رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"جوهرة إيجة 2": بدون خطة.. جولة فى منطقتى بلاكا وأنافيوتكا بأثينا.. ماذا ستجد؟

أنافيوتكا
أنافيوتكا

كل مرة رتبت فيها رحلة إلى اليونان تعثرت الأمور واضطررت إلى استبدالها بدولة أخرى، الخطة الأولى كانت في أبريل 2020، كنت حصلت للتو على تأشيرة شنجن من اليونان، ولكن العالم كله دخل في إغلاق تام بسبب جائحة كورونا وأغلقت الأبواب أمام الجميع، وفي عام 2021، عندما بدأت الدول في إعادة استقبال السياح، ظلت اليونان مغلقة أمام الدول من خارج الاتحاد الأوروبي.

حتى نوفمبر 2022، عندما نفذت الرحلة التي تأجلت عامين ونصف، كنت خلالها أتابع اليونان، وأجمع الصور والمعلومات عن المواقع والأماكن والشوارع.. شعرت أنني أعرف كل شيء.. وكان التحدي هو إلى أي حد تشبه أثينا صورها والأحاديث عنها؟

بدون خطة 

في حين اعتدت أن أرسم خطط دقيقة لكل المدن قبل زيارتها، تركت نفسي في أثينا بدون خطة، حملت الخريطة الورقية في حقيبتي، وعزمت على اكتشافها كاملة في 8 أيام، ألا أترك حي إلا وأذهب إليه، وألا أترك شارعا إلا وأسير فيه.. كانت الخطة هي أن أكون بدون خطة، وأن أغلق "خرائط جوجل" قدر الإمكان واستمتع بالجولات الحرة.. في النهاية سأتمكن من العودة إلى الفندق، فهذه هي أثينا وهؤلاء هم اليونانيون، هذه المرة سأترك المدينة ذات الحكايات لتأخذني حيثما تريد.

بلاكا

ستأخذك نصائح جوجل، وأحاديث السكان المحليين، والتقارير، ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى منطقة "بلاكا"، في وسط أثينا، ذات الصيت الهائل، عندما وصلت في رحلتي الأولى إلى اليونان، كانت أولى جولاتي في منطقة بلاكا، لم تُضللني النصائح، الصور أقل جمالاً من الحقيقة، والأهم أن كل النصائح والتقارير لم تستطع أن توصف لماذا بلاكا. حتى أنا بعدت زيارتي لهذا الحي قرابة 6 مرات في الصباح والمساء وبعد منتصف الليل والغروب، في الشتاء والربيع لا أعرف لماذا بلاكا. كنت أغلق تطبيق "الخرائط" من جوجل، وأترك نفسي للتسكع بدون هدف، طالما كانت الجولات الحرة أكثر جمالاً من المُخططة سابقاً.

بلاكا هو يعرف بـ "حي الآلهة"، يقع تحت المنحدر الشمالي الشرقي للأكروبوليس، ويمتد تقريبًا على طول الطريق إلى ميدان سينتاجما في متاهة من الشوارع الضيقة المتعرجة الممتلئة، فهو أقدم حي تاريخي في أثينا، في الواقع، تم تطوير الحي نفسه في الأصل حول أنقاض "أجورا القديمة"، وكانت هذه المنطقة من أثينا مأهولة بالسكان منذ أيام اليونان القديمة .الحفريات أثبتت أن شريان بلاكا الرئيسي، شارعي "أدريانو، تريبودون" اللذان لايزالان لديهما نفس التصميم تمامًا كما كانا في العصور القديمة!

بلاكا

في بلاكا كل شيء ذو طابع خاص، البيوت صغيرة مطلية بألوان راقية، الشوارع ضيقة، الأزقة تهمس بحكايات من التاريح، الموسيقي اليونانية الشعبية تُعزف على الأرصفة، أصحاب المحلات يلقون عليك التحية بكلمة "ياسس" ويعرضون عليك قوائم طعامهم، محلات الهدايا التذكارية حولك، متاجر بها تحف مذهلة في جميع أنحاء بلاكا. إذا كنت مهتمًا بالأيقونات المرسومة يدويًا والمنحوتات الخشبية وغيرها من القطع الفنية التي صنعها فنانون محليون ستكون في حيرة بالغة.

بلاكا

اليونانيون يتحدثون حولك بلغتهم الرقيقة، والسياح في كل مكان، "من السهل جداً التمييز بين السكان المحللين والسياح"، الجولة مريحة وسهلة، العديد من الشوارع الحجرية المرصوفة مخصصة للمشاة فقط، ولا يتطلب الأمر قدرًا كبيرًا من الخيال للتفكير في شكلها خلال العصور القديمة.

عرفت من المحليين إنه لم تعد هذه منطقة سكنية، بل حي سياحي وممتع، قريب من المواقع الأثرية مثل مكتبة هادريان وأغورا الرومانية، وكذلك  نصب Lysicrates التذكاري الذي صُنع بواسطة Lysicrates ، قائد الكورال. قام بعمل هذا النصب التذكاري بعد أن فاز كورالته بالجائزة الأولى في مهرجان ديونيزيا. إلى جانب الشوارع والمباني الجذابة ، يمكن للمسافرين استكشاف والاستمتاع بالكنائس الصغيرة الجميلة المذهلة في كل منعطف حيث يعود تاريخ معظمها إلى القرن الحادي عشر.

بلاكا

الحكايات تحمل كفاحاً، كانت بلاكا ذات يوم مقر "فويفود" "الحاكم" التركي خلال الحكم العثماني لليونان.! منذ حرب الاستقلال اليونانية عام 1821، عندما شهدت المنطقة قتالًا عنيفًا، وكذلك حريق هائل في عام 1884 أدى إلى إحراق قسم كبير من الحي، من الصعب تخيل أن هذا الحي الجميل قد شهد أوقاتاً صعبة كتلك.

في كل مرة كنت أعتقد إنني لم أكتشف كل شيء، فأعود مجدداً، في المرة السادسة كنت قد حفظت ترتيب المحلات وطورت علاقات لطيفة مع البائعين في المطاعم والحانات.. وعند عودتي إلى أثينا بعد ثلاثة أشهر وجدت المحلات كما هي والبائعين تذكروني، هم يحبون السياح، ويحبون المصريين على نحو خاص. 

أنافيوتكا

هذه المرة كان علي استخدام جوجل، هاتفي ممتليء بصور لهذا الحي، وكان قد حان الوقت لاكتشاف ما إذا كان يشبه ما أتخيله وجمعته، حول حي "أنافيوتكا"، والذي جغرافياً يقع بالقرب من بلاكا، ومنطقة وسط أثينا، لكنلك لن تعرف إذا كان حقاً جزءاً من أثينا أم جزيرة يونانية صغيرة اختار سكانها العزلة، لن تعرف ما إذا كان ينتمي إلى الحاضر أم يعود بقوة إلى العصور الوسطى.

أنافيوتكا

الحي هاديء وبسيط، لا توجد به المباني الفاخرة مثل "حي كولوناكي"، ولا حانات شارع "بسيري"، ولا البيوت الأنيقة في "بلاكا"، لكن هناك شيء آخر مميز به لن تجده في أي مكان آخر، وهو الحنين لشيء لا تعرفه أبداً.

البيوت المطلية باللونين الأبيض والأزرق والبساطة، والمطاعم الصغيرة، والمقاهي التي تفرد كراسيها على الشوارع المتعرجة، الموسيقي اليونانية التي تخرج من الراديو، كل هذا يصنع لوحة للحنين لذلك الشيء المجهول

أنافيوتكا

 كنت قد قضيت يوماً طويلاً فجلست مرهقة على أحد المقاهي، وبدأت الحديث مع أحد اليونانيين الذي يقطن الحي، قال لي: لن أترك أنافيوتكا، هذه هي اليونان التي أحبها، هذا تراثي وتاريخي وثقافني وهويتي.. كل منا يحتاج لأن يكون لديه مكان ينتمي إليه، وأنا انتمي إلى هذا المكان، لقنني درساً دون أن يعلم، أن انتماءك لمكان ليس لأنه الأفخم بل لأن يحمل جزءاً منك.

عدت إلى الفندق، لاستعد لجولة الميادين الرئيسية في أثينا.. كم سائح يبدأ جولاته من الشوارع الضيقة ثم ينطلق إلى الميادين الواسعة؟

أنافيوتكا