رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التدين والسلوك الاجتماعى

هل هذا المقال بذات العنوان يتناسب مع الظروف المعاشة الآن وفى ظل الأزمة الاقتصادية التى فجرت الأسعار وقلصت الطبقة المتوسطة حتى أصبح المجتمع الآن طبقيًا هو مجتمع القادرين أو غير القادرين؟ بالطبع فإن المجتمع وما يتم فيه من أفعال وأعمال سلوكًا ونتائج هو نتاج عوامل عدة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وبالطبع دينية. 

كل هذه العوامل تتكامل وتصنع الصورة النهائية لهذا المجتمع سلبًا أو إيجابًا. ولكن لماذا نذهب بعيدًا ولا نقول أنه بالرغم من أن العامل الدينى وهو أحد هذه الأسباب ولكن لعوامل كثيرة تاريخية واجتماعية أصبح التدين هو السمة الظاهرة والتجارة الرائجة للجميع . 

والتدين هنا غير الدين. فالدين هو هذه العقيدة التى يؤمن بها المؤمن فى أى دين من خلال النص المقدس. 

والمؤمن بإيمانه الصحيح هو من يُفعل هذا النص المقدس على أرض الواقع فى صورة أعمال حسنة تتفق كل الاتفاق مع المقاصد العليا، الأديان، التى لا خلاف كثير بينها. "الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل" "ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات".

والإشكالية هنا فى تفعيل هذا النص أى فى تفسيره وتأويله والاجتهاد فيه، وهذا ما نسميه بالفكر الدينى "أى تفسير البشر للنص الدينى". هنا ولذا نجد تلك الاختلافات بل التناقضات بين تفسير وآخر أو فكر دينى وآخر بالرغم من وحدانية النص!!! . 

وعلى هذه الأرضية واعتمادًا على ذلك الفكر وجدنا "فى الغالب وفى ما نعيشه الآن" ذلك التدين الشكلى الذى يعتمد على المظهر ويسقط المخبر يتباهى بالشكل ولا يعنيه المضمون. 

ناهيك عن أن هذا الفكر الدينى هنا وهناك يعتمد على ذلك السلوك الطائفى الممجوج والمرفوض. حتى أننا نرى ذلك الصراع الطائفى الذى يسير على الساحة.

فكل منهم يتسابق فى تسمية الأسماء الدينية. سواء لأسماء البشر أو أسماء المؤسسات بكل أنواعها وصنوفها. نجد الكل يحافظ على شكل هذا التدين بأشكال طائفية فزى مقابل زى ورموز فى مواجهة رموز. 

الكل يتسابق على إظهار الشكل التدينى بالذهاب إلى دور العبادة وزيارة الأماكن المقدسة هنا وهناك. 

الجميع يحافظ على مفردات وكلام ذات ثقافة خاصة دينية على حساب الثقافة المصرية الجامعة. 

وكأنهم بهذا السلوك وتلك الممارسات قد أصبحوا مالكي الإيمان الصحيح. فى الوقت الذى لو نظرنا فيه إلى الأفعال الحقيقية التى يحب أن تكون المجد أى حقيقة لهذا الإيمان . فهل يتوافق هذا الشكل الدينى مع تلك السلوكيات والممارسات فى كل مناحى الحياة؟ أم نرى أن هذا الشكل التدينى هو إخفاء وتغطية لممارسات تقترف كل أنواع الفساد. والفساد هنا لا يقتصر على السرقة أو الرشوة فقط، ولكن الفاسد هو من لا يقوم بعمله على خير قيام. الفاسد من يرى الخطأ ولا يصلحه أو يحاربه بل يبرره. الفاسد من يشارك فى الخطأ بحجة تسيير الأمور بعيدًا عن القانون أو الاستيلاء على حق آخر مستحق. هذا هو التدين الشكلى الذى يعتبر متاجرة بالدين ولا علاقة له بأى دين. ولكن هل النتائج الاجتماعية سلبًا أو إيجابًا تعتمد على هذا التدين فقط؟ بالطبع لا. فهناك العامل السياسى الذى لا يعتمد على المؤسسات العامة ولا يفعل السلطات كما يحب أن يكون، وأن يعطى الفرصة للتعبير عن الرأى لكشف مواطن الفساد والفاسدين، وأن يكون هناك رأى ورأى آخر حتى يمكن أن نقارن ونختار بين رأى ورأى ولصالح الوطن والمواطن. هناك العامل الاقتصادى الذى لا يحدد لنفسه نظامًا اقتصاديًا يحقق العدالة الاجتماعية خاصة فى ظل ظروف اقتصادية حاكمة ومستحكمة وضاغطة على رقاب الجميع. هناك تعليم يجب أن يكون أداة حقيقية لتكوين شخصية وطنية منتمية تحب هذا الوطن وتخاف عليه وتحافظ على هويته الجامعة وليست الهوية الطائفية الضيقة. هناك إعلام يجب أن يكون مهنيًا وموضوعيًا بعيدًا عن الموالاة المطلقة التى تجعل المشاهد والمتابع يفقد المصداقية فتكون النتيجة ليست فى صالح الوطن ولا النظام السياسى. فهل يعقل يا سادة ونحن فى ظل الأزمة الاقتصادية التى ستجعل اللحمة من المحرمات على غير القادر نشاهد تلك البرامج الاستفزازية عن أنوع الأكل الذى لا علاقة لنا به ولا علم لنا بمسمياته؟ هنا دور المؤسسات الدينية التى استسهلت ذلك الخطاب الدينى الشكلى لمسايرة الواقع وكسب الأتباع ومواجهة الآخر الدينى وغير الدينى. نعم كل هذه العوامل مجتمعة هى التى تشكل السلوك الاجتماعى ولكن نركز هنا على التدين الشكلى، حيث إن التدين لدى المصرى موروث اجتماعى أكثر منه دينى حتى ما قبل الأديان السماوية. فهل يمكن وبأسرع وقت وبكل العوامل وبشتى الأساليب أن ننقذ الوطن لكى نخرج من هذه الأزمة وأن نمرر هذه الظروف بالإيمان الصحيح الذى يجعل القيم الدينية هى المرشد مع تطبيق القانون بحزم وبشدة على أي من كان؟ حمى الله مصر وشعبها العظيم.