رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى كل شارع فى بلادى صوت الوصاية بينادى

رغم كل النتائج التي أثبتت أن تحركات المجتمع المدني والحركات النسوية حققت خطوات إيجابية في ملف حقوق المرأة، بدعم واضح من القيادة السياسية في الآونة الأخيرة، لكن الواقع من حين لآخر يكشف لنا على السطح بعض المشاهدات، التي تثبت أننا ما زال أمامنا الكثير، وأن ما قُطع من أشواط ما هو إلا نقطة في بحر تحتاج إلى تكاتف ودعم لاستكمال الطريق، والوصول للمساواة، والحصول على الحقوق دون مَنح أو تفضل، أو استماتة للحصول على احتياجات أساسية بل أقل بكثير.

وما تصدره لنا أيضا الدراما والإعلام يكشف الستار عن أشياء قد نتناساها، ولكن ستظل الحقيقة الراسخة في أن أوضاع النساء متردية بشكل عام، أيًا كان عمرها، وضعها الاجتماعي، أو الثقافي، أو المادي، في أرجاء بلادنا فلا تزال تتشبث بتابوهات بالية، وتوابيت فكرية رديئة، وصور ذهنية جندرية مغلوطة.

فإن تجولنا فيما قدمته الأعمال الدرامية الرمضانية التي وجهت مضامين عن واقعية ملف الحقوق والتمكين للمرأة، فسنجد استعراضاً لآلاف الصور المغالطة عن النساء، والتشوهات التي لا تزال تقف عقبة في وجههن، كلما أردن تحقيق رغباتهن المشروعة، والتنفيس عن احتياجاتهن، أو نيل حقوقهن، ومناهضة ما يتعرضن له من عنف.

وبالتطرق لما قدمه العمل الدرامي "حضرة العمدة" ستجد كمًا من الكوارث التي ما زالت تواجه النساء خصوصا في المجتمعات المحلية لا حصر لها، من زواج قاصرات، وختان، وابتزاز، وتحرش واغتصاب، وسلطة أبوية غاشمة، وحقوق ضائعة، وموت لمشروعية الاختيار، وجرائم الرفض، وعنف أسري وجندري من رفض لأنماط الحياة، والتواجد في أماكن يرون أنها غير ملائمة للنساء، وفرض لوصاية على قيادة النساء في العمل، وهلم جرا من الانتهاكات التي لم ينج منها إلا التي تمتلك بعض الامتيازات الأعلى نسبيا كقوة العائلة، أو المال، أو السلطة وحتى اجتياز هؤلاء النسوة لذلك السياج كان يتم بغصة في نفس تلك المجتمعات وحكمها، وما تم تجسيده ما هو إلا جزء بسيط من الواقع الذي أخبرتنا به مئات الشواهد، التي تحدث للنساء في المجال العام وعلى مرأى، ومسمع من الجميع خلال الفترات السابقة، وما يتم رصده إحصائيًا من حوادث عنف بكل أشكاله تجاه النساء.

وإن انتقلنا لـ"تحت الوصاية" ستسحقك صور الوصاية والسلطة الأبوية المجتمعية الجارفة لا تحصى ولا تعد، بداية من عوار يمتد لبعض نصوص قوانين الوصاية والمجلس الحزبي، يعوق طريق الأمهات المعيلات والأرامل، ويرفض الاعتراف بأي قدرة لهن أو حق في رعاية أبنائهن، إلى فرض أنواع مختلفة من الوصاية على النساء بشكل مجتمعي، وتحديد المهن التي تناسب النساء من عدمها بناء على النوع وليس الكفاءة فحتى إن أثبتت النساء كفاءتها لاعتلاء هذا العمل فستواجه برفض يصل للعنف، والتشويه، إلى وصاية على شكل حمايتها لأطفالها، ووصاية على تقرير حق التنقل والسكن، وأوقات ومواعيد عملها وذهابها وإيابها فحتى وإن كانت ضرورة، ومهما بلغت قدرتها على حماية نفسها فشوارعنا لا ترغب في رؤية النساء ليلا لأن هذا حق يمنح للرجال وحدهم، ووصاية على اختياراتها وقراراتها، وصاية على مالها، إما أن ترضخ لها وتنصاع، أو ستهان وتطعن في سمعتها وأخلاقها كنوع من العقاب الجندري الذي خصصه المجتمع لإخراس النساء حتى يتثنى لنا أن نعطى امتيازات للرجل على حسابهن دوما.

ولا نغفل "ستهم" الذي هو بالفعل يجسد قصة حقيقية لامرأة مصرية قوية وأبية تعرضت لكم من المصاعب والتجارب التي يهتز لها الوجدان، وأثبتت أن المرأة المصرية قادرة على فعل المعجزات لتحفظ ماء وجهها، وتصون كرامتها وأبناءها، تلك السيدة التي حرمتها أعراف بعض المجتمعات المحلية في الجنوب مما  شرعه الله وأحله للنساء كما أحله للرجال تماما، حق الميراث الذي تحرم منه النساء في مجتمعات كثيرة مقابل فتات قليلة يعطيها آكلو الحقوق وكأنها تفضل يجب أن يقابل بالثناء والشكر دون أي اعتراض أو استهجان، كما تعرض العمل لأشكال الحماية والوصاية التي يفرضها الرجال على النساء، حتى وإن كانوا أضعف، وتفكيرهم أقل حكمة وقد يكون أهم ما يميز هذه القصة هو التحول النفسي قبل الشكلي الذي تمكن من تلك السيدة وأشعرها بأنها لتحظى بحقوق وأمان واستقرار وحرية يجب أن تتجسد في رجل وتلغي عقدها مع الأنوثة بلا رجعة لأنها السبب فيما آلت إليه، تلك السلطات والظلم التي تكره النساء في كونهن خلقوا نساء أمر لا يمت لأي دين، ولا قانون بصلة، هي فقط أعراف تمجد الرجال دون سبب أو داع، ورغم مساعي القيادة السياسية في تعديل قوانين المواريث مؤخرا، وتحويل الممتنع عن تسليم الإرث للجنايات، إلا أن الأزمة الحقيقية تكمن في القناعات الراسخة التي تحتاج لإزالة من الجذر، بجانب تعديل التشريعات وتطبيق القانون بشكل ناجز.

إضافة لما يعرض له "الهرشه السابعة" من تسليط الضوء على قضايا مسكوت عنها كالضغوط التي تتعرض لها الأمهات، كرغباتهن التي يُحرمن من التلميح بها، وأحلامهن التي تقتل على صخرة الأمومة، ومن التدخل السافر في شكل رعايتها لأبنائها وتغافل أنها إنسان مستقل له احتياجات شخصية، والحقيقة أن الأزمة ليس في الأمومة بل في مفاهيمها السامة التي نشأنا عليها، والصور الذهنية التي تصدر على أن كل جميع الأمهات يجب أن يشعرن بالسعادة وهن يقضين أياما بلا نوم، أو استحمام أو راحة أو محادثة، أو ذهاب لعمل، وفي المقابل هذا الأمر ليس مطلوبا من الآباء، وكأن كل شيء رسم في تلك المجتمعات بإقناع المرأة بأي أمر سيصب في راحة الرجال.

وفي مقابل ذلك سنجد رصداً لأعمال أخرى تحاول ترسيخ تابوهات العنف، وقبول الهيمنة، والسيطرة الذكورية والانصياع لها، بل والتعامل مع التعدد والخيانة وغيرها من الأمور على أنها أمور عادية ما دام الرجل يشعر براحته وسعادته.

المخيف في الأمر أننا مهما بذلنا جهدا لتحقيق المساواة ستكون مهدرة، ما دامت تلك الأفكار تعشش في الزوايا، فسنبذل مساعينا لتغيير القوانين، وسندفع بالمرأة عن صدق ونمكنها اقتصاديا وسياسيا وقياديا، سنقتنع بيقين تام أننا نملك كفاءات من النساء تستطيع أن تحرك المياه الراكضة من مكانها، سنتعهد بحماية النساء وإعطاء حقوقهن الأولوية وأن تكون تحقيق المساواة بين الجنسين هي الهدف الأسمى، ولكن ستتحطم كل الرؤى والأهداف، وطموحات النساء، في براثن تلك الأفكار وغيبات تلك الممارسات، وفروض الوصاية التي أنجح ما تفعله أن تتصدى للنساء بآليات شتى تحرمهن حتى من حق التعبير، وهلم جرا من حقوق تسحق، إن كنا صادقين في إحداث تغيير لأوضاع النساء والمجتمع ككل.

 فيجب أن نقتلع الأمر من جذوره رويدًا رويدًا بتعليم يناهض تلك الأفكار، وثقافة ترفض تلك الممارسات، وتشريعات صارمة لا تنتظر بلاغا أو انسحاباً في التعدي والجور على الغير وإصلاح لأخرى تمرر الكثير تحت مسميات التأديب والإصلاح، ومتابعة للأفكار التي ينشأ عليها أطفالنا في جميع المؤسسات، الأمر لكي يتبدل ويجني ثماره المرجوة يجب أن تتحول الوصاية من على النساء إلى وصاية بيد النساء ولدعم وتمكين النساء، وإما فسنظل في حلقة سرمد لا تنقطع.