رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متحف «عفت ناجى وسعد الخادم».. واحة الفن الشعبى بجوار قصر القبة

عفت ناجى وسعد الخادم
عفت ناجى وسعد الخادم

- زوجان أرستقراطيان وجدا الرسم الشعبى أفضل تعبير عن شخصية مصر

- تبرعا بمنزلهما ليصبح متحفًا منذ ١٩٩٠ والافتتاح تم فى ٢٠٠١

- المتحف يضم لوحات هامة ومكتبة ومركزًا للثقافة الشعبية

- الزوجان وهبا حياتهما للفن الشعبى ودراسته وأوصيا بتحويل منزلهما إلى متحف بعد وفاتهما

منذ فجر التاريخ سجلت على جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة قصص لملوك جعلوا من زوجاتهم شريكات معهم فى مسيرة الحياة، جمع بينهم الحب والمودة فخلدهم التاريخ، فترى إخناتون وهو ملك قد ارتقى بزوجته إلى مستواه فأجلسها بجانبه على العرش.

كما نرى ما سجلته الأساطير عن «إيزيس وأوزوريس» والحب الذى جمع بينهما وخلد ذكرهما، واليوم يكرر التاريخ نفسه ليُخرج لنا زوجين شريكين فى الحياة، ولدا وداخلهما شلال من الحماس، والإبداع يجرى فى عروقهما كالدم، يجمع بينهما الحب والفن ولهما أمانٍ كبيرة، عاشا لخدمة قضية مهمة للارتقاء بالذوق العام من خلال الإبداع الفنى.

عفت ناجى وسعد الخادم، قصة حب خلدها التاريخ وجسدت معالمها من خلال متحفهما «عفت ناجى وسعد الخادم»، اللذان أضافا رصيدًا من الأعمال الفنية جعلت منهما شخصيتين فى سجل الخالدين، فيقع متحفهما فى ١٢ شارع الكريم بسراى القبة، حى الزيتون بالقاهرة.

ومتحف عفت ناجى من المتاحف التى حظيت بمكانة وتقدير فى قلوب الناس، لأنه قصة كفاح زوجين، وهبا حياتهما للفن والبحث العلمى، ويعد المتحف وعاءً لحفظ تراث الفنانين باعتبارهما اثنين من أعلام الفن فى مصر فى النصف الثانى من القرن العشرين، ورائدين فى مجال الفن الشعبى ودراسته. 

وعلى الرغم من اتجاه الفنان سعد الخادم إلى البحث العملى الأكاديمى فى مجال الفنون الشعبية، إلا أنه ترك تراثًا فنيًا تشكيليًا يتسق مع هذا التوجه.

وافتتح المتحف عام ٢٠٠١، ويتكون من ثلاثة طوابق، تضم ٨ قاعات ومخزنًا وقاعة للعرض المؤقت، تحتوى هذه القاعات على مجموعة من اللوحات الفنية التى تعرض منها فى قاعات العرض ٨١ لوحة، وكذلك العديد من القطع الفخارية الشعبية والتى تتمثل فى «قلة السبوع» بأشكالها المختلفة أيضًا، كما يضم المتحف أثاث الرائدين من كنب وملابس وإكسسوارات من الخرز والنحاس ومكحلة وسفرة، ومقتنيات أخرى.

تمت صيانة وترميم مجموعة من القطع الفخارية الأثرية من العصر الرومانى تمثل مسارج وبورتريهات «تتاجرا» وأشكالًا أخرى، كما تم ترميم جميع الأثاث والموبيليا وإعادتها إلى سيرتها الأولى، وهى من طرز مختلفة وتضم كنبة أثرية طراز عربى بالخرط الميمونى.

بالإضافة إلى مكتبة خاصة بالفنانين بها كتب نادرة، كما تضم عددًا من رسائل الدكتوراه ورسائل الماجستير، ولا يقتصر دور المتحف عند هذا الحد، ولكنه يشهد الكثير من النشاط الثقافى والفنى من أمسيات وندوات بغرض تقديم خدمة ثقافية لأبناء هذا الحى العريق.

فى كتاب واحد من الذين اهتموا بالمتاحف الفنية اهتمامًا كبيرًا فقد تحدث عن ١٧ متحفًا الدكتور سيد هويدى فى كتاب «متاحفنا»، رصد القصة الكاملة لمتحف عفت ناجى وسعد الخادم، قائلًا: فى وسط حى الزيتون إحدى ضواحى القاهرة العتيقة، سابقًا وواحد من أكثر الأحياء ازدحامًا بالسكان الآن وبالقرب من قصر القبة مركز الحكم فى الفترة الناصرية المصرية، افتتح وزير الثقافة فاروق حسنى فى العام ٢٠٠١ متحفًا جديًدا يضاف إلى سلسلة المتاحف الفنية التى أقامها قطاع الفنون التشكيلية حيث يأتى متحف «عفت ناجى وسعد الخادم».

الفنانة التشكيلية ورائدة الفن الشعبى عفت ناجى من مواليد عام ١٩٠٥، وهى شقيقة الفنان محمد ناجى، رائد فن التصوير، اشتركت فى معارض جماعية بالداخل والخارج ومعارض دولية، أنجزت لوحة برج الحمل بالتعاون مع زوجها وهو أول مجسم لها ذى الأسطح المتعددة عام ١٩٦٩، وأهدت لوحة برج الثور إلى المنظمة الدولية لرعاية الطفولة «اليونيسف» لتطبع كارت الطفولة «١٩٢٨- ١٩٩٣».

أوصت عفت بتحويل منزل زوجها «سعد الخادم» بمنطقة سراى القبة إلى متحف يضم أعمالها وأعمال زوجها الفنية ومكتبة ضخمة للكتب والأبحاث الفنية، ومجموعة كبيرة من الأثاث الذى تم ترميمه ليعود إليه رونقه القديم.

وعندما دشن وزير الثقافة فاروق حسنى افتتاح المتحف قال آنذاك: إن المبادرة التى أقدم عليها الفنانان تعد نموذجًا يمكن أن يحتذى من قبل أهل الفكر والعلم والفن بتحويل منازلهم إلى متاحف ليكون هناك متحف بكل حى يخلد ذكراهم. 

أما رئيس قطاع الفنون التشكيلية آنئذٍ، الدكتور أحمد نوار، فيقول: «نحن اليوم فى افتتاح متحف عفت ناجى وسعد الخادم نقف إزاء حالة من حالات التناغم الفريد بين فنان علّم أجيالًا وثابر من أجل الوصول إلى حقيقة الروح الشعبية عبر بحثه فى الفنون والحرف الشعبية، وبين فنانة اتجهت إلى ذات المنهج واعتنقته برغم نشأتها الأرستقراطية، ليضعا بذلك اللبنة الأولى فى صرح الدراسات الفنية الشعبية».

وتنتمى الفيلا إلى طراز عربى بسيط ويعود تاريخ تحويلها إلى متحف إلى ١٩٩٠ عندما قامت الإدارة الهندسية بقطاع الفنون التشكيلية بتسلم الموقع «مسكن الفنانين» بالحى الهادئ وبدأت رحلة الإعداد والتى استغرقت عشر سنوات.

وعن تجربة الاعتماد على القدرات الذاتية قال الراحل حمدى شحاتة، رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض مايسترو هذه العملية: إن التحدى بدأ من لحظة أن قررنا ألا نستعين بأى مكتب استشارى خارجى اعتمادًا على إمكانات الإدارة الهندسية التى استحدثت واجهة زجاجية للمبنى بشكل حديث إلا أنها تناغمت مع الطراز القديم للمبنى، وأضافت بعدًا جديدًا ورونقًا يوحى بحضور الزمن قديمه وحاضره.

كما تم استحداث مشغل فنى لأطفال الحى وكذلك مكتبة حديثة مزودة بأمهات الكتب القديمة والحديثة بأعلى المبنى تضم ١١٥٥ كتابًا ومجموعة من رسائل الدكتواره والماجستير التى أشرف عليها الفنان سعد الخادم.

وتبلغ المساحة الكلية للمتحف ٥٢٢ مترًا مربعًا، بينما إجمالى مساحات العرض ١٣٦ مترًا مربعًا مقسمة إلى دورين، الأول يضم أعمال الفنانة عفت ناجى، وكانت إدارة الترميم قد قامت بعملية ترميم واسعة شملت الأعمال المعروضة وتتمثل فى ٢٤ عملًا منها ١٨ لوحة تصوير بخامات مختلفة بالإضافة إلى ٦ أعمال مركبة تجميعية.

أما الدور الثانى فيضم ٣٥ لوحة للفنان سعد الخادم، نُفذت بخامات مختلفة ومتعددة، فهو من مواليد عام ١٩١٣، وعلى مدار مسيرته فى الفن التشكيلى قدم الخادم للحركة التشكيلية المصرية مساهمات كثيرة فى مجال التصوير، فقد سافر لإنجلترا فى الأربعينيات لدراسة الفن، عمل بالتعليم العام ثم المعهد العالى للتربية الفنية، وخلال عام ١٩٦٨ حصل على الجائزة الثانية بينالى الإسكندرية فى فن التصوير، له مؤلفات كثيرة فى الفن والتربية الفنية والدكتوراه وجميعها حول الحرف الشعبية المصرية، ورحل عن عالمنا عام ١٩٨٧.

ويضم المتحف ٣٦ عملًا تصويريًا نفذها سعد الخادم بخامات مختلفة أبرزها على الإطلاق لوحة يسجل فيها جمال شواطئ مرسى مطروح الهادئة وأيضًا انفعاله بتسجيل مراحل العمل فى السد العالى وكذلك تصويره أساطير شعبية بنفس فطرى بسيط يصل إلى المتلقى العادى دون إجهاد، محافظًا على الألوان الشعبية الأساسية ومستخدمًا اللون الأسود بجرأة متناهية، كما شمل الترميم ١٣ قطعة ما بين خزفية وأعمال فنية، بالإضافة إلى الدور الثالث الذى احتضن الكتب الشخصية للفنانين.

يتميز المتحف باحتوائه على مقتنيات غنية وثرية تتفق مع توجههما البحثى الشعبى الذى أوقفا حياتهما على إبرازه والنهوض به وبيان أهميته، وعلى الرغم من التنوع الهائل التى تتسم به المقتنيات الخاصة للفنانين سواء من حيث الخامات وغرابتها أو من حيث التناول والجنس الفنى إلا أنها تنتمى إلى العالم الأثير الذى جمعها «عالم الفنون الشعبية».

وإذا أردنا قراءة أعمال الفنانة عفت ناجى التى احتضنتها قاعة الدور الأول للمتحف برفق، فيجب أن نراها فى ضوء الولوج والاهتمام المبكر بعالم الفنون الشعبية والتحيز الكامل للوحدات التراثية وطريقة التعبير الفطرية، حيث تحمل الأعمال قدرًا كبيرًا من الفطرية الممنهجة «إذا صح التعبير» والجرأة المتناهية خاصة فى استخدام اللون الأسود، وأيضًا التناول الجديد للوحدات البصرية متجاوزًا الوصفية الأدبية.

وكان الحب قد جمع بين الاثنين فتزوجا فى العام ١٩٥٤ حيث تكاملت أحلامهما، فكان اقترانهما بداية تحول كبير فى إنتاج عفت ناجى شكلًا ومضمونًا، حيث تبنت استلهام الفن الشعبى بأساطيره وعالمه واهتمت بدراسة الذات المصرية بجانب اقتناعها بأن التقاليد الشعبية والعمل اليدوى الذى توارثته الأجيال عن طريق الحرفيين يمكن أن يكون عمادًا للفنون المصرية الحديثة.

كما تأثرت بما رأته فى المخطوطات العربية من رسوم وأشكال فلكية وجغرافية وسحرية وساعدتها على ذلك أبحاث زوجها «سعد الخادم» المتخصصة فى الفنون الشعبية، لذلك كانت تؤمن بأنه لا تلقائية فى الفن بلا ثقافة وراثية مستوعبة وأن التاريخ يفرض علينا نفسه ولكن تختلف الرؤية حسب قدرة الفنان والواقع الذى يعيشه.

وتنتمى عفت ناجى إلى أسرة أرستقراطية، حيث أتاح لها وجودها المبكر مع أسرتها فى عزبة بـ«أبوحمص» أن تمارس الرسم كدأب الأسر الإقطاعية فى بداية القرن العشرين.

يحتوى المتحف على أعمال خزفية والبعض الآخر من الفضة وأعمال فنية خزفية من الطين المحروق وأعمال جصية ومشغولات من الخوص المجدول يبلغ عددها ٧٠ عملًا، وجميعها نتاج إبداع الفنانين الفطريين الذين يستمدون أعمالهم من وحى البيئة الشعبية المصرية والمعتقدات الفلكلورية التى توارثوها منذ آلاف السنين، كما تضم هذه المجموعة أعمالًا تدور حول المعتقدات الشعبية الخاصة بالسحر والشعوذة.

يضم المتحف مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية ٨١ لوحة فنية للراحلين، ومن أهم تلك الأعمال: مجموعة لوحات «الأيادى» وهى لوحات للفنانة عفت تجسد اليد والكف والعروسة فى قاعة ١، بينما فى القاعة الثانية لوحات السد العالى، برج الحوت، الأزمنة السحرية تم رسمها عام ١٩٣٨، لوحة القرية، لوحة أسرى العدو، الندابات، والقاعة الثالثة لوحة معركة النصر وتحطيم الأسطورة عام ١٩٧٣ عن السد العالى.

وأما عن أبرز أعمال الخادم التى تضم الطابق الثانى، فكانت أغلب لوحاته عن الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية ومن أبرز أعماله: عازفة العود، وامرأة عارية، عرائس النوبة.

بعد أن تـم افتتاح متحف عفت ناجى وسعد الخادم لأول مرة فى الثامن من أبريل عام ٢٠٠١، خضع المتحف لعملية تطوير لنظم العرض المتحفى والإضاءة والنظم الأمنية، وتم افتتاحه للجمهور فى ٥ مارس ٢٠١٣.

وافتتح متحف عفت ناجى وسعد الخادم بسراى القبة، بعد تجديده وتطويره بتكلفة إجمالية تبلغ ٨٠ ألف جنيه على مساحة تبلغ ٥٢٠ مترًا مربعًا، وذلك بعد إغلاق دام لمدة عام تقريبًا، وتضمنت عمليات التطوير استحداث أنظمة أمنية وتركيب خط للحريق، وتغيير البلاط والحمامات والصرف الصحى والتغذية والمواسير واستحداث قاعة عروض صغيرة.  

يفتح المتحف أبوابه للجمهور من الساعة العاشرة صباحًا، حتى الساعة الرابعة مساءً يوميًا فيما عدا الإثنين والجمعة.

وحدد قطاع الفنانين التشكيليين أسعار التذاكر ٣ جنيهات للطالب مصرى، و ٥ جنيهات للمصرى، و١٠ جنيهات للأجنبى، وهناك عدد من المعفيين من الرسوم منهم: ذوو الاحتياجات الخاصة، المحاربون القدماء، وكبار السن فوق ٦٠ سنة، صغار السن أقل من ١٢ سنة، وأعضاء النقابات الفنية المهنية، أعضاء اللجان الوطنية للمتاحف العالمية.

يقدم المتحف العديد من الأنشطة الثقافية التى تتمثل فى الندوات الثقافية، إضافة إلى مشغل فنى للأطفال تتم فيه إقامة ورش فنية لصناعة المشغولات اليدوية. كما ينظم المتحف الحفلات الموسيقية وآخرها حفلة لطلبة مدرسة المعالى الحديثة لغات، إضافة إلى الصالونات الثقافية ومنها: صالون بعنوان «فنون العمارة الشعبية».

وخلال الزيارة إلى المتحف تم تنظيم معرض من معارض الفن التشكيلى، والذى يقام حاليًا به معرض «حوار التناغم والجلود» للفنانة منال سيد أحمد، ويعد المعرض تجسيدًا للحركة الإيقاعية المتناغمة لتطويع خامة الجلد الطبيعى لكى يعبر عن تشكيل تجريدى للطائر فى حركات متعددة وبشكل مختزل.