رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيوب المصريين «2»

يقول المثل الشهير «رحم الله رجلًا أهدى إلى عيوبى» والحقيقة أننا كمصريين لن نتمكن من إطلاق روح النهضة دون تشخيص دقيق لعيوب الشخصية المصرية سواء من جهة العيوب الأصيلة الكامنة فى الشخصية المصرية أو العيوب الطارئة عليها خلال العقود الخمسة الأخيرة بعد نكسة يونيو.. من هذه العيوب التى يشترك فيها كثير من المصريين كما أشرنا بالأمس كراهية الناجحين والميل إلى تشويههم وهى عادة ذميمة ترتبط بها عادة أخرى سيئة وهى الخوف من الأفكار الجديدة والسخرية منها.. ومن أمثلة العداء الجديد بين المصريين أنهم إذا أرادوا السخرية من أحد قالوا «فاكر نفسه هيجيب التايهة»!! مع أن كل أصحاب الاختراعات فى العالم ظنوا بأنفسهم مثل هذا الظن وصدق ظنهم.. فى نفس الإطار أيضًا يسخر المصريون من الأفكار الجادة فيقال «فلان فاكر نفسه فيلسوف»!! أو «عامل نفسه فيلسوف»! مع أن كل إنسان يجب أن تكون له فلسفة فى الحياة أى وجهة نظر فى الحياة وإلا تحول لحيوان فى شكل إنسان!!.. من عيوب المصريين القاتلة التى تمنع نجاح أى تجربة للنهضة.. الخوف من المغامرة أو التجديد أو المخاطرة حتى ولو كانت محسوبة.. وهم يعبرون عن ذلك بأمثال شهيرة مثل «امشى سنة ولا تخطى قنا (قناة)» لذلك لا ينجح المصريون فى التجارة التى برع فيها أهل الشام لأنها تنطوى على المغامرة.. وظل المصرى يزرع الأرض دون مخاطرة ويعشق الوظيفة الميرى ويتمرغ فى ترابها.. وقد كان الخوف من الجديد أحد ملامح الحكم لمدة ثلاثين عامًا فى مصر وقيل إن الرئيس رفض كل المشاريع التى نضطر لتنفيذها الآن بتكلفة أعلى.. وكان الخوف من الجديد هو دافع قطاع من المصريين للهجوم على المشروعات القومية العملاقة لأنهم لا يعرفونها وهى بالنسبة لهم تنطوى على مغامرة ومخاطرة.. والمصريون عكس كل الشعوب المتقدمة لا يحبون المغامرة ولا المخاطرة لذلك تكتسى حياتهم بالتقليدية وينجح القليل منهم وتفشل الأغلبية أو يظلون فى مستوى الحياة العادية.. ولا بد أن نعترف أن من عيوبنا القاتلة «الاتكالية» وهو عيب ولد من سمة إيجابية هى الإيمان بالله والتوكل عليه.. لكن التوكل غير الاتكالية.. الاتكالية هى طلب معونة الله الإنسان دون أخذ بالأسباب.. فالمصرى ينجب عشرة أطفال دون أن يملك المال الكافى لذلك ويقول إن الله سيرزقهم وتكون النتيجة أن معظمهم يضيعون فى دروب الحياة ويعانون ويلات قرار اتكالى خاطئ.. وقِس على ذلك فى أمور كثيرة.. مثل أن يترك شخص عمله دون خطة بديلة.. أو ينفق أكثر من دخله انتظارًا لثروة مفاجئة تأتى من السماء.. ويرتبط بالإتكالية التى تشيع منذ القديم بين عموم الشعب.. عيب وافد حديثًا منذ السبعينيات.. مثل التدين الشكلى أو ادعاء التدين.. استغلالًا لثقة المصريين فى من يظنون تدينه.. وهى سِمة أدركها بعض الأفاقين وتجار الدين وتكونت حولها مافيا شهيرة منذ السبعينيات.. فبعض الفاسدين والإرهابيين رفعوا شعار الدين فى الانتخابات وفازوا بالمقاعد.. وبعض الفهلوية كونوا شركات توظيف ترفع شعار الدين وفازوا بالمليارات وفهلوية آخرون نظموا رحلات الحج الفاخر لإسعاف بعض مدعى التدين من رجال الأعمال ومنحهم شرعية دينية تضفى على أعمالهم القذرة رداء الدين.. وبعض الدعاة الفاسدين فهموا اللعبة ومنحوا الفاسدين صكوك التوبة مقابل جزء من الثروات والشراكة فى المشاريع وقام بالتخديم على هؤلاء وهؤلاء بعض الإعلاميين الفاسدين من محترفى «القوادة» وتوفيق الرءوس فى الحرام وخدمة كل من يدفع.. ودفع المصريون ثمن انخداعهم بالتدين الشكلى على كل المستويات وما زالوا يدفعون الثمن حتى اليوم.. ولا بد أن نصارح أنفسنا ونقول إن الشخصية المصرية انطوت على تعصب تجاه الآخر المختلف فى اللغة أو الدين أو الجنس.. وأن هذا التعصب منعنا من الاستفادة من مميزات التعاون الحضارى معظم الوقت.. فنحن نفخر الآن بأن القاهرة والإسكندرية كانتا مجتمعين عالميين «كوزموبوليتان» حتى نهاية الأربعينيات.. لكن الحقيقة أن كثيرًا من المصريين تطرقوا فى العداء للأجانب فى بداية قدومهم لمصر واتهموا كل أجنبى بأنه لص ومرابٍ ومستغل.. وهذا حكم غير صحيح والثورة العرابية انطوت فى أحد وجوهها على هذا الوجه المتعصب رغم نبل غايتها. والأجانب كانوا مستثمرين يجب الترحيب بهم من حيث المبدأ.. ولكن المصريين لم يدركوا هذا وقتها.. وقد أعطى هذا التعصب المبرر لاحتلال بريطانيا لمصر حيث ادعت أنها تحمى الأجانب من القتل فى الإسكندرية وغيرها.. وقد استمرت بذرة التعصب وعبرت عن نفسها فى حريق القاهرة.. الذى طال شركات ومطاعم ومحلات تجارية كانت مفيدة جدًا لمصر.. وأعلن الحريق نهاية القاهرة كمركز تجارى عالمى فى الشرق الأوسط.. لينتقل الأمر لبيروت فى الستينيات ثم لدبى وتركيا من التسعينيات فصاعدًا، بينما نحن فى القاهرة غارقون فى الإرهاب والتطرف وصيحات الإسلام هو الحل التى أنقذتنا منها ثورة ٣٠ يونيو والتى خطط قائدها لعودة القاهرة ومصر كلها كمركز تجارى عالمى لكن البعض فى الداخل لم يفهم.. والبعض فى الخارج فهم وقاوم وضغط وما زال يضغط.. لكن هذا موضوع آخر.. دون التخلى عن التعصب والانفتاح على الآخر مع الإيمان بالذات لن نتقدم خطوة واحدة للأمام ولعل هذا هو ما أراده من أشاعوا بيننا روح التعصب لعنهم الله هم وذريتهم إلى يوم الدين.