رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إِنَّ وَشَطَحَاتُهَا..

رمضان 2023

يأتي رمضان المبارك لهذا العام، والعالم يغلي بأحداث شتى رهيبة، لعل أبرزها الزلازل التي صارت متوقعة بالبلدان أكثر من ذي قبل، واستمرار الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، فكم تنذر بحرائق هائلة تشمل الكتلتين الشرقية والغربية بكلياتهما، وكم تنذر بتطور نووي يفضي إلى العتمة والفناء (لا قدر الله)؛ وإذ يأتي رمضان، والأجواء محفوفة بالمخاطر هكذا، فإن الناس بلا ريب سيناجون ربهم، صادقين مخلصين، أن يرفع البلاء كله ويقدر الخير كله ويكتب السلامة للأمم والبشر.
لرمضان، في مصرنا المحروسة، طعم مختلف عنه في كل الدنيا، والدليل الواضح أن كثيرين من أبناء الدول الأخري يفضلون قضاءه عندنا، ضيوفا مكرمين، ويقولون إنهم لا يجدون مثل بهائه وسماحته عندهم ولا يستطيعون إبداعه على النحو الذي تبدعه به أرواح المصريين وجوارحهم!
يبدو رمضان عندنا كأنه فرح كبير، عامر بأنوار الفوانيس وعقود الزينات المعلقة بامتدادات الشوارع، تبدأ الأيام الطيبة بالقرآن وتنتهي به، وبالأصوات القديمة الراسخة العملاقة والجديدة الموهوبة اللافتة، بينما الابتهالات الدينية والتواشيح والمدائح النبوية الفصيحة والشعبية تجلل المطاعم والمقاهي والأندية، والدراما التليفزيونية تخطف العيون خطفا، حيث كانت، والأغاني الخاصة بالشهر لا تنقطع بأصواتها الحميمة العالية، كأصوات المسحراتية الأصلاء الذين يوقظون النيام ثلاثين ليلة حتى يحتفلوا بالعيد مع إيقاع الإيقاظ الأخير، وكترتيلات الأئمة الأزهريين في المساجد، يحيون الأوقات بكلمات الله، ويصطف الناس وراءهم، في التراويح خصوصا، كما لو كان الجميع سبحة عظيمة النقش والحبات، سبحة لصوفي مصري عظيم كعمر بن الفارض، وأما الأطعمة والأشربة والمخللات وصنوف الحلويات فلا حصر لها في كل مكان، في الحارات وفي الأحياء الراقية، تحرك الشهية الجماعية للخلق وتدنيهم من مغربهم ليقتنصوا اللذات، وفي الآفاق موائد طويلة عريضة يعدها القادرون للفقراء وذوي الحوائج، وتجمعات للأهل والأصدقاء في البيوت بالأحاديث الحميمة والعطايا الوافرة، بجانب ندوات الأدب والثقافة والفن التي تستقطب الجماهير، وتغذي العقل والوجدان بالروائع.. رمضاننا مفعم بالحياة كمثلنا، تنعكس صورتنا فيه وينعكس في صورتنا بأغلى الأماني!
نحب العالم ونخاف عليه؛ لذا ندعو له من قلوبنا أن تنصلح أحواله ويحسن مآله، ونعلم أنه يحبنا أيضا ففي عيون سياحه الذين يزورون نيلنا وآثارنا ما يفصح عن تلك المحبة الكبيرة عميقة الجذور، ونتمنى أن يخاف علينا كما نخاف عليه فالكرة الأرضية واحدة والمصير واحد، ولو أصيبت ناحية بسوء أصيبت النواحي بأسرها.
ليتنا ننتهز الشهر فنعود إلى مصريتنا الخالصة، إلى عاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا القويمة التي تدفع الآخرين إلى احترامنا وتغريهم بالتأسي بنا، لقد اغتربنا عن أنفسنا للأسف، ورمضان فرصتنا لكي نعود إليها نادمين على ما فات، وفرصتنا لتجديد الاتحاد مع العالم فيما ينفع الجميع. سندعو للإنسانية، ومقدار ما نرجو لأنفسنا وبلادنا البركة سنرجوها لمعناها النبيل، والله شاهد وعليه الاستجابة!