رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب غزة 2023.. سيناريو مُعقد ونتائج مؤجلة (رؤية تحليلية)

حرب غزة 2023
حرب غزة 2023

شنت إسرائيل على قطاع غزة، 3 هجمات في غضون عامين، مايو 2021، أغسطس 2022، الأخير انتهى بوقف إطلاق النار مع حركة الجهاد، بالتنسيق مع الدولة المصرية، وجهودها السياسية، وكذلك الشركاء الإقليميين. 

على أرض الواقع فإن إسرائيل هى التي تقوم بشن الهجوم في كل مرة، وبشكل منتظم في كل عام تقريبًا، والصدفة لا تلعب أي دور في شن هذه الهجمات، لكن القيادة الإسرائيلية، ترى أن هذا الوقت مناسب لسياستها، وبالنظر إلى دوافع تل أبيب لشن الهجمات، سنجد حتمًا أسباب اختيار توقيت الهجوم.

المحور الأول: شأن داخلي

 بداية نجحت إسرائيل في إجراء انتخابات وتكوين حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، فالشأن الداخلي كان أول وأهم الدوافع لشن إسرائيل هجماتها على قطاع غزة، كما أن هذه الوزارة اليمينية القائمة على أساس ديني متطرف هي أول حكومة منذ سنوات بعد فشل الساسة بإسرائيل في تشكيل ائتلاف مستقر منذ 2019. 

الداخل الإسرائيلي أيضًا لديه الرغبة في تعديل النظام القضائي وتدخل الكنيست في التعيينات القضائية وأحكام المحكمة العسكرية العليا في إسرائيل، بالأحرى لصالح نتنياهو وهو ما دفع الإسرائيليين ووزير دفاعهم للاعتراض.

 الإسرائيليون على معرفه واسعة بأن نتنياهو يسعى بكل الطرق لغلق ملفات الفساد الثلاثة، ولهذا اندلعت المظاهرات والاحتجاجات في الداخل لشهور عدة، فلم يبق أمام نتنياهو سوى اللجوء لتحويل الأنظار إلى قطاع غزة. 

نتنياهو استفز الفلسطينيين، باقتحام عناصر الشابات الإسرائيلي للحرم القدسي، واعتقلت الشرطة الإسرائيلية 300 شخص، وأكمل المستوطنون الإسرائيليون الاستفزازات، بالاعتصام والتضييق على الفلسطينيين، وبعدها تم إغلاق الحرم الإبراهيمي.

 الفصائل الفلسطينية أطلقت من غزة صواريخ باتجاه إسرائيل، وردت تل أبيب بغارات مكثفة على القطاع. 

التصعيد الإسرائيلي جاء لصرف نظر الشارع عمّا يفعله نتنياهو في الداخل وتركيز على "أمن إسرائيل".

المحور الثاني: معلومات عن الفصائل

 لم يكن الداخل الإسرائيلي فقط هو السبب في اختيار توقيت الهجوم على غزة، وكان السبب الثاني هو جمع الموساد معلومات عديدة عن قادة الفصائل الفلسطينية في غزة وحجم الأسلحة التي يملكونها وأماكنهم.

القادة في إسرائيل صمموا على تنفيذ الجيش الإسرائيلي لعملية وصفوها بالسريعة لتصفية قادة الفصائل والتخلص من أسلحتهم، وفي الوقت نفسه اختبار أنظمة إسرائيل الدفاعية والتطورات الأخيرة التي حدثت في نظام القبة الحديدية، وكذلك اختبار "مقلاع داود". 

رئيس الوزراء الإسرائيلي قرر ضرب قادة الجهاد، واغتال قادته العسكريين، خاصة أنه توقع أن الرد سيكون كسابقه، مثلما حدث في اغتيال تيسير الجعبري، وخالد منصور، إلا أن الفصائل باغتته واتخذت الصمت أسلوبًا، وهو ما غيّر نظرة تل أبيب لرد الفعل الفلسطيني، وفي المقابل شلت الحياة في أقرب مدن إسرائيل للقطاع.

المحور الثالث: استنزاف قدرات الفصائل

السبب الثالث الذي جعل إسرائيل تشن هجومًا على قطاع غزة هو رغبتها العارمة في استنزاف قدرات الفصائل الفلسطينية، وفي الوقت نفسه اختبار هذه القدرات التي فاجأت تل أبيب. 

تل أبيب تخشى أي تصعيد مع الفصائل الفلسطينية خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية، كما أنها ترى أن الفصائل تتلقى دعمًا من الخارج.

نتنياهو يخشى فكرة "توحيد الجبهات" كونها ستكلفه فاتورة باهظة الثمن، خاصة أن هذه المرة ويمكن المرات المقبلة سيكون قرار الحرب مرهونًا بالفصائل.

الهجوم الأخير على غزة كشف عن إصرار الفصائل الفلسطينية على المقاومة، وتأكيد الفلسطينيين على حقهم الأبدي في أراضيهم المحتلة منذ ٧٥ عامًا ودعم الفصائل.

المحور الرابع: خصم جديد

إسرائيل واجهت خصمًا جديدًا غير حماس وهو الجهاد الإسلامي، وفوجئت من تطور أسلحة الفصائل لتصل عمق تل أبيب، كما أن السلام العادل والشامل أيقنته تل أبيب هذه المرة بعد مكوث مستوطينها في الملاجئ لخمسة أيام.

تل أبيب أمام خيارات صعبة للغاية على الرغم من انتهاء المواجهات، القضية ليست قائمة اغتيالات فحسب، لكنها مرحلة جديدة للمقاومة والمواجهة مع الفصائل.

ورغم الهجومين الأخيرين على غزة والفصائل، لم تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها بشكل تام، فلا هي تمكنت من تحييد الفصائل وإضعافها رغم الاستهداف والاغتيال، ولا تمكنت من تهدئة الداخل الإسرائيلي بالشكل الكافي الذي يجعل حكومة نتنياهو تتحرك بشكل مريح دون هجوم أو عدم احتمالية حدوث تظاهرات جديدة ضدها.

المحور الخامس: الجهود المصرية

القيادة السياسية المصرية نجحت كعادتها في تهدئة الموقف وحسمه، وإجراء اتصالات  متواصلة مع مسئولي حركة الجهاد الإسلامي، والتواصل مع قادة تل أبيب لحسم وقف إطلاق النار بين الجانبين، فالإدارة المصرية حققت هدفها في التسوية بين الجانبين لمحاولة تحقيق السلام في المنطقة ومساندة الأشقاء في فلسطين، فمصر دائمًا أبدًا هي رمانة ميزان استقرار الشرق الأوسط.

القضية الفلسطينية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، قضية مركزية بالنسبة لمصر التي لا تتهاون أبدًا في جهود الوساطة بين إسرائيل والأشقاء الفلسطينيين لحقن الدماء، بالإضافة إلى الجهود الإنسانية من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين من الفسطينيين، وإرسال مساعدات غذائية ودوائية للشعب الفلسطيني.

وفي كل المحافل الدولية والعربية والإقليمية، يؤكد الرئيس أن مصر ستواصل مساعيها الدءوبة لإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية والتوصل لتسوية شاملة وعادلة لضمان الاستقرار في المنطقة.