رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التدين والفن

نتحدث كثيرًا عن التدين الذى وجد مع الإنسان من بداية الخلق، وهو البحث عن الإله القوى القادر الذى يحمى الإنسان من مصائب الطبيعة. ذلك الإله الذى يضمن للإنسان حياة أخرى بعد الموت المحتم الذى أدركه الإنسان منذ البداية. ولذا هناك أقوال علمية تقول إن التدين هذا ومع تطور العقل البشرى قد أصبح جزءا من تكوين هذا العقل. وهنا ولذا كانت الأديان المتعددة التى اخترعها الإنسان والآلهة المتباينة التى عبدها. حتى جاءت الأديان السماوية التى نؤمن بها والتى كانت أرضيتها ذلك التدين الفطرى (إذا جاز التعبير). أى أن التدين يتكون من الايمان المبدئى بالعقيدة الدينية (النص المقدس). والإيمان هنا وهو العلاقة بين الإنسان وبين الإله ولا دخل لأحد بينهما. وبين التدين الذى يتأثر بالموروث والعادات والتقاليد والتربية الدينية حسب فكرها الذى يتأثر بالزمان والمكان وحسب تفسير وتأويل النص الدينى. ولذا نجد ونرى أن هذا التدين أو هذا الفكر الدينى يختلف من شخص إلى شخص آخر رغم وحدانية النص ووحدانية المسمى الدينى. 
هنا وما علاقة هذا بالفن؟ ما نريد توضيحه كمثل معاش. نرى أن هناك بعض أنواع وأشكال هذا التدين يتصورون أن الدين والإيمان والإعلان عن هذا هو صبغ الحياة مجمل الحياة بمسمى دينى حتى لو لم يتفق هذا مع الزمان والمكان. ولكن هو التدين الشكلى الذى يريد التمايز والإعلان عن شكل دينى حتى ولو لم يتوافق هذا الإعلان مع السلوكيات التى يجب أن تتوافق مع المقاصد العليا للدين. فنجد من يقول إن الفن لا بد أن يكون موجها وداعيا للأخلاق الحميدة والسلوك القويم وألا لا يبقى فنا ولا يجب أن نطلق عليه مسمى فن. مع العلم بأن هذا غير قضية (الفن للفن ام الفن للمجتمع). لأن الفن كما قال أرسطو هو (مرآة المجتمع). أى أن الفنان هو إنسان يعيش مجتمعه ويتأثر بمؤثراته ومن خلال الموهبة الفنية والقدرة الإبداعية يعبر عن هذا المخزون الذى أخذ خصوصية التعبير من فنان إلى فنان آخر. وهذا يعنى فى المجمل أن الفن هو إبداع حتى ولو كانت رسائل هذا الإبداع تحتوى على الإيجابى والسلبى. كما أن هذه التى نطلق عليها رسائل فالفنان عند حالة الإبداع ل ايقصد توجيه رسائل بعينها ترضى الجميع بكل مكوناتهم الفكرية والقيمية والأخلاقية، ولكن هذه الرسائل تختلف من مشاهد وآخر حسب رؤيته الفكرية والقيمية أى حسب (فكره الدينى) . هنا لا نصادر على رأى أحد فى كيفية تلقى العمل الفنى. كما أنه ليس من حق أحد فرص وصاية دينية أو سياسية على العمل الفنى حتى لا يتحول الفن إلى متاجرة وسبوبة تفقده قيمته الفنية والإبداعية. وهذا يعنى أن تقييم الفن لا بد أن يكون بمقاييس فنية أساسا. هنا فكيف يكون الفن فى خدمة المجتمع؟ إذا كان الفن صورة غير مباشرة لما يحدث فى المجتمع ففى هذا الوقت من الطبيعى أن يتأثر الفنان بما يحدث فى هذا المجتمع، خاصة عندما يسيطر الفساد مجتمعيا. ولكن هذا لا يعنى أن يتحول الفن إلى داعية للفساد. ولكن لا بد عند طرح السلبى والفاسد أن تتم المعالجة لطرح البديل الإيجابى والصحيح. وفى كل الأحوال لا يوجد ميزان بذاته يصلح للحكم على الفن. فما يعجبنى يمكن ألا يعجبك وهذا حقى كما أنه هو حقك أيضا. ولذا وعلى الأرضية العملية المعاشة فالمجتمع وحدة واحدة تؤثر مناحيه كل منها على الأخرى. أى أن الإصلاح لا بد أن يتوازى فى جميع المجالات. كما أن القاعدة العملية تقول إن العمل الفنى الذى لا يعجب البعض وفريقهم عليهم أن يقوموا بعمل آخر يعبر عن رؤيتهم الخاصة. وعلى المشاهد ومن حقه أن يقبل أو يرفض. أن يتقبل نوعية عمل ويرفض آخر . ولكن بميزان الفن أى الإبداع لا بميزان ما أريده أنا بفكرى الخاص وثقافتى الخاصة. أنت حر فى فكرك الديني وثقافتك الخاصة واختياراتك الذاتية، ولكن فى نفس الوقت أنت لست وصيا على البشر. حمى الله مصر وشعبها العظيم.