رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«قدوة».. مركز الأزهر العالمى يقدم تعريفًا لابن حزم الأندلسى

ابن حزم الأندلسي
ابن حزم الأندلسي

احتفى مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية بذكرى وفاة الإمام العلامة ذي الفنون والمعارف ابن حزم الأندلسي، التي توافق 28 شعبان 456 هـ وذلك في إطار مشروعه التثقيفي "قُدوة".

وابن حزم الأندلسي هو أبومحمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي الأصل، ثم الأندلسي القرطبي، وهو الفقيه الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير، الظاهري، صاحب التصانيف، وكان جده خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس في صحابة ملك الأندلس عبدالرحمن بن معاوية بن هشام؛ المعروف بالداخل.

وولد ابن حزم الأندلسي في قرطبة سنة 384 هـ، ونشأ منعمًا مرفهًا؛ حيث كان والده من كبراء أهل قرطبة، ويعمل في وزارة الدولة العامرية، وقد تولى ابن حزم الوزارة في شبابه.

بدأ ابن حزم الأندلسي مسيرته العلمية في سن كبيرة؛ فبدأ يطلب العلم وهو ابن ست وعشرين سنة، وذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، أن سبب تعلمه العلم أنه شهد جنازة، وكان قد بلغ ستًّا وعشرين سنة، فدخل المسجد، فجلس، ولم يركع، فقال له رجل: قم فصل تحية المسجد، فقام وركع، فلما رجع من الصلاة على الجنازة، دخل المسجد، فبادر بالركوع فقيل له: اجلس اجلس، ليس ذا وقت صلاة- وكان بعد العصر- فانصرف حزينًا، وقال لأستاذه: دلني على دار الفقيه أبي عبدالله بن دحون، فقصده، وأعلمه بما جرى، فدله على موطأ مالك، فبدأ به عليه، وتتابعت قراءته عليه وعلى غيره نحوًا من ثلاثة أعوام، ثم بدأ بالمناظرة. [سير أعلام النبلاء ط الرسالة (18/ 199)].

تلقى ابن حزم العلم على كبار علماء عصره أمثال: يحيى بن مسعود بن وجه الجنة، ومن أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور، ويونس بن عبدالله بن مغيث القاضي، وحمام بن أحمد القاضي ومحمد بن سعيد بن نبات، وعبدالله بن ربيع التميمي، وأحمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن أصبغ، وغيرهم الكثير.

نبغ ابن حزم سريعًا في طلب العلم؛ لما كان يتمتع به من قوة الحفظ، وحِدة الذكاء، وصفاء الذهن؛ فكان عالمًا موسوعيًّا، حافظًا للحديث وعلومه، مُستنبطًا للأحكام من القرآن والسنة، وقد كان في بداية الأمر شافعي المذهب، ثم أصبح ظاهريًّا.

كان ابن حزم صاحب قلم سيال؛ فألف العديد من المؤلفات في أصناف العلوم المختلفة، كالفقه، والحديث، والأديان والمذاهب، والمنطق، والشعر والأدب، والبلاغة والنحو، والطب، والرقائق والأذكار، والسير والأخلاق، وغير ذلك من فنون العلم المختلفة حتى عُدّ أنه أكثر علماء الإسلام تصنيفًا بعد القرطبي.

حرص ابن حزم الأندلسي على طلب العلم وبذله، والعمل به، بجانب مصاحبته العلماء، وملازمتهم، والسعي إلى الاستفادة منهم، وعلو الهمة، وشغل الوقت بما هو نافع، كما كان يتمتع بعدم اليأس والاستسلام، ومحاولة تدارك تقصير الماضي، والسعي لتصحيحه والتعلم منه.

ومن هذه المؤلفات على سبيل المثال لا الحصر: (الإيصال إلى فهم كتاب الخصال - الخصال  الحافظ لجمل شرائع الإسلام - المجلى - المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار - الإحكام لأصول الأحكام - الفصل في الملل والنحل - الرد على من اعترض على الفصل - اليقين في نقض تمويه المعتذرين عن إبليس وسائر المشركين - مختصر في علل الحديث - التقريب لحد المنطق بالألفاظ العامية - السير والأخلاق - بيان الفصاحة والبلاغة - شيء في العروض - مؤلف في الظاء والضاد - رسالة في الطب النبوي - حد الطب - اختصار كلام جالينوس في الأمراض الحادة - الأدوية المفردة)، إلى غير ذلك من عشرات المؤلفات.

قال عنه الإمام الغزالي: «وقد وجدت في أسماء الله تعالى كتابًا ألَّفه أبومحمد بن حزم الأندلسي يدل على عِظم حِفظه وسَيَلان ذِهْنِه». [تاريخ الإسلام ت بشار (10/ 75)].

وقال عنه ابن العربي: «صحبت ابن حزم سبعة أعوام، وسمعت منه جميع مصنفاته سوى المجلد الأخير من كتاب (الفصل)، وهو ست مجلدات، وقرأنا عليه من كتاب (الإيصال) أربع مجلدات في سنة ست وخمسين وأربع مائة، وهو أربعة وعشرون مجلدًا، ولي منه إجازة غير مرة». [سير أعلام النبلاء ط الرسالة (18/ 199)].

كان الإمام متكلمًا ذا رأي، لا يداري فيما لا يرضى، وكانت انتقاداته العلمية شديدة وكثيرة، ورحل عن بلاده كثيرًا حتى انتهى إلى بادية لَبلة، فتُوُفّي بها، وكانت وفاته في 82 شعبان 456 هـ.