رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«رسالة الإمام».. لسان المصريين فى حياة الإمام الشافعى

أحمد عاشور
أحمد عاشور

أتعجب من تعليقات الكثير على اللهجة المصرية المستخدمة في مسلسل رسالة الإمام، والذي يجسد حياة الإمام الشافعي، حيث يستخدم المصريون اللغة العربية الفصحى تارة وتارة أخرى يستخدمون اللهجة العامية الممزوجة بالفصحى، فرغم أن اللغة العربية أثرت في المجتمعات حول العالم كافة، إلا في مصر كان الوضع مختلف تمامًا فقد تأثرت اللغة العربية باللغة القبطية التي كان يستخدمها المصريون قبل دخول الإسلام على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص.

المصريون لم يستخدموا اللغة العربية في حياتهم إلا مع دخول الإسلام؛ لأننا لسنا عرب، اللغة المصرية القديمة هي لغتنا الأصلية وتطورت مع تعدد الدخلاء إلى مصر، سواء الفاتح أو الغازي، فمن الإغريق إلى الروم مرورا بالفرس حتى العرب، كنا نتحدث لغتنا الأصلية ونؤثر في لغة الدخلاء، فعند انتشار اللغة العربية في مصر أصبحنا نتحدث اللغة العربية، ولكن مع إضافة كلمات مصرية من تراثنا إليها، مثل كلمات "لسة، بلاش، وأمبو، وغيرها".

نجح فريق عمل مسلسل رسالة الإمام، والذي يجسد حياة الإمام الشافعي ويؤدي دوره الفنان خالد النبوي في إدراك تلك التفاصيل في حياة الشعب المصري خلال تلك الفترة، فمسلسل رسالة الإمام يعد من أهم المسلسلات التاريخية التي رصدت حياة الإمام الشافعي، والذي يعد من الأئمة الأربعة الذي سار علماء الدين على نهجه فيما بعد.

ويمكن تقسيم تاريخ اللغة العربية في مصر إلى ثلاث مراحل رئيسية:

مرحلة ما قبل الإسلام: في هذه المرحلة، كانت اللغة العربية موجودة في مصر بسبب التجارة والهجرة بين شبه الجزيرة العربية ومصر، وكان هناك تشابه وتبادل في المفردات بين اللغتين العربية والقبطية، التي كانت هي اللغة السائدة في مصر قبل دخول الإسلام.

مرحلة ما بعد الإسلام: في هذه المرحلة، حدث صراع بين اللغتين العربية والقبطية بعد فتح عمرو بن العاص لمصر في عام 20 هـ/641 م، وكانت هناك عوامل سياسية واقتصادية ودينية ساهمت في انتشار الإسلام والعربية في مصر، مثل إحلال العربية مكان القبطية في المكاتبات الرسمية والدواوين، ودعوة بعض القبائل العربية للاستقرار في مصر.

مرحلة التثبيت: في هذه المرحلة، أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية والشائعة في مصر في القرون الثالث والرابع الهجري/ التاسع والعاشر الميلادي، وذلك بفضل تأثير عوامل عديدة، منها نشأة دول إسلامية قوية في مصر، مثل دولة الطولونيين والإخشيديين والفاطميين.

ورغم أن اللغة العربية هي أقدم لغة حية في العالم، وأنها تحتفظ بأصولها وقواعدها منذ نشأتها، وقد تأثرت في مصر باللغة المصرية القديمة والتي أصبحت لها تأثير كبير على الحضارات بمرور العصور.

هناك مصادر عدة تشير إلى أن التجارة والهجرة كانتا عاملين رئيسيين في نشر اللغة العربية في مصر قبل الإسلام، فمثلاً، يذكر المؤرخون أن مدينة غزة كانت ميناء تجاري مهم بين مصر والجزيرة العربية، وأن التجار العرب كانوا يقدمون إلى هذه المدينة لبيع وشراء بضائعهم، كما يشير استرابو، المؤرخ والجغرافي اليوناني، إلى أن مدينة قفط (Koptos) كانت تحت حكم العرب، وأن نصف سكانها كانوا عربًا، وكان من هنا التأثير والاندماج بين اللغة العربية والمصرية القديمة.

وقد أدى احتكاك العرب مع أقباط مصر إلى تشابه كبير وتبادل في المفردات بين اللغتين، فمثلاً دخلت بعض المفردات القبطية إلى العربية.

تغيرت اللغة العربية في مصر بعد الإسلام، وأصبحت اللغة الرسمية والشعبية للمصريين، وقد تأثرت باللغات الأخرى الموجودة في مصر، مثل القبطية واليونانية والفرنسية. 

كان هناك تأثير متبادل بين اللغة العربية واللغات الأخرى في مصر، وقد أدى تفاعل اللغة العربية مع اللغات المحلية في مصر إلى حدوث بعض التغيرات في النطق والكتابة.

وفي العصر الحديث، منذ دخول المماليك والعثمانيين إلى مصر حتى يومنا هذا، أثرت هذه الفترات على شكل ومضمون اللغة العربية في مصر.

من أهم هذه المحطات، دخول المماليك إلى مصر في عام 1250 م، وإنشاؤهم لدولة حكمت مصر وبلاد الشام والحجاز لأكثر من 250 عامًا، وقد كان للمماليك تأثير كبير على اللغة العربية في مصر، فقد أدخلوا بعض المفردات التركية والمنغولية والفارسية إلى العربية بالإضافة إلى لغة المصريين الأصلية، كما أنهم أحيوا بعض التقاليد والأساليب الأدبية التي كانت قد ضعفت في فترات سابقة.