رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أيام العطش والحرب 1».. السيد نجم: أناشد القوات المسلحة لعمل مسابقة فى أدب الحرب «حوار»

السيد نجم
السيد نجم

في هذه السلسلة التي تنشرها جريدة "الدستور" تحت عنوان "أيام العطش والحرب" نلتقي المقاتلين الذين حاربوا في أكتوبر المجيدة، يحكون لنا عن ذكرياتهم إبان الصيام والجهد والرصاص والقذائف، يحكون عن أدب الحرب وهل أوفينا أكتوبر حقها في الأدب؟.

السيد نجم واحد ممن شاركوا في الحرب وحملوا لواء الدفاع عن الوطن، وهو واحد ممن اختارته القوات المسلحة ليكون جزءًا من متراس كبير يفصل ما بين الصهاينة والأرض التي ذكرها الله بالأمن والأمان، حمل روحه على يده وقدمها.. لكن الإله الرحيم أعاده سالما ليحكي تجربته الكبيرة في أدب الحرب.

عدنا مع السيد نجم إلى أكتوبر، هناك، إلى صحراء سيناء، وراح يتذكر لحظات الحرب ويحكي.

كيف يمكنك أن تصف أيام أكتوبر وكيف عبرت عنها فى كتابتك؟ 

الآن وبعد أكثر من خمسين سنة من انقضاء تلك الأيام، يمكن أن أصفها بأيام التحدى والصبر، كان علينا نحن الجنود تجاوز المشاكل الشخصية وما أكثرها (يكفى أن أشير إلى أن الراتب الشهرى للمجند جنيه وربع، وبعد مرور السنة نحو تسعة جنيهات)، وأيضًا تجاوز المشاكل الأسرية والعائلية (تؤكد الإحصاءات التابعة لمركز البحوث الجنائية انخفاض معدلات الجريمة، حتى كانت بقيمة الصفر فى السادس من أكتوير ولشهر بعده)، ثم تجاوز ألم الحياة العسكرية الشاقة والمعيشة فى الجبل والصحراء وندرة عناصر الترفيه التقليدية، ومع ذلك كله أشهد أننى ما سمعت من يعلن تمرده على ما نحن عليه، بل المطالبة بسرعة اتخاذ قرار العبور مهما كانت الخسائر.

أما كيف عبرت عنها.. لك أن تعتبر تجربتى فى المشاركة لخمس سنوات خلال تلك الفترة والحرب هي تجربة آلام لى ولجيلى.. وقد نشرت بعض القصص أثناء الشهر الأول وما بعده من بداية المعارك، بل وقبل 6 أكتوبر قصة بعنوان "ليلة من ألف وخمسمائة ليلة" بروزاليوسف عام 1972م، ثم كانت أول رواية لى "السمان يهاجر شرقا" عن تجربة أكتوبر وروايتى "أيام يوسف المنسى".. كما أصدرت مجموعة قصصية "أوراق مقاتل قديم".. ثم كتاب "يا بهية وخبرينى" وهو فى 3 روايات قصيرة.. كما أشير إلى وجود شخصيات ممن شاركوا فى المعارك ضمن رواياتى الأخرى التى تبلغ 13 رواية.

وأشير هنا إلى أننى كتبت فى تنظير أدب الحرب وأدب المقاومة 9 كتب وهى أكثر ما كتب فى العالم العربى لكاتب واحد فى هذا المجال منها (الحرب: الفكرة- التجربة- الإبداع" – "أدب المقاومة.. قضايا ومفاهيم – أطياف إبداعية فى مواجهة العنف" وغيرها، ربما أرفق السيرة الذاتية للاطلاع.

غلاف إحدى روايات السيد نجم

هل يمكنك أن تصف لنا أغرب الحالات التى كانت تفد إليكم فى المستشفى الميدانى الجراحى؟

نعم والحقيقة أنها أطول وأخطر أيام المعارك بالنسبة لى ولوحدتى (مست جرميت تحت الأرض رقم 5) وهى المستشفى الميدانى الجراحى تحت الأرض رقم 5، وكان اليوم الثالث من بداية المعارك، وفيه بدأت معارك الدبابات وكانت الخسائر والإصابات بأعداد كبيرة على العكس من اليومين السابقبن.. ومع الفجر وصلت سيارات الإسعاف، حدث وصل مصابون من وحدة واحدة، وبعد إعطائهم العلاجات المقررة لأى مصاب ومنها حقنة البنسلين، لم تمض دقيقتان وكان الجنديان فى حالة تدهور وازرقاق فى الوجه وعلامات حساسية البنسلين، أكرمنا الله بإعطائهم الحقن المناسبة وشفيا، الغريب فى الموضوع أن حساسية البنسلين هى واحد فى المليون.. المفاجأة أن يصاب الجنديان من الوحدة نفسها بالحساسية؟!.. بعدهما وصل أحد أفراد القوات الخاصة للقوات البحرية، وجدته جالسًا على السرير  فسألته عن مكان إصابته؟ أفاد كل نصفه الأيمن، لأن الدبابة سارت فوق نصفه.. وتأكدت أنها حالة نفسية نظرا لمرور دبابة إسرائيلية فوق الحفرة البرميلية التى اختبأ فيها، وإن أكرمه الله وكانت الحفر بين الجنزيرين ولم تمر فوقه... وهكذا كانت حالات كثيرة من الإصابات.. وحتى فجر اليوم التالى.

هل ترى أننا أكفينا حرب أكتوبر من التناول فى الأدب؟

يكفى أن أخبرك أن سلسلة أدب التى نشرت 38 كتابا توقفت، وأطالب بعودتها أو عودة سلسلة تعنى بتلك التجربة التى أصبحت علميا ضمن التاريخ وما يكتب حولها هو عمل تاريخى بالتصنيف العلمى.. وكلنا يعلم أن الولايات المتحدة ما زالت تنشر وتنتج الدراما حول الحرب العالمية وحرب فيتنام والحرب العراقية. وهذا ليس معناه دعوة للحرب، وإنما أهميته فى دعم الأجيال الجديدة والانتماء للوطن.. مع العلم أن الآخر ينشر سلسلة رواية من عام 1950 حتى اليوم وبأكثر من لغة تخاطب فيها الفتيان والأجيال الجديدة وتجعل من أبطالها أشبة بالسوبر مان وتسمى (حسمبا) 9 ومعناها النداء فى المعارك كما نداء (الله أكبر) عندنا.

أما الإجابة عن سؤالك، أقول لك إننا مقصرون فى هذا الجانب.. ولا غرور أن أشير إلى ما أنتجته حيث أعتبر التجربة الحربية فى أكتوبر هى التجربة الأولى التى شكلت أفكارى ووجدانى طوال سنين عمرى حتى الآن.

(أما الإبداع، رواية تتناول تجربة صمود أبطال حصن كبريت  بعنوان "السمان يهاجر شرقا"- مجموعة قصص رصدت تجربة عسكرى وسط عالم مختلف عن الحياة المدنية قبل وأثناء وبعد معارك أكتوبر بعنوان "أوراق مقاتل قديم".. ثم ثلاث روايات قصيرة توقفت فيها مع بعض التجارب والبطولات والشخصيات أثناء معارك أكتوبر، بعنوان "يا بهية وخبرينى".. وهناك العديد من الشخصيات فى عدد غير قليل من رواياتى الأخرى والتى تبلغ ثمانى روايات.

(فى مجال الدراسات كنت أول من تصدى لتنظير أدب الحرب فى كتابى "الحرب: الفكرة- التجربة- الإبداع)- كما تناولت إبداع الانتفاضة الفلسطينية "المقاومة والقص فى الأدب الفلسطينى.. الانتفاضة نموذجًا"- وأيضا كان لا بد لى من النظر فى الأدب العبرى وماذا يكتبون خصوصًا لطفلهم فكان كتاب "الطفل والحرب فى الأدب العبرى".. وهكذا.

 ما الذى يمكننا فعله فى رأيك حتى نكرس لأكتوبر كملحمة مصرية خالصة؟

أن يسمح لكل الجهات الثقافية والمدارس والأدباء عموما بنشر ودعم كل ما يتعلق بأكتوبر، خصوصا تلك الحوارات والإبداعات التى كتبها من شارك فى المعارك.. ومع ذلك هناك محاولات للكتابة فى هذا المجال بل والبحث العلمى، كما فى رسالة الماجستير للباحثة زينار أحمد قدرى بعنوان "المقاومة فى روايات السيد نجم" وقد حصلت على درجة الدكتوراه مؤخرًا.. وكذلك بحث الترقى لدرجة الأستاذ المساعد للباحث الدكتور محمد محمود هندى بعنوان "قصة الطفل: انفتاح الرؤية ومرونة السرد.. قراءة فى قصص السيد نجم"وهذا لا يكفى أكيد.

أشير هنا إلى فوزى بجائزة فلسطين العالمية للآداب عن عام 2022م.. وقد كان من محاور التقدم للجائزة (الرواية- القصة القصيرة- الشعر- ثم الخواطر الشخصية لغير الأدباء بل لأصحاب التجارب الحربية الخاصة وبطولاتها كفدائى) ومن هنا أرى أن عددا غير قليل ممن شارك فى المعارك وليس أديبا.. لماذا لا نعلن عن جائزة لمن يرصد تجربته البطولية أثناء معارك 73.. عندى المثال الذى أرى نجاحه لو شارك أحد أعضاء فرقة ولاد الأرض فى رصد تجربته وتجربة الفرقة ورصد أشعارهم.

 هل هناك قصص أو أعمال أدبية فى ذهنك تدور حول فكرة الحرب ويمكن أن نراها فيما بعد؟

لى العديد من القصص والروايات عن التجربة الحربية أو تماست معها من خلال إحدى الشخصيات.. ومع اقتراب العام الخمسين لأحداث أكتوبر، ومنذ سنة مضت بدأت بالفعل فى كتابة رواية أسعى أن تحقق السردية والتأريخية المعلوماتية معا.. وأرجو أن أنتهى منها فى نهاية هذا العام. أظن مما كتب منها أنها سوف تتضمن تجربتى الشخصية بالتوازى مع التجربة العامة للبلاد قبل المعارك وبعدها.

 في رأيك ككاتب.. ما نصائحك للكتابة فى أدب الحرب؟ 

الشرط الأساسى لمن يتصدى للكتابة فى أدب الحرب هو معايشة التجربة، أن يكون عاش تجربة الحرب، سواء كان مدنيا أو عسكريا.. فالتجربة الحربية تعتبر تجربة عامة جدا وخاصة جدا، هناك المفردات المتداولة بين الجنود..  وأسماء الأسلحة ومصطلحات العسكرية  حتى الأماكن لها أسماؤها مثل (دورة المياه= الادبخانة) وهكذا.

ولذلك عندما يقولون: كل يكتب أدب الحرب، امرأة أو غير عسكرى، نعم هذا ممكن جدا، للمدنى وللمرأة أن تكتب تجربتها أثناء المعارك، وتعد من ملامح أدب الحرب، وكذلك المدنى الشيخ، أو حتى الطفل.. وهناك قصص أبطالها أطفال ضمن نسيج قصص أدب التجربة الحربية.

وليس معنى ذلك عدم الكتابة عن تجربتنا الحربية فى 73، بل على العكس سوف تكتب الآن بملامح فنية مختلفة ونكهة خاصة، وإن اعتبرت تنظيريا ضمن النصوص التاريخية التى تناول التجربة الحربية فى 73.. لقد انتهيت منذ فترة من كتابة رواية عن الظاهر بيبرس بعد كل تلك القرون وتناولت معاركه أيضا.. وأراها رواية تاريخية تناولت التجربة الحربية.

مع تحفظى على تعبير (نصائح) أظن أن من يتصدى للكتابة عن التجربة الحربية المحددة سلفا، أن يقرأ تفاصيل الأحداث العامة التى دارت خلال فترة الحرب المعنية.. الوعى بفنية الكتابة فى هذا النمط الأدبى، ألا وهو عدم الوقوع فى مطب الحماسة والشعارات والمبالغات، وقبل هذا وبعده البعد عن الأيديولوجى والمفاهيم السياسية المباشرة، وأن ينتبه أنه يكتب فنا فى الرواية أو القصة القصيرة أو فى الشعر والمسرح وغيره.

أظن أن البعض أساء إلى أدب التجربة الحربية بتعمد التسجيل الفوتوغرافي للأماكن والأحداث.. مع رواج مفاهيم أيديولوجيا ما (تلاحظ لى فى بعض القصص العراقية أثناء فترة الحرب العراقية الإيرانية).

هل ترى أننا فى حاجة لمسابقات أدبية تكرس لهذه النوعية من الأدب بحيث يمكن استلهام روح أكتوبر فى الأعمال الأدبية؟

 أطالب بدعم مسابقة القوات المسلحة بحيث تنتشر ويروج لها أكثر من ذلك.. ثم يأتى دور وزارة التعليم وتنظيم المسابقات الطلابية فى الموضوع نفسه.. أما وزارة الثقافة فعليها القسط الأكبر والإعلان عن مسابقة دولية وليست مصرية، الهدف منها بيان السلوك الإنسانى أثناء الحروب، فأدب الحرب الجيد الذى كتب والذى سوف يكتب هو الأدب الحربى الإنسانى والذى يعلى من شأن القيم والمفاهيم العليا.. أتذكر الآن رواية "كل شىء هادئ على الجانب الغربى".. "الحرب والسلام".. "ذهب مع الريح" وغيرها، والملاحظ عليها جميعا إعلاء كل ما هو إنسانى فى قوته وضعفه، وكم هي جلية تلك المشاعر أثناء أزمات التجربة الحربية.

أخلص إلى أمرين، الأول تزكية المسابقات التقليدية والهدف منها تزكية الانتماء للأجيال الجديدة.. الثانى الإعلان عن جائزة عالمية كبرى لدعم فكرة السلام الذى قد ينتج عن الحروب وهو ما تحقق  بعد الحرب العالمية الثانية.. من منظور أن الحروب ليست شرًا تامًا إن كانت للدفاع عن الحق والأرض والقيم العليا.

فى الأخير كيف ترى أكتوبر والتعبير عنها أدبيًا وما المناطق التى تحتاج إلى تاريخ؟

بداية وقبل الإجابة المباشرة عن السؤال، أرجو توضيح الآتى: إن مفهوم أدب الحرب وأدب المقاومة كان وما زال غامضًا عند الكثيرين.. حتى إن أحد الصحفيين سأل نجيب محفوظ عن سبب عدم الكتابة لتجربة حرب 73 أجاب قائلا: "لأننى لم أشارك فى الحرب ولم أقم بزيارة  الجبهة ولا أعلم ما يتم هناك!!!!! وهذا زرع اللبس عند الكثيرين، أبسطه أن من يكتب فى التجربة الحربية لا بد أن يكون من الجنود وممن عاش على الجبهة.. وهذا غير حقيقى، لأنه وكما أشرت من قبل ممكن الكتابة عن طفل أثناء غارة وننتج بذلك قصة أدب حرب، كما أن الكتابة عن امرأة فى انتظار زوجها أو ابنها المقاتل على الجبهة بعتبر أدب حرب.

لذلك أرجو رواج مصطلح "أدب التجربة الحربية" بدلًا من "أدب الحرب".. حيث إن التجربة الحربية ليست ضرب الرصاص فقط بل هى على ثلاثة أقسام: ما قبل المعارك.. أثناء المعارك.. ثم بعد المعارك.. ولكل مرحلة خصائصة الإنسانية والمعلوماتية، وبالتالى عدم المشاركة مع الجنود على الجبهة لا يعد مبررًا لعدم الكتابة عن التجربة الحربية.

.. لعل فهم وتعريف الجميع بمراحل مرت على الجندى وعلى البلاد حتى بدأت معارك 6 أكتوبر.. هناك مرحلة الصمود حيث كان على الشعب تحمل تبعات الهزيمة مع إعادة تنظيم وتأهيل القوات المسلحة.. ثم مرحلة التصدى حيث بدأت عمليات خلف خطوط العدو بالقوات الخاصة والصاعقة.. ثم مرحلة الاعتداء على المدن والمصانع وحتى المدارس الابتدائية حتى يبثوا روح الهزيمة وهو ما لم يحدث.. ثم مرحلة اللا سلم واللا حرب والتى تمت فيها إعادة هيكلة القوات المصرية، بل وتشييد خط الدفاع الجوى الذى حمى سماء الجبهة والبلاد من أذرعهم الطويلة أو سلاح الطيران لهم حيث طائرة الفانتوم الأمريكية هدية الولايات المتحدة لهم للإبقاء على تفوقهم، ومع ذلك كان الدفاع الجوى المصرى لها بالمرصاد.

.. وعليه فإن تناول كل مرحلة يكفى للتعبير عن الانتماء وتزكية الانتصار فى أكتوبر.. فلا يجب أن نتحدث عن انتصار أكتوبر وكأنه سقط من السماء فى السادس من شهر أكتوبر، ولم يسبقه كل تلك المراحل التى أشرت إليها.