رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وبنك التنمية الجديد

أحد أبرز أهداف تجمع «البريكس»، هو كسر الهيمنة الغربية، أو الأمريكية، على الاقتصاد العالمى، والإفلات من سيطرة البنك وصندوق النقد الدوليين، وبناء نظام مالى عالمى أكثر عدلًا وتوازنًا. وتحقيقًا لهذا الهدف، تم اتخاذ عدة خطوات مهمة، من بينها إنشاء «بنك التنمية الجديد»، NDB، الذى أعلن، فى ديسمبر ٢٠٢١، عن ترحيبه بانضمام مصر، باعتبارها «واحدة من أسرع دول العالم نموًا». وفى ٣٠ مارس الماضى، نشرت الجريدة الرسمية، تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسى على وثيقة انضمام مصر للبنك واتفاقية تأسيسه.

تأسيسًا على ذلك، شاركت مصر فى الدورة الثامنة من الاجتماعات السنوية للبنك، التى تستضيفها مدينة شنغهاى الصينية، وأعرب الدكتور محمد معيط، وزير المالية، محافظ مصر لدى البنك، خلال الجلسة العامة لمجلس المحافظين، عن تطلعه إلى قيام البنك، وكل بنوك التنمية متعددة الأطراف، بدور أكبر فى توفير تمويلات ميسرة للاستثمارات الخضراء بالدول النامية، من خلال تسهيل التعاون والشراكة على المستويين الإقليمى والدولى، وإيجاد أدوات مالية مبتكرة، خاصة أن البنية التحتية الأكثر استدامة تتطلب حلولًا غير تقليدية للتمويل والتشغيل طويل الأجل، تقوم على التوظيف الأمثل للتكنولوجيا الحديثة ومراعاة البعد البيئى.

تجمع «البريكس»، BRICS، الذى يضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، تجربة فريدة، نجحت فى تحقيق درجة غير مسبوقة من تنسيق السياسات وتطبيق التعاون الفعلى بين أطرافها، وقدمت للدول الأعضاء حلولًا لتخفيف ضغط الدولار على عملاتها الوطنية. وتدرس دول التجمع، حاليًا، فكرة إنشاء عملة جديدة، أو وسيلة للمدفوعات، لا تعتمد على الدولار، بعد أن كانت قد اتفقت خلال القمة التاسعة للتجمع، التى استضافتها الصين فى سبتمبر ٢٠١٧، وحضرها الرئيس السيسى، على توسيع استخدام العملات الوطنية، وبحث أفضل سبل الاستفادة المشتركة من مبادرة «الحزام والطريق»، التى ربطتها بأجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ٢٠٣٠، وغيرها من أجندات التنمية الإقليمية والدولية والمحلية.

علاقات مصر مع شركاء التنمية، الثنائيين ومتعددى الأطراف، تقوم على التكامل، وتهدف إجمالًا، إلى تعزيز الجهود المبذولة فى مختلف قطاعات التنمية وتمويل المشروعات ذات الأولوية. ومن هذا المنطلق، ضمت محفظة التعاون الإنمائى لمصر مع كل شركاء التنمية أكثر من ٣٠٠ مشروع، قيمتها حوالى ٢٦ مليار دولار، جرت مطابقتها مع الأهداف الـ١٧ لأجندة التنمية الأممية، ونسختها المحلية، أو الوطنية، «رؤية مصر ٢٠٣٠». ولأن الدول الأعضاء فى «بنك التنمية الجديد»، تتبنى رؤية مشتركة تجاه القضايا السياسية والاقتصادية، تقوم على استشراف آفاق التعاون ودعم تمويل التنمية، فإننا نتوقع ألا تأتى جهود البنك لمعالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية على حساب دعم تحقيق التنمية المستدامة فى الدول النامية والأقل نموًا، وننتظر أو نتمنى أن ينخرط بشكل أكثر فاعلية فى جهود تمكين تلك الدول من الحصول على التمويل اللازم.

إتاحة التمويلات طويلة الأجل تسهم فى تعزيز قدرة الاقتصادات الناشئة على الاستمرار فى تعظيم جهود التعافى، من تأثيرات وباء كورونا والأزمة الأوكرانية، جنبًا إلى جنب مع تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. وعليه، نرى أن وزير المالية كان موفقًا حين قال فى الجلسة العامة لمجلس محافظى بنك التنمية الجديد، إن الوقت قد حان لتسخير الشراكات الدولية والتعاون متعدد الأطراف لتمويل التنمية بالدول النامية، وتخفيف حدة الضغوط الدولية الاستثنائية والأزمات التى تزايدت تعقيدًا مع اندلاع الأزمة الأوكرانية فى أعقاب الوباء، وما ترتب على ذلك من تأثيرات سلبية، أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتكاليف تمويل التنمية، واتساع الفجوات التمويلية نتيجة للسياسات الانكماشية والتقييدية التى أدت إلى رفع أسعار الفائدة، إضافة إلى الأعباء التمويلية الضخمة اللازمة للتكيف مع التغيرات المناخية والتحول للاقتصاد الأخضر.

.. وأخيرًا، نتطلع إلى قيام «بنك التنمية الجديد» بدعم جهود الدولة المصرية فى تحقيق التنمية المستدامة، ونتمنى أن نخرج سالمين غانمين، أو مستفيدين، من صراعات أو مباريات الشرق والغرب، التى سيكون الفوز فيها بالنقاط، لا بالضربة القاضية، لو لم تحدث تحولات مفاجئة، أو تطورات غير متوقعة.