيل»، الذى يرى أن هذه الصناعة ليست مجرد حرفة يمتهنها أهالى قرية «إمياى»، بل أصبحت رمزًا يدل عليهم ويُعرفون بها، مشيرًا إلى أن ذلك تَكَون بفضل سنوات طويلة من حب وإتقان وجودة عالية لما يصنعه الأهالى، بدأه أجدادهم ويكمله الأبناء والأحفاد من بعدهم.

وقال «ماهر»: «هذه الثقة وهذا الاسم لم يُمنح لنا من فراغ، فنحن لسنا الوحيدين فى هذه الصناعة، لكن نتمتع بشهرة وانتشار واسعين». واختتم «هذا ما تربينا عليه من آبائنا فى هذه المهنة، ويعد سر النجاح الكبير».