رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"تجربة تنمية".. من أين جاء اهتمام الأب وليم سيدهم بالثقافة والفن؟

الأب وليم سيدهم اليسوعي
الأب وليم سيدهم اليسوعي

رحلة كبيرة من العطاء خاضها الأب وليم سيدهم اليسوعي، رئيس مجلس إدارة جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة"، الذي رحل عن عالمنا أمس الجمعة، وأقيمت صلاة الجنازة بكنيسة مدرسة العائلة المقدسة بالفجالة، وتبعها الدفن بمدافن الرهبانية بالمطرية.

نعته "جزويت القاهرة" بكلمات مؤثرة قائلة: "قدم وليم سيدهم كامل حياته لخدمة الثقافة والفنون وإتاحتها لأبناء الوطن بكل الحب والتفاني والقناعة، مربيا لآلاف من الشباب عبر أجيال عديدة، مدّ ذراعه لهم لتكون تكئتهم للعبور إلى تحقيق أنفسهم في كل مجالات الفنون، وإيمانا بحق البشر في التعلم، رحلة هي النموذج المتجلي لمعنى العطاء والحب والجمال، وإذ يعبر أعضاء الجمعية وجميع العاملين فيها عن بالغ صدمتم وحزنهم، نتقدم لجمهور الجزويت وأصدقائها في كل مكان بالعزاء في هذا المصاب الفادح، داعين الله أن يرحم الأب العظيم، وأن يصبرنا على هذا الفقد الفادح".

بدأ الأب وليم سيدهم اليسوعي في إعادة إنتاج تجربته الفريدة بعد دخوله عالم الرهبنة، الذي فكر في الاتجاه إليها بعدما انتهى من دراسته للفلسفة وعلم النفس، وهذا ما أوضحه في حوار سابق لـ"الدستور" قائلا: “أنا انتهيت من دراستى للفلسفة وعلم النفس، واتعينت فى الباجور مدرسًا فى إحدى أكبر المدارس الثانوية، وبعدين دخلت الجيش وكان لازم أبقى من الضباط الاحتياط، لأن وقتها كان بمجرد ما بتخلص تتعين وتدخل الجيش على طول بعد قرار عبدالناصر سنة ٦٧، وأنا كنت من أحد أبناء هذا الجيل”.

وتابع: “أخويا كان فى الجيش حينها، وقالى أنت كبير العائلة وممكن تأجيل جيشك، وفعلًا أجلت، وقتها كنت بفكر فى الرهبنة لكن مكنتش واخد القرار، وحابب أنوه إنى كنت فى الرهبنة من قبل والتحقت بكلية العلوم الدينية بالمعادى فى المرحلة الإعدادية، بس كان صعب على والدى ووالدتى إنهم يوافقوا على اتجاهى للرهبنة لصغر سنى، وبعد كده كان فيه واحد جزويت هو الذى فتح دماغى على الرهبنة”.

واستطرد: "اهتمامى بالثقافة جاء بعد قرار ٢ فرنسيين من الجزويت بتأسيس قرية نموذجية وكان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدًا عام ١٩٤٦، واختارا قرية جراجوس التى تعد إحدى القرى التابعة لمركز قوص فى محافظة قنا، وأنا من مواليد ١٩٤٦ واتولدت فى حضن الجزويت، موضحا: وعيت على تجربة غريبة كانت بمثابة "تجربة تنمية"، كان لدى الجزويت مشروع حضارى، وأتوا بالمعمارى الراحل حسن فتحى، الكاتب أحمد بهجت، ثروت عكاشة، وغيرهم الكثيرون، رسم حسن فتحى مبنى وكنيسة، وتم تأسيس مدرسة على تراث حسن فتحى اتعلمت أنا والجيل بتاعى كله فيها، تشمل عدة أنشطة كتنظيم مسابقات ورحلات وأفلام سينمائية، وكانت قريتنا الوحيدة لديها حظ وافر فى هذا الأمر حينها، واتعلمنا حرفًا متنوعة لمساعدة أهالينا فى المصاريف، وأنا شخصيًا اتعلمت صناعة السجاد اليدوى، وجهزوا لنا مكتبة كانت عبارة عن دولاب صغير ومن هنا جاء اهتمامى بالثقافة والفن، وبقيت على هذا الوضع حتى ١٣ سنة، ومن بعدها انتقلت من القرية، وبعدها زاد الاهتمام عندى.

وردا على سؤال "هل وجدت حينها تناقضا بين الثقافة والدين؟" قال: “إطلاقًا.. عمرى ما حسيت إن فيه تناقض بين الثقافة والدين، ودى كانت الميزة إن رجل الدين كان رجلًا مستنيرًا، كان يصلى بنا القداس، وفرلى مدرس يعلمنى القبطى، رغم كونه فرنساويًا إلا أنه تعلم اللغة العربية قبل مجيئه للقرية، نشأت فى طقس جيد وسط هؤلاء، ومع ذلك لم تتأثر هويتنا المصرية، رغم كوننا كاثوليك إلا أن الاحترام والتقدير كان متبادلًا”.

وتابع: “في وسط هذا المناخ الذى نشأت فيه، لقطت أن هناك تكاملًا بين الحياة الدينية والحياة العملية واستوعبت كل ذلك بشكل أكبر بعدما كبرت، وأحب القول إن هذه التجربة بشكر ربنا عليها طول الوقت، لأنها كانت تجربة فريدة، وهى التجربة التى بدأت فى إعادة إنتاجها بعد دخولى الرهبنة وما مررت به من تعليم وسفر وغيره، وحابب أقول إن الفضل يعود إلى الأساتذة الذين تعلمت على إيديهم أنا وجيلى كله”.