رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهوة السحيقة بين التفاخر والقناعة

من حق أي إنسان أن يكون فخورًا بنفسه معطيًا الفضل لله ما دام يعمل ويسعى ويتعب في سبيل تحقيق ذاته وتطوير مهاراته ومن حقه أن يكون فخورًا كل من استطاع تحقيق أهدافه المشروعة بفضل الجد والاجتهاد، ومن نال التفوق في مجال ما وأهلته الموهبة التي حباه الله سبحانه وتعالى بها للتميز والوصول إلى مراتب عليا من الإنجاز، وأيضا من استطاع أن يكون عضوًا نافعًا في مجتمعه محبًا للخير ساعيًا له،
الفخر إذن بما يمتلكه الإنسان من إمكانات ليس عيبًا، بل على العكس فهو يدفع إلى الأمام وإلى مزيد من النجاح باعتباره إحساسًا داخليًا يعزز الثقة بالنفس ويحفزها على بذل الجهد، ولكن العيب هنا في التفاخر والتباهي. 
لذا نتأمل في هذا الموضوع من خلال: أولا : التفاخر-  ثانيًا: القناعة.

أولًا: التفاخر: التفاخر والتباهي تلك الآفة التي تسيطر على البعض وقد يضطر من أصابه داء التفاخر في بعض الأحيان إلى الكذب والادعاء بما ليس عنده متوهمًا أنه يمتلكه حقا، ذلك لأن خياله المريض يصور له أشياء غير واقعية على أنها حقيقة ماثلة أمام عينيه.

الفخر غير التفاخر بالطبع، فالفخر أمر إيجابي لكن التفاخر سلوك مظهري ضار وينم عن نقاط ضعف في الشخصيه تحتاج الي جهد للتخلص منها واذا سادت القناعه الحقيقيه في فكر الشخص وقناعاته فانه يكون قد اخذ الطريق الصحيح.
التفاخر يدعو الإنسان إلى الإسراف المذموم والبعد تمامًا عن الاعتدال المطلوب دوما في كل مناحي الحياة، فهناك البعض ممن يمتلكون القدرات المادية والذين يتبارون في البذخ حتى في ابسط أمور الحياة من ملبس ومأكل ناهيك بالطبع عن باقي أوجه الإنفاق على المسكن والتنزه ووسائل الانتقال، بالتأكيد فإن التمتع بما وهب الله الإنسان من نعم هو أمر مشروع غير أن ما يتم في الواقع يتجاوز تماما ما هو مشروع إذ إن كثيرًا من أنواع الطعام يكون مآلها إلى صناديق القمامة بينما هناك في المجتمع نفسه من لا يجد قوت يومه، وفي حفلات الزواج نجد الكثير من المظاهر المبالغ فيها بحجة العادات والتقاليد.

وإذا كانت هناك الكثير من التكاليف الباهظة والتي تسمح القدرات المادية للبعض بتحملها، إلا أن التكاليف نفسها تصبح مرهقة لكاهل البعض الآخر من الميسورين أيضا بل إنها تدفع الشاب للاستدانة حتى يستطيع مواجهة سيل المطالب التي يمكن التنازل ولو قليلا عن بعضها حتى تمضي الأمور على ما يرام من دون إرهاق مادي ومشكلات وأعباء تستمر في ملازمة الأسرة الجديدة مستقبلا.

ما يحدث من حب التفاخر وخاصة في أمور الزواج انعكس بآثاره سلبا على معدلات الزواج في مجتمعاتنا خاصة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية والارتفاع الحاد في أسعار السلع، حيث انخفضت إلى نسب مخيفة وهو ما ينذر بمشكلة اجتماعية خطيرة تترتب عليها زيادة أعداد غير المتزوجين من الشباب والفتيات زيادة كبيرة، والأمر نفسه يحدث في باقي الأمور الحياتية حيث يدفع حب التظاهر والتفاخر إلى تحمل نفقات أشياء تفوق الوضع المالي للشخص بكثير وهو ما يدخله في دوامة لا تنتهي من الاقتراض بل والعجز عن السداد وهناك الكثير من الحالات التى تجسد هذا الواقع المر، والتي غابت عنها القناعة.

ثانيا: القناعة

والإنسان القنوع يرى نفسه دائمًا راضيًا لا يلهث وراء الأطماع الكثيرة التي تملأ الدنيا، كما أنها تعلمه أن يكون قويًا وراضيًا.
كما أنها أيضًا تجنب الإنسان الوقوع في فخ الغيرة والحسد، وتجعله متصالحا مع نفسه كما هي دون أن يشعر بالسخط أو الألم أو الحزن على الأشياء الضائعة، فلذلك يقولون دائمًا:
"كن قنوعًا تكن أغنى الناس".  
يقول سليمان الحكيم "حَيَاةُ الْجَسَدِ هُدُوءُ الْقَلْبِ، وَنَخْرُ الْعِظَامِ الْحَسَد"  ام 14 : 30 
يقول الفيلسوف القديم بولس في الكتاب المقدس:
"وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة.
“لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء، فإن كانت لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما” 1 تي 6 : 6 - 8
إذ يسقط أصحاب المناقشات الفاسدة والمماحكات في محبة الأرضيات، محولين التقوى إلى تجارة، مستغلين الروحيات لصالحهم الخاص، إذ بهم في الحقيقة يخسرون، لأن "التقوى مع القناعة هي تجارة عظيمة". كلما ترك الإنسان محبة العالم وراء ظهره أشبعه الله روحيًا ونفسيًا وماديًا أيضًا. "لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء، فإن كانت لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما". من يشتهي غنى هذا العالم، فيعيش في حالة فقر داخلي لا تقدر أمور العالم أن تشبعه
الذين يريدون أن يكونوا أغنياء أي الذين يشتهون الغنى فحالهم مرير بالطبع. فالإنسان الذي له مال عليه أن يستخدمه حسنًا دون أن يبالغ في تقييمه له، مقدمًا إياه للفقراء، مثل هذا لا يُلام، إنما يلام من كان طماعًا. بدون المال ما كان يمكن تقديم العون للفقراء والمرضى والغرباء إلخ.
ليس الغنى وإنما الاستعباد للغنى هو الذي يدفع الإنسان إلى الدخول في تجارب وفخاخ وشهوات كثيرة غبية مضرة تغرق الناس في الهلاك.
محبة المال أصل كل الشرور، إن أسر قلبًا ينحرف به عن الإيمان المستقيم.
انزع محبة المال تنتهي الحروب والمعارك والعداوة والصراعات والنزاعات. الإنسان الطامع لا يعرف له صديقًا قط. ولماذا أقول صديقًا، فإنه لا يعرف حتى الله نفسه...!
أقوال أخرى عن القناعة:
القناعة تحول كل ما تمسه إلى ذهب. 
إذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة وإذا أردت الغنى فاطلبه بالقناعة
العبد حر إذا قنع والحر عبد إذا طمع. 
من قنع شبع.
من لا يرضى بالقليل لا يرضى أبدا. 
القناعة هي الاكتفاء بالموجود. 
يستطيع الإنسان الاكتفاء بالقليل
مد رجليك على قدر سجادتك.
أخيرًا:
فلنتضرع إلى الله أن يعطينا الحكمة التي تزن الأمور جيدًا.