شجر الزيتون
انتحى جانبًا، وقعد على كومة تراب يحدثنا. بين جملة وأخرى تجرى على لسانه، يجذب نفسًا من سيجارة بين إصبعيه، والجندى الإسرائيلى يتحرك بمنشار كهربائى وسط أشجار الزيتون.
دمعاتهُ المُنسابة على خديه أبلغ تعبير عن شراسة قهر يفتك بالرجولة، وخسارة نقود كان ينتظرها مع مطلع حصاد الزيتون، وهجرة أرض يحتفظ بحجتها فى جيبه، لا يشفع أنهُ أعطاها من سر وجوده الاخضرار. حزن يتجرعه، وهـم مقدر أن ينوء به، حتى يهتدى إلى موئل لإطعام أولاده.
سحر الأبيض
على درج نفق شبرا الخيمة تقعد سيدة تستجدى المارة، إلى جانبها طفل يرتدى قميصًا أبيض، يشغلان مكانـًا لا بأس به من الحيز المخصص لأقدام المارة. أحيانًا تتبدل الوجوه، فألحظ سيدة أخرى تحيل نظرى إلى بقعة حمراء، أو إلى ضمادة على ساعد طفلها، أو أرى رجلًا يضع جبيرة لساقه، ويلفها بالشاش، وأحيانًا تقوم المرأة بتمرير أنبوب شفاف من البلاستيك- بهِ سائل أصفر أو أحمر- من بين فخذى طفلها، ينتهى بكيس بلاستيك، يتبدى لعينى كأنهُ قسطرة طبية يعيش بها.
اللون الأبيض أراه أيضًا فى زى رجال الدين، والأطباء، والممرضـين، والمرضى، وملاءات أسرّة المستشفيات، وملابس الإحرام، وثياب العرس، وأكفان الموتى.
نجوى كانت تقول لى:
- أنت جميل فى القميص الأبيض.
«جيفارا» دومًا
أصدقاؤك ينادونك:
جيفارا.
برز شخصك حين كنت ترابض مع الجنود على الضفة الغربية لقناة السويس، وتشارك فى العمليات الفدائية، عقب هزيمة ١٩٦٧، إلى أن أُعلن عن وقف إطلاق النار، فلقد ظللت ترنو إلى الضفة الشرقية للقناة حتى استفزك وجود نفر من العدو، يعربدون أمامك. لم تتمالك نفسك، أمسكت برشاشك، صوبته تجاههم، دون أن تكترث لأى أمر: أن يسموك بالجنون أو أن تقدم للمحاكمة العسكرية.
الشعر الأبيض صار يزيدك وقارًا، ومازلت تستشعر أنك مختلف عن أقرانك.
