رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة سميحة أيوب إلى المسرحيين حول العالم.. اجعلوا «أبوالفنون» يطهرنا من غبار الحروب والصراعات الدموية

سميحة أيوب
سميحة أيوب

يوافق اليوم «٢٧ مارس» اليوم العالمى للمسرح، حيث توافق أن تختار الهيئة العالمية للمسرح سنويًا أحد رموز المسرح فى العالم ليكتب رسالة المسرح التى تلقى بمختلف اللغات اليوم وفى ذات التوقيت فى كل مسارح العالم المضيئة.

وقد اختارت الهيئة العالمية للمسرح هذا العام سيدة مسرحية من طراز رفيع، تاريخها فى المسرح ممتد وعميق وضارب بجذوره وهى سيدة المسرح العربى سميحة أيوب.. وبينما أنت تقرأ تلك الكلمة الآن فإنها تلقى فى مكان ما على مسرح ما بلغة ما: 

أصدقائى المسرحيون فى جميع أنحاء العالم

أبث إليكم هذه الكلمة فى ذكرى اليوم العالمى للمسرح، وبقدر ما يعترينى من شعور غامر بالسعادة أننى أتحدث إليكم، فإن كل ذرة فى كيانى تختلج تحت وطأة ما نعانيه جميعًا- مسرحيين وغير مسرحيين- من ضغوط طاحنة ومشاعر صادمة وسط ما ينتاب العالم من حالة من عدم الاستقرار كنتيجة مباشرة لما يمر به عالمنا اليوم من صراعات وحروب وكوارث طبيعية كانت لها آثارها المدمرة ليس فقط على عالمنا المادى، وإنما كذلك على عالمنا الروحى وسلامنا النفسى. أتحدث إليكم اليوم بينما ينتابنى شعور بأن العالم بأسره بات كالجزر المنعزلة، أو كالسفن الهاربة فى أفق معبأ بالضباب، كل منها ينشر شراعه ويبحر على غير هدى، ليس يرى فى الأفق ما يهديه، ورغم ذلك يكمل إبحاره آملًا أن يصل إلى مرفأ آمن يحتويه بعد تيه طويل وسط أمواج بحر هادر. لم يكن عالمنا الواحد أكثر التصاقًا ببعضه البعض منه اليوم، إلا أنه وفى ذات الوقت لم يكن أكثر تنافرًا وابتعادًا عن بعضه البعض منه اليوم. وهنا تكمن المفارقة الدراماتيكية التى يفرضها علينا عالمنا المعاصر. فرغم ما نشهده جميعًا من تقارب فى تداول الأخبار والاتصالات الحديثة التى كسرت كل حواجز الحدود الجغرافية إلا أن ما يشهده العالم من صراعات وتوترات فاقت حد التصور المنطقى وخلقت وسط هذا التقارب الظاهرى تباعدًا جوهريًا تنأى بنا عن الجوهر الحقيقى للإنسانية فى أبسط صورها.

إن المسرح فى جوهره الأصلى هو فعل إنسانى محض قائم على جوهر الإنسانية الحقيقى ألا وهو الحياة. وعلى حد قول الرائد العظيم قسطنطين ستانيسلافسكى «لا تدخل المسرح بالوحل على قدميك. اترك الغبار والأوساخ فى الخارج. تحقق من ترك مخاوفك الصغيرة والمشاحنات والصعوبات البسيطة مع ملابسك الخارجية- كل الأشياء التى تدمر حياتك وتلفت انتباهك بعيدًا عن فنك- عند الباب». عندما نعتلى خشبة المسرح فإننا نعتليها وبداخلنا حياة واحدة لإنسان واحد، إلا أن هذه الحياة لديها قدرة عظيمة على الانقسام والتوالد لتتحول إلى حيوات كثيرة نبثها فى هذا العالم لتدب فيه الحياة وتورق وتزدهر فقط لننتشى بعطرها مع الآخرين. إن ما نقوم به فى عالم المسرح كمؤلفين ومخرجين وممثلين وسينوغرافيين وشعراء وموسيقيين ومصممى كوريوجرافيا وحتى كتقنيين وفنيين، كلنا بلا استثناء، إنما هو فعل لخلق حياة لم تكن موجودة من قبل قبل أن نعتلى خشبة المسرح. هذه الحياة تستحق يدًا حانية تتعهدها وصدرًا حنونًا يحتضنها وقلبًا حانيًا يأتلف معها وعقلًا رزينًا يوفر لها ما تحتاجه من أسباب الاستمرار والبقاء.

ربما لا أغالى عندما أقول إن ما نقوم به على خشبة المسرح هو فعل الحياة نفسها وتوليدها من العدم كجمر مشتعل يبرق فى الظلمة فيضىء ظلمة الليل ويدفئ برودته. نحن من يمنح الحياة رونقها.. نحن من يجسدها.. نحن من يجعلها نابضة ذات معنى.. ونحن من يوفر الأسباب لفهمها. نحن من يستخدم نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف. نحن من يعتنق مذهب الحياة لتدب فى هذا العالم الحياة. ونبذل من أجل ذلك من جهدنا ووقتنا وعرقنا ودموعنا ودمائنا وأعصابنا كل ما يتوجب علينا بذله من أجل تحقيق هذه الرسالة السامية مدافعين بها عن قيم الحق والخير والجمال ومؤمنين بحق أن الحياة تستحق أن تعاش. أتحدث إليكم اليوم لا لمجرد الحديث أو حتى للاحتفال بأبى الفنون جميعًا «المسرح» فى يومه العالمى، وإنما لأدعوكم لتقفوا صفًا واحدًا كلنا جميعًا، يدًا بيد وكتفًا بكتف لننادى بأعلى صوتنا كما اعتدنا على منصات مسارحنا، ولتخرج كلماتنا لتوقظ ضمير العالم بأسره أن ابحثوا فى داخلكم عن الجوهر المفقود للإنسان.. الإنسان الحر السمح المحب المتعاطف الرقيق المتقبل للآخر ولتنبذوا هذه الصورة القميئة للوحشية والعنصرية والصراعات الدموية والأحادية فى التفكير والتطرف والغلو.. لقد مشى الإنسان على هذه الأرض وتحت هذه السماء منذ آلاف السنين وسيظل يمشى فلتخرجوا قدميه من أوحال الحروب والصراعات الدموية ولتدعوه لتركها على باب المسرح، لعل إنسانيتنا التى أصبح يعتريها الشك تعود مرة أخرى يقينًا قاطعًا يجعلنا جميعًا مؤهلين بحق أن نفخر بأننا بشر وبأننا جميعًا أشقاء فى الإنسانية.

إنها رسالتنا نحن المسرحيين حملة مشعل التنوير منذ أول ظهور لأول ممثل على أول خشبة مسرح أن نكون فى طليعة المواجهة لكل ما هو قبيح ودميم ولا إنسانى، نواجهه بكل ما هو جميل ونقى وإنسانى.. نحن ولا أحد غيرنا.. نمتلك القدرة على بث الحياة.. فلنبثها معًا من أجل عالم واحد وإنسانية واحدة.

أنتم من تصنعون الحياة وتستخدمون نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف