رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رجال حول الزعماء [1]

في كل زمان تكون حول الزعيم أو الحاكم مجموعة من الرجال يختصهم الحكام بمهام معينة، تكون أولاها الحراسة، ثم تأتي بعدها باقي المهمات الأخرى، ربما تكون سرية، وربما تكون علنية والاسم الظاهر لهم الحراسة أو السكرتارية، وبعضهم لم يكن لديهم كادر وظيفي محدد، لكن وجودهم حول الرؤساء كان له تأثير واضح في مسيرتهم، وربما ظهر بعدها في صورة مذكرات ينشرها أولئك المقربون، يقولون فيها ما لم تقله ألسنة الصحافة وقت حياة الحاكم أو الرئيس. 
قديما كان للأنبياء رجال يدورون حولهم. فكان الحواريون حول المسيح، والصحابة حول النبي محمد وهارون مع نبي الله موسى. مع الفارق في التشبيه بين الأنبياء والزعماء السياسيين. أقصد أن هؤلاء كانوا مستودع أسرار الحكام. ومما رشح عن هؤلاء كتبه التاريخ عن هؤلاء العظام. 
أولًا: رجال حول عبد الناصر
عبد الناصر أقوى أعضاء مجلس الثورة التي قامت في 1952 وأطاحت بالملك فاروق، وظل الحكم جماعيًا حتى عام 1954، وقتها كان الحكم اسميا باسم محمد نجيب، ولكنهم لم يتقبلوا أفكاره التي نادت بعودة العسكريين لثكناتهم، فعزلوه وتولى جمال عبد الناصر. 
حتى عام 1967 لم نعرف لجمال عبد الناصر رجالا حوله سوى المشير عبد الحكيم عامر، وقتها كان مشغولا بالمد الثوري وتصدير الثورة إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية. كان عامر وزير الحربية وقائد القوات المسلحة حتى الهزيمة التاريخية التي أطاحت به، وتمت محاكته صوريا في جلسة عرفية خاصة برجال الثورة، قيل إنه انتحر، وهناك إشاعات ليس لها ما يؤيدها تقول إنه قتل، وبدأ رجال يوليو يتآكلون واحدا تلو الآخر.
ومن الرجال الذين أحاطوا بالزعيم عبد الناصر سامي شرف. خريج الكلية الحربية عام 1949 وتم تعيينه في سلاح المدفعية برتبة الملازم، بعد قيام ثورة 23 يوليو بأيام التحق بالمخابرات الحربية. عندما سافر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للمشاركة في مؤتمر باندونج 1955، استدعاه وعينه سكرتيراً للرئيس. استمر في هذا العمل وحصل على درجة مدير عام ثم وكيل ثم نائب وزير، فوزير، وقبل وفاة جمال عبد الناصر، تم تعيينه وزيراً للدولة ثم وزيراً لشؤون رئاسة الجمهورية في شهر أبريل عام 1970.
عندما جاء السادات على غير هوى مجموعة عبد الناصر طلب سامي شرف أن يتقاعد ثلاث مرات، لكن السادات رفض وظل حتى أحداث مايو 1971 التي تم فيها اعتقاله وسجنه، وبقي في السجن حتى يونيو 1980 ثم تم نقله إلى سجن القصر العيني حتى 15 مايو 1981، حيث أفرج عنه هو وزملاؤه.
ومن الرجال الذين أحاطوا بعبد الناصر، الصحفي محمد حسنين هيكل. لم يكن عسكريا، ولكن موهبته الصحفية وقدرته على الحوار ومعلوماته الغزيرة قربته من أهم رجال الثورة على الإطلاق، وأصبح هو اللسان الذي يفكر به عبد الناصر، وبأسلوبه صاغ محمد حسنين هيكل كتابي فلسفة الثورة والميثاق الوطني، والأخير الذي صار ميثاقا للعمل الوطني أيام عبد الناصر.
كان هيكل مطلعا على الأحوال السياسية. وبعد وفاة عبد الناصر عينه السادات وزيرا للإعلام. ووقف مع الرئيس السادات ضد معارضيه من رجال عبد الناصر فيما يعرف بثورة التصحيح عام 1971. بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، انضم هيكل للكتاب والصحفيين الذين هاجموا الاتفاقية والسادات، وصوروها بطريقة سلبية بدعم من الأنظمة العربية التي رفضت الاتفاقية، أدخله السادات السجن هو وعدد كبير من الكتاب والصحفيين والسياسيين فيما يعرف باعتقالات سبتمبر 1981. بعد اغتيال الرئيس السادات في أكتوبر من نفس العام أفرج الرئيس الجديد حسنى مبارك عن هيكل والمعتقلين.  بعد الإفراج عنه كتب "خريف الغضب" انتقد فيه الرئيس السادات وسياسته من وجهة نظره. وخرج عن نطاق المألوف الرزانة وعاير السادات بأمه ولونه الأسود. منتقدا عائلته، وكان في الإمكان محاكمته عن سبه الزعيم. ولكن لم يتحرك أحد لتحريك الدعوى الجنائية ضد الرجل. ومع ذلك فقد كانت لدى محمد حسنين هيكل كل وثائق الدولة التي تحصل عليها بقربه من عبد الناصر، وحازها لنفسه وكون منها أرشيفه الصحفي الذي يعد أكبر من أي أرشيف لمطبوعة عربية. ساعده هذا الأرشيف في تحقيق مصداقية ما يكتبه في مؤلفاته العديدة والثرية بالمعلومات. كانت تجربة هيكل مع عبد الناصر غير قابلة للتكرار. وقد حاول تكرارها مع السادات ولكن السادات بفكره النابع من ذاته، فقد كان السادات يمينيا لم يتقبل الوصاية عليه من اليساريين الذين ناصبهم العداء وأدخلهم السجون، فأقصاه بعد أن أطاح بخصومه، وحل محله أشخاص آخرون قادوه نحو اليمين المتطرف. 
من الرجال الذين كانوا حول عبد الناصر، حسن التهامي، وهو خريج الكلية الحربية دفعة 1942، كان التهامي من المقربين من عبد الناصر، حتى إنه في أزمة مارس عام 1954، التي وقعت بين عبد الناصر ومحمد نجيب، ادعى أنه قام بتكتيف يد عبد الناصر وعبد الحكيم عامر حتى لا يسمحا بعودة الديمقراطية أو الأحزاب القديمة وقد اتفق الجميع على إزاحة نجيب عن المشهد بأي شكل. لم يقف دور التهامي في تلك الأزمة عند ذلك الحد، حيث تولَّى مهمة استجواب محمد نجيب وهو رهن الاعتقال .ومع ذلك فقد كان التهامي من المؤسسين لجهاز المخابرات العامة المصري، وكانت له اتصالات بالمخابرات المركزية الأمريكية، وقام ببناء برج القاهرة الشهير بأموال أمريكية قُدِّمت هدية لمصر قيمتها 3 ملايين دولار، وهو مبلغ ضخم للغاية في ذلك الحين، وكان التهامي هو المسئول عن تسلُّم هذه الأموال وإنفاقها على مشروع البرج، ولكن عبد الناصر أبعده وعينه مُمثِّلا للقاهرة لدى منظمة الطاقة الذرية في فيينا بالنمسا في الفترة بين عامَيْ 1961-1968. وسبب ذلك أنه وصلت لعبد الناصر معلومات تقول بأن التهامي أقام مكتبا للتجسس على عبد الناصر في برج القاهرة، فأمر عبد الناصر بإخراجه وإبعاده. 
كما كان لدي التهامي دور آخر مع الرئيس السادات وهو ما سنذكره في المقال التالي.