رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مثل هذا اليوم رحل الأدباء

قد تستغربون إحدى عاداتي التي حرصت عليها منذ سنوات بعيدة، وهي متابعة سير أحداث مضت. وأنا مدين فيها للبرنامج التليفزيوني القديم "في مثل هذا اليوم" بنسخته القديمة، وبموسيقاه التصويرية الراقية وبكتابة النص المميزة وبتعليق صوت رائع للراحل أحمد فؤاد معاذ الذي لم ينل شهرة تليق بحجم موهبته. وكان برنامج يحمل ذات الاسم لا يزال يقدم عبر إذاعة صوت العرب هو السلوى لي عقب اختفاء البرنامج التليفزيوني منذ سنوات بعيدة ضمن ما تخلى عنه التليفزيون من برامجه الشهيرة.
 وإن عاد التليفزيون ليقدم البرنامج بنسخة جديدة تتناسب مع روح العصر عبر خطة تطوير برامج القناة الأولى، والذي تشرف عليه "المتحدة للخدمات الإعلامية" بصياغة رائعة للمتميزين مهنيًا وإبداعيًا محمد توفيق وهيثم الغيتاوي، إذ يقومان بالتناوب بكتابة نص مبني على الإيجاز، لا تتجاوز الحلقة الواحدة أكثر من دقيقتين، وبتعليق صوتي للإذاعي المتمرس محمد عبدالرحمن.
 ولأن مثل هذه البرامج تقدم الحلقات في إطار مهني بحيث يتم الاستطراد في سرد تفاصيل حدث واحد، بينما يأخذني فضولي لمعرفة تفاصيل أحداث أخرى وقعت في مثل هذا اليوم أو ذاك، فإنني ومنذ صادقت الشبكة العنكبوتية أمضي إليها قاصدًا مزيدًا من التفاصيل المتعلقة بأحداث مضت في تاريخ الإنسانية بين ميلاد أو وفاة أو وقائع مهمة مضت لكنها تركت آثارها على البشرية كلها.
 وفي مثل هذا اليوم 18 فبراير تصادف رحيل عدد غير قليل من المبدعين وأخص منهم مبدعين عرب. إذ شهد هذا اليوم من عام 1978 رحيل الأديب يوسف السباعي. وهذا الرجل عرفناه أديبًا مبدعًا ووجهًا من الوجوه المشرقة لثورة 1952 وقد كانت معرفتي بشخصية السباعي عن طريق منتجه الإبداعي، إلى أن تشرفت بصداقة الكاتبة المثقفة الكبيرة د. لوتس عبدالكريم والتي أهدتني كتابها عنه "فارس الرومانسية" والذي تحدثت فيه عن جوانب إنسانية كثيرة للرجل بحكم صداقتهما.
 هي دائمًا تتحدث عنه بأنه الفارس وتصفه بأنه "أول شهيد للسلام والحب، يوسف الأديب الرقيق والفيلسوف الضاحك الباكي، والقلب الكبير المليء بالسماحة والصفح والوفاء، والعقل الذي يهضم عالمًا من المتاعب والمشاكل والأحزان". وتتحدث عن قتلته بدم بارد على أنهم أعداء للإنسانية، كما تتحدث بسعادة عن إنجازاته في ميدان الثقافة كإنقاذ صناعة السينما، وكونه أول من أنشأ مشروع الكتاب الأول في المجلس الأعلى للفنون والآداب، وغيرها من المشروعات الثقافية التي لم يمهله القدر لاستكمالها قبل أن تغدر به رصاصات الإرهاب.
  في مثل هذا اليوم أيضًا من عام 2009 رحل الروائي السوداني العالمي الطيب صالح، الذي تشرفت بمحاورته في حديث إذاعي طويل قبل رحيله بسنوات فذاكرته إبداعيًا استعدادًا للحوار، بعد أن كنت قد انبهرت بروايته الأشهر "موسم الهجرة للشمال" حين حدثني عنها أستاذي في الجامعة د. جمال عبدالناصر أستاذ الأدب الإنجليزي. ثم زاد تعلقي بالرجل- بعد رحيله- حين أجريت حوارًا طويلًا عنه في المغرب مع صديقه د. طلحة جبريل أستاذ الصحافة السوداني الشهير والمهاجر منه إلى المملكة المغربية منذ سنوات بعيدة.
 وأظن أن حواري مع جبريل حرّك لديه المسئولية ليكتب بالتفصيل عن الطيب في كتاب كامل حمل عنوان: على الدرب مع الطيب صالح، ملامح من سيرة ذاتية، وكان بين ما قاله ثم كتبه جبريل عن صديقه العالمي: "تذكرت أن الطيب صالح في جميع كتاباته حاول أن يقيم جسرًا بينه وبين عالم جميل عاشه في طفولته وفي صباه واغترب عنه دون سبب واضح، خاصة أنه كان ملتحمًا مع بيئته المحلية. عندما طوحت به الأيام إلى لندن التي ألهبت خياله، كتب رواياته ومجموعاته القصصية: نخلة على الجدول، دومة ود. حامد، عرس الزين، مريود، ضوالبيت، منسي إنسان نادر على طريقته، ثم رائعته "موسم الهجرة إلى الشمال". وظني أن الطيب صالح قد كتب ما كتب من أعمال رائعة، تحت ضغط حنين جارف إلى بيئته الأصلية، التي غادرها دون سبب واضح".                                
 وفي مثل هذا اليوم أيضًا من عام 2016 رحل الأديب المصري الكبير علاء الديب تاركًا خلفه عشرات من الأعمال الإبداعية بين روايات وقصص قصيرة وأعمال مترجمة، غير أن رائعته "وقفة قبل المنحدر" هي في ظني قمة أعماله وواحدة من أجمل كتب السير الذاتية في الأدب العربي المعاصر، فضلًا عن مجموعة مقالاته التاريخية "عصير الكتب"، التي دأب على نشرها في "صباح الخير"، حيث أنجز من خلالها أحاديث نقدية متميزة لنحو 111 كتابًا في مختلف صنوف الإبداع.
 ويبقى استدعاء الذكريات طقسًا مهمًا أمارسه وأدعو غيري إليه، ففيها الدروس والعبر ومنها نستشرف آفاق المستقبل، فليست قصص التاريخ إلا روايات مكررة بأسماء مختلفة وإن تشابهت الأحداث.