رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا تقدموا هم وتراجعنا نحن؟

ربما يكون الواقع الذي أريد الإشارة إليه تحت مسمي آخر بخلاف ‏عنوان المقال وهو "لماذا نهضوا هم وسقطنا نحن" أو "لماذا تصعد ‏الأمم من القاع للقمة وسقطنا نحن من القمة للقاع".‏
العلم هو مربط حصان الإجابة عن السؤال، فمن خلال العلم كانت مصر ‏إمبراطورية مجد الأجداد ومن خلال العلم أيضًا سقطت مصر الأحفاد، لم ‏نتطرق إلي مجد الماضي البعيد، بل بالعلم بني محمد علي وأسرته مجد ‏مصر القريب، وجاء نظام السادات، ومن خلال العلم أيضًا أسقط مصر ‏في وحل الضعف والوهن والضياع، فكيف هذا؟ العلم يتمحور داخل ‏كلمات سطور المناهج ومن خلال حروف تلك الكلمات يتم توطين ثقافي ‏داخل الشخصية، هكذا فعل مخطط السادات الجهنمي بأن سلم مناهج ‏التعليم ليد أيديولوجية خارج الهوية المصرية، ومع مرور السنوات حدث ‏التهجين والتجنيس الثقافي داخل مكون تلك الشخصية، والتي أصبحت ‏واقعًا الآن يحكم الحالة المصرية.‏
ولن يكون هناك نهوض للحالة المصرية إلا من خلال نفس نهج مخطط ‏السادات، وهو تسليم كلمات المناهج إلي يد أصحاب الهوية المصرية، ‏ليتم استرجاع مكون تلك الهوية داخل الشخصية "وإن كنت ‏أري مخططًا كبيرًا جدًا متعمدًا يهدف إلي تفريغ مصر من هويتها بيد ما تم ‏تهجينه من خلال كلمات تلك المناهج، فأنا متابع جيد لما يحدث في ‏منظومة التعليم، لأني متيقن بأنه لا تغيير للحالة المصرية إلا من خلال تلك ‏المنظومة، وتلاحظ لي أن كل الفعاليات والأطروحات والمقترحات التي ‏تطرح للنهوض بالتعليم لا تتناول أو تقترب من كلمات المناهج، هنا ‏المخطط الشيطاني الذي سيقضي علي مصر فهل القيادة السياسية ‏بصمتها علي هذا المخطط تبارك استمراره وتمدده داخل سطور مناهج ‏التعليم؟".
ومن مصر إلي المملكة العربية السعودية، ومن مناهج التعليم ‏ومؤسسات الدولة التي هي تكوين مصري منذ ستينيات القرن الماضي، ‏وبداخل ذلك التكوين عاشت المملكة حالة تراجع واختفاء ثقافي وعلمي ‏رغم قوتها الاقتصادية، إلا أن العلاج بدأ فعليًا عندما بدأت المملكة ‏الخروج من ثوب كلمات مناهج السادات وتغييرًا كليًا لمكونات مؤسسات ‏الدولة التي كانت تلبس الثوب المصري، "وعندما أذكر السادات لا ‏أقصد الشخص بل أقصد سياسة الحكم التي تم زرعها بفعل فاعل داخل ‏الحالة المصرية، تلك السياسة خارج دائرة الهوية المصرية، وبالطبع ‏هي من أحد مخططات ومؤامرات العدو الذي استغل صفات وسمات ‏شخصية السادات ليحركها نحو ذلك المخطط لتدمير مصر ووصولها ‏إلي الوضع الحالي"‏.
منذ عدة سنوات قررت المملكة الخروج من العباءة المصرية التي كانت ‏تشكل الكثير من مكونات الدول العربية في التكوين المؤسسي أو ‏الثقافي أو العلمي، وفي سبيل ذلك أرسلت الكثير من أبنائها لبعثات ‏تعليمية إلي الخارج، وبالتوازي كانت تقوم ببناء مؤسسي لمنظومة ‏التعليم على أحدث الأساليب العلمية، وعندما حان الوقت كانت المملكة ‏مع القدر السعيد بقدوم ابنها الشاب والزعيم التاريخي للمملكة سمو ‏الأمير محمد بن سلمان الذي قرر ألا تعيش المملكة داخل جلباب ‏الحالة المصرية المتهالك، فقام بتطهير كلي لمنظومة التعليم ليس من ‏الإخوان والوهابيين فقط، بل أيضًا نسف كامل لكل المناهج التي صنعت ‏الكثير من حالة الوضع العربي الراهن المتمثل في الرجعية والضعف، ‏وقرر استبدال كلمات المنهج إلي سطور العلم والحداثة والإبداع ‏والتمييز والإنسانية.‏
‏ولكن كان الأهم هو ما قام به من تغيير كامل للحالة السعودية عندما ‏قرر غلق المنافذ الثقافية والمالية للإرهاب والفساد، وتخلص من ‏بيروقراطية المؤسسات المتهالكة بتكوين مؤسسات حديثة علي يد ‏شباب الثورة الرقمية وتحويل المملكة كليًا إلى الحوكمة والرقمنة، والتي ‏أصبحت من خلالها تنافس القوي الكبرى في المراتب الأولي في تلك ‏الإدارة، والآن تحولت الرياض في غضون سنوات قليلة إلى عاصمة ‏العلم والنور ومرتكز الثقافة والاقتصاد والسياسية، وأصبحت أيضًا صاحبة القرار الموقر سياسيًا علي الساحة العالمية.
ومن المملكة إلي مصر هناك العكس تمامًا في كل محاور التكوين ‏الشخصي والمؤسسي، وستظل مصر علي حافة الانهيار والضياع ما ‏دامت موجودة داخل ثوب سياسة أيديولوجية السادات وربيبه حسني ‏مبارك، وكتبنا عشرات المقالات وأشرنا إلى الكثير من الحلول العاجلة ‏وبعيدة المدي، وكان أهمها أن يتم إطلاق يد جهاز الأمن الوطني العظيم ‏في المؤسسات المصرية وإعطاؤه الصلاحية الكاملة للجم سعار ما ‏يحدث من انهيار في الحالة المصرية من فساد وإرهاب لأنه الجهاز ‏الوحيد المؤهل لذلك، ومع ذلك الاقتراح تكون هناك استراتيجية عمل ‏طويلة المدي داخل كلمات مناهج التعليم وإحلال وتجديد لمكونات ‏مؤسسات الدولة، ولا ننسي ردم مستنقع الانفجار السكاني الذي سيبتلع ‏الجميع إن لم تتخذ القيادة السياسية إجراءات صارمة بشأنه، من أجل ‏الوطن نكتب ومن له أذنان للسمع فليسمع قبل فوات الأوان.‏