رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لغز «الملكى».. لماذا يسقط مدريد أمام صغار الـ«ليجا» ويتحول إلى «عقدة» لعمالقة أوروبا؟

ريال مدريد
ريال مدريد

فى دورى الأبطال يهابه الجميع، ويخشى الكبار مواجهته، وفى «الليجا» ضحية الكل.. هكذا بات حال ريال مدريد بطل أبطال أوروبا فى هذا الموسم على وجه التحديد. لماذا يبدو لنا ريال مدريد أنشيلوتى بوجه ثم يظهر بآخر مغاير، بين البطولة المحلية والقارية؟ هل نسخة أبطال أوروبا أكثر شراسة أم البطولة المحلية؟ وأيهما أسهل، التتويج ببطولة يتنافس عليها علية القوم وأكثرهم تسلحًا وحدة، أم لقب لا ينازعنى عليه سوى منافس واحد مكسور الجناح مثل برشلونة، محاط بكم كوارث مالية وإدارية لا تؤهله ليكون أبدًا متوجًا فى دورى يلعب فيه كبير أوروبا مدريد؟

لا شك أنها أسئلة محيرة، وربما ليست بجديدة، بل تعود لتفرض نفسها فى كل مرة، خاصة مع بروز ظواهر غريبة، مثل حسم برشلونة لقب المسابقة المحلية قبل ١٠ أسابيع من نهايتها، رغم أنه فريق يعانى مشاكل عديدة ويعانى أوروبيًا لسنوات كثيرة.

إذا أخذت بشهادة المدربين الكبار، فلربما تجد شبه إجماع على أن الفوز بالدورى المحلى فى بلد مثل إنجلترا وإسبانيا بالتحديد، أصعب من الفوز بدورى أبطال أوروبا، لأن ذلك يتطلب نفسًا طويلًا، وقدرة على الاستمرارية، بينما «الأبطال» متعلقة فقط بحالتك فى الفترة بين مارس ومايو، مراحل الختام والحسم التى تُلعب فيها الأدوار الختامية.

كما أن طبيعة الخصوم فى دورى الأبطال، تقوم على الندية وتبادل التحكم والمبادرة بالهجوم، ومن هنا تظهر مساحات أكبر، وتزداد القدرة على خلق الفرص والتسجيل، بينما فى البطولة المحلية يعانى فريق كبير مثل مدريد من مواجهة خصوم يتكتلون دائمًا ويضيقون المساحات، فتصعب مهمة خلق الفرص والتسجيل.

إن التباين الواضح بين نسخة مدريد فى الدورى والأبطال، لا يعبر عن مدى شراسة مدريد بقدر ما هو تعبير عن مدى ذكاء إدارة بطل إسبانيا وإدراكها مقومات فريقها، والتعامل مع ظروفه تعاملًا مثاليًا.

وبنظرة منطقية، نحن أمام فريق شاخ وعجز، يقوده مهاجم عمره ٣٥ عامًا، هو الفرنسى كريم بنزيما، مع تركيبة وسط أكثر شيخوخة، فى وجود الكرواتى لوكا مودريتش، والألمانى تونى كروس.

فريق لا يضم مدافعًا بارزًا، ولا يمتلك ظهيرًا مصنفًا بين أظهر العالم، تكون خسارته لقب «الليجا» هى الشىء المنطقى، بينما تتويجه بـ«الأبطال» أمر يستدعى البحث والدراسة. أدركت إدارة الريال فى هذه المرحلة، مرحلة «تبديل الأجيال»، أنها غير قادرة على الحرب فى كل الجبهات، وأنها بحاجة إلى توجيه الأهداف والتركيز على ما تستطيع فعله. لا نعنى أنها تسلم من البداية فى صراع «الليجا»، لكنها ستحاول، ومع اقتراب فبراير تتضح المعالم، فتبدأ بالتركيز الأكبر على الجهة الأكثر يسرًا وسهولة. وليس من باب الصدفة، أن يكون المخضرم كارلو أنشيلوتى على رأس هذه المنظومة، فى هذا التوقيت الصعب وفى ظل هذه الاختيارات والمعطيات، فهو بين قلائل يستطيعون الفوز حتى مع عدم امتلاك أفضل الأدوات، ويعرفون كيف يتسللون لخطف وسرقة الألقاب فى أصعب الظروف، ضمن رواد المدرسة القديمة، تلك التى لا تحتاج إلى كرة شاملة وعناصر مهارية فى كل الخطوط لكى تصنع البطولة واللقب. تقوم فلسفة «مدريد أنشيلوتى» على ذكاء ومهارة الأفراد، أكثر منها عملًا خططيًا محكمًا.

ربما يكون عمل أنشيلوتى الأكبر على الجوانب الذهنية والمعنوية، على أن تكون للعناصر الفاعلة الكلمة، حينما تتاح لها المساحة للتعبير عن نفسها، ومن هنا تجد مساحة انسجام كبيرة بين معظم النجوم والمدير الفنى. يستغل أنشيلوتى أمرًا مهمًا غير متاح لمنافسيه فى الأبطال من كبار الدورى الإنجليزى، مثل مانشستر سيتى وليفربول.

الفريقان الإنجليزيان كلاهما يعانى من ضغط مباريات وتنافسية أكبر على البطولة المحلية حتى النفس الأخير، بينما مدريد، سواءً حسم مبكرًا أو سلم مبكرًا، فيصبح تركيزه الأكبر على البطولة الأوروبية. ليفربول ظل يزحف خلف السيتى بفارق نقطة وحيدة الموسم الماضى، فوصل إلى نهائى دورى الأبطال مُنهكًا، وكذلك السيتى وصل إلى نصف نهائى الأبطال بكم إصابات كبير فى الموسم الماضى بفعل التنافسية الشديدة داخل إنجلترا.

أيضًا يمكنك النظر فى هذا التوقيت لوضعية السيتى، منافس ريال مدريد فى الأبطال، فهو على بعد نقطة أو اثنتين- بعد المؤجلات- من منافسه أرسنال، بينما ريال مدريد لا يتنافس بالأساس، ولديه رفاهية إراحة بنزيما، وعدم إشراك كامافينجا، واستبعاد كورتوا، فيصلون بلياقة وحالة أفضل من لاعبى السيتى المنهكين.

أيضًا فى إنجلترا أنت أمام جودة أعلى للفرق، والصراع هناك ليس على اللقب وحده، فإنك ستصطدم حتمًا بفريق قوى للغاية، ويمتلك هدفًا مثل المنافسة على مركز مؤهل للأبطال أو «اليورباليج»، وحتى من يحاولون النجاة من الهبوط، أعلى كثيرًا من نظرائهم فى إسبانيا. «الرتم» فى إنجلترا مرهق بدنيًا، وهناك بطولة زائدة عن البطولات فى إسبانيا، وهى كأس الرابطة، وكل هذه العوامل، تجعل مدريد أكثر أريحية من منافسيه الإنجليز. هى معطيات وحقائق لا جدال فيها، لكنها ليست السبب الرئيس فى أن يكون مدريد البطل الدائم، ولو كان كذلك، فلِمَ لم يستغله برشلونة وأتلتيكو، ولم يأت بطل من إيطاليا أو فرنسا؟

المؤكد، وكما ذكرنا فى البداية، أن حكمة إدارة «الملكى» فى تطويع الظروف وإدراكها إمكاناتها، هو السبب الأبرز وراء تحقيق النجاحات فى دورى الأبطال. نحن أمام إدارة واعية، تعرف تحديد الأولويات، وتختار مديرًا فنيًا مؤهلًا لمهمة مثل هذه.

ومع مدرب مثل أنشيلوتى وجدنا صيغة مثالية للمنظومة التى تدافع بلحمة، على أن تترك الأمور الهجومية لجودة الأفراد، فبرز فينيسيوس، كما لو كان مارادونا فى عز مجده، وفاز بنزيما بالكرة الذهبية بعد سنوات من خفوت نجمه واختفاء عظمته، وبدا كورتوا بين كبار حراس العالم على مدار تاريخ اللعبة، ليسطر الأفراد الإنجاز الأهم، ويتفوقون على أفضل وأهم الأفكار التكتيكية والخططية. إن فينيسيوس الذى قد يفشل أمام دفاع ليفانتى أو إليتشى المتراص بـ١٠ لاعبين، سيكون الأمر سهلًا للغاية أمامه، حينما يجد مساحات أكبر من قارة أوروبا خلف دفاع ليفربول ومانشستر سيتى.

هنا وجد مدريد ضالته فى أنشيلوتى، ووجد فينيسيوس نفسه معه، وتبدل كل شىء، لكن حينما تسأل بيريز عن سر رحيل زيدان وسبب خروج أنشيلوتى قريبًا، سيقول لك: «الآن لدىّ أهداف أخرى، الأبطال ليست مضمونة فى كل مرة، وإن جاءت فالليجا بحاجة لشكل آخر وفلسفة غير»!