رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا يحدث فى السودان؟

جميع الأحداث التي حدثت وما زالت تحدث في المنطقة العربية في السنوات ‏الأخيرة هي من قوة دفع الماضي، الذي بدأ عقب رحيل الزعيم التاريخي جمال عبدالناصر.‏

ذلك الزعيم كان حجر عثرة كبير أمام المشروع الصهيوني في المنطقة، فبعد ‏رحيله كان لا بد من التخلص من أفكاره وكل من يعتنقها أو يسير على دربها، وهنا ‏جاءت خطة التغيير الديموغرافي والثقافي لسكان تلك الشعوب، عن طريق جلوس ‏زعماء أو حكام لديهم سمات وصفات قوية من الضعف وانعدام الرؤية؛ ليكونوا ‏أدوات يتم استخدامها ضد أوطانهم لتنفيذ ذلك المخطط الذي يرمي إلى الضعف ‏الكامل لدول وشعوب المنطقة، ومن ثم تفكيكها وتركيعها والاستيلاء على قرار ‏حكمها وثرواتها.‏

هذا ما حدث في السودان الشقيق الذي يمتلك ثروات متنوعة كثيرة ما بين تعدين ‏وطاقة وزراعة ومياه وثروة حيوانية، تلك الثروة لو تم استغلالها ستضعه في ‏مصاف الدول القوية، لكن ماذا حدث له ليصبح الآن دولة علي حافة الانهيار؟ بعد ‏سلسلة من الصراعات بين المكونات المتنوعة ولعبة قطع الشطرنج بين من يحكم ‏ومن يعارض، جاء عام 1989، حيث قامت الجبهة الإسلامية بانقلاب عسكري ‏تحت اسم ثورة الإنقاذ الوطني، في بداية الانقلاب لم يكن معروفًا توجه الانقلابين ‏السياسي ثم ظهرت الجبهة الإسلامية بزعامة حسن عبدالله الترابي‎ ‎‏ الذي هو ابن ‏حركة الإخوان المسلمين التي أقامتها بريطانيا عام 1928، والغرض من تلك ‏الحركة هو ما يحدث الآن ومنذ سنوات في المنطقة العربية والسودان الشقيق. 
‏ ‏
وبعد صراع علي السلطة بين ذلك المكون استفرد بها حسن البشير وهو ابن النظرية ‏السياسية الدينية للترابي، ومن خلال ذلك عمل علي تهجين كامل أخواني ‏للمكون الأمني والعسكري بل وتعمد أضعاف القوات المسلحة وَكل المكون الأمني وجعله شيئا شكليا ‏ورمزيا دون أي تأثير حتي يتسنى له السيطرة الكاملة، وحسن البشير لا يختلف ‏كثيرًا في صفاته وسماته عن معظم الزعماء العرب وتم دعمه وغض النظر عن ما ‏يفعله من الغرب ومنظماته، رغم جرائم الإبادة التي ارتكبها ضد بعض مكونات ‏شعبه، وفي عهده كان السودان الضعيف المريض فحدث انفصال الجنوب في عام ‏‏2011، وقيام حركات تمرد أخري وكان العلاج لمواجهة تلك الحركات ليس بناء ‏جيش وطني قوي بل جلب مليشيات ومرتزقة من الجنجويد، ‏‎بقيادة محمد حمدان ‏دقلو‎ ‎المعروف أيضًا باسمِ حميدتي في عام 2013 لمواجهة تمرد إقليم دار فور.‏
‏ ‏
وفي عام 2018 وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية للشعب السودان قامت ثورة ‏ضد حكم البشير، فكان البديل هو مكون المليشيات وبقايا جيش ضعيف ممزوج ‏بفكر الإخوان وبعض جماعات مسلحة شعبية وقبلية أخري، وهنا حدث الصراع بين تلك المكونات للاستيلاء علي السلطة، وتلك ‏هي اللحظة المنتظرة من الصهيونية العالمية التي تصارع الموت والتواري في ‏صورة أدواتها السياسية والاقتصادية والعسكرية المتمثلة في أمريكا وبريطانيا ‏وباقي الذيول في الغرب، فالآن السودان اشتعل ولن تسمح الصهيونية بانتصار ‏طرف علي آخر بل ستجعل الصراع يمتد ويتسع لأطول فترة ممكنة عندها تصبح مؤسسات ‏الدولة فاشلة إداريًا وغير قادرة علي ضبط إيقاع الأحداث، ومن هنا ستجتمع ‏المؤسسات الصهيونية المتمثلة في الأمم المتحدة وغرفته المتمثلة في مجلس الأمن ليقرروا ‏إرسال قوات دولية تفصل بين الفرق المتصارعة، تلك القوات ستكون طبقًا ‏للشرعية الدولية لها بعض الصلاحيات التي من خلالها ستمكن الشركات ‏الصهيونية من التواجد في السودان.‏

السودان هو قبلة الحياة للصهيونية العالمية في صراعها الآن مع دول البريكس ‏بقيادة الصين، فكيف ذلك؟ الآن الدولار سيسقط من اعتلائه عرش العملات في ‏العالم، ومع سقوطه سيصبح الذهب هو الغطاء للعملات التجارية وبناء على من ‏يمتلك مخزون ذهب أكثر سيكون له المكانة الاقتصادية وأيضًا السياسية بيد تلك العملة، ‏وبما أن السودان البلد الأكبر في امتلاك مخزون ذهب في العالم فمن يتواجد بنفوذه ‏في ذلك البلد ستتواجد شركاته العاملة في ذلك المجال.‏

بجانب ذلك لا ننسي طريق الحرير الصيني الذي سيكون الحبل الذي يتم استخدامه ‏لخنق النظام العالمي القائم بقيادة الصهيونية، مما يمتلكه من متركزات برية ‏وبحرية قادرة على التواجد في كل قارات العالم، وسيؤدي ذلك الي عزل أمريكا فيما وراء البحار ذلك ‏الطريق الشق البحري منه سيتمركز في ساحل البحر الأحمر ممتدًا إلى قناة ‏السويس متجها إلي البحر المتوسط، وإشعال السودان ستكون كتلة نار متدحرجة ‏أمام الطريق الذي سيكون تمركزه البحري الأهم في ذلك المكان.‏
‏ ‏
أما الهدف الأهم من إشعال الوضع غي السودان فسيتمثل استخدامه لمساومة مصر ‏علي بعض الملفات ومنها سد النهضة المملوك للصهيونية، والتي أكدت مصر في ‏الأيام الأخيرة أنها لن تسمح بقيام إثيوبيا بالمليء الرابع ألا بعد اتفاق ملزم، هنا ‏العصفورة والشجرة الجميع سينشغل فيما يحدث في السودان وعندها سيبدأ ‏الملئ طبقا لرؤية المخطط، فالذي حدث في الساعات الأولي من اشتعال الصراع ‏هو ما ظهر في فيدو الجنود المصريين، وهي القوات المشاركة في تدريبات ‏ومناورات حسب الاتفاق العسكري بين البلدين، ذلك الفيدو المقصود منه استنفار ‏الشعب المصري والضغط علي القيادة السياسية للتدخل عسكريًا في السودان، ‏وهذا هو الشق الأهم في الأحداث، والتي تعمل عليه الصهيونية في الكثير من ‏الأحداث حول مصر؛ لكن فشلت في جر الجيش المصري لأي مستنفع.‏
‏ ‏
وأخيرًا نجاة السودان سيتوقف أولًا وأخيرًا على تماسك الدول العربية المؤثرة ‏بقيادة مصر والسعودية والإمارات ضد أي تدخل خارجي على الأراضي السودانية.‏