رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعجزة

لو تقع المعجزة، إذا انحنينا مرة على الأرض وأخذنا ملء كفوفنا حفنة من ترابها، فينهض منها الأحباء الذين فارقونا ولم يعد من سبيل إليهم. نقف معهم، بجوارهم، لحظة إلى أن تقطفنا يد الرب قطفة واحدة، لكى نمضى معًا كتفًا بكتف إلى العالم الآخر، ونحن نحمى بالمحبة الأمل والذكريات، ونحن نتذكر أننا متنا قبل هذه المرة مرات ومرات، فحينما أغلقنا بأطراف أصابعنا جفون الوالدين، مات منا جزء كبير، وحين غمرتنا الوحدة مات منا جزء آخر، وحين عجزنا عن تحقيق أحلامنا كنا نموت ببطء عشرات المرات. ويكاد الإنسان أن يوقن فى رحلة الفراق المتجدد لنفسه وللآخرين أنه لا منجى من العدم غير الحب، وحده يعلو فوق موج النهاية بأمل شاحب خفيف فى استمرار الحياة وبقائها فى الأبناء والأحفاد، استمرار الحياة الذى تهدده الكوارث الطبيعية خاصة الزلازل الأخيرة التى مرت هينة على مصر.

الكوارث التى تحول القلق على الذات إلى قلق على اتصال الحياة وعلى مصير الأرض ذاتها قلق مشروع يحسه الكثيرون فى ظل انهماك الدول الرأسمالية الكبرى فى الحروب والتسلح واللهاث وراء الأرباح على حساب تجويع الشعوب الصغيرة، وانشغال البشرية عن مصير الأرض بمصالح صغيرة وضيعة يثبت أن البشرية لم ترتق بعد إلى الإنسانية الحق. نحن نسخر بصور الإنسان البدائى، وقد نحزن لها، لكننا فى واقع الأمر فى مثل تلك الحال البدائية، إذ تطوقنا المخاطر الطبيعية، لكننا منهمكون فى جمع الفتات، وسرقة بترول هذا الشعب أو ذاك، وليس أدل على ذلك من أن المجتمع الدولى شاهد وتابع حجم المعاناة من الزلزال فى سوريا، لكنه لم يرفع الحصار عنها ولا مد إليها يد العون، مما يثبت عجز الإنسانية التى تتكسر حين ينبغى لها أن تنتفض أقوى ما يكون. الرأسمالية المتوحشة تدمر الكون، هذه تهمتها، أما تهمتنا فهى أننا عاجزون عن التغير. نحن لا نرى ما حولنا من خطر، لا تغير المناخ، ولا الزلازل، ولا الفيضانات فى غير موعدها، ولا تزايد درجة حرارة الكرة الأرضية، نحن فقط نلهث وراء النقود، مثلما كان الإنسان البدائى يلهث وراء بطة عابرة برمح أو سهم، لهاثًا يقودنا إلى المزيد من تدمير الأرض، وفى ذلك السياق أشارت وكالة «رويترز» إلى أن السر وراء الزلازل الأخيرة هو برنامج «الشفق القطبى» الأمريكى الذى بدأ العمل فيه منذ عام ١٩٩٣، وأغلق شكليًا عام ٢٠١٥، وتم تمريره إلى جامعة ألاسكا فيربانكس. البرنامج يسمح بتعديل المجال الكهرومغناطيسى للأرض والسيطرة على الطقس والمناخ، ويعد جزءًا من ترسانة الأسلحة الأمريكية السرية. 

وقد نفى بعض العلماء قدرة البرنامج على استهداف مدينة بعينها، لكن ذلك لا يفسر انهماك البشرية فى مثل تلك الأفكار والمشاريع العدوانية بدلًا من تحقيق أحلام علماء آخرين ساقهم الخيال إلى إمكانية بناء ما يشبه القضبان تحت الكرة الأرضية، بحيث إذا انفصلت الأرض عن الشمس أمكن دفع الأرض إلى مجرة أخرى لتواصل البقاء هناك ولا تنتهى معجزة الحياة. أظن أنه بعد قرن أو قرنين من الزمان سوف ينظر الناس إلى عصرنا كما ننظر نحن إلى المراحل البدائية الوحشية فى تاريخ الإنسان، ونظل فى انتظار المعجزة أن ننحنى على الأرض ونملأ كفوفنا بحفنة تراب فينبعث أمامنا كل من فارقنا، ونظل فى انتظار معجزة أن ترتقى البشرية وتتجاوز دناءة الأطماع الصغيرة إلى الشعور بالمسئولية عن الحياة ومصير الأرض.