رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القاهرة تواصل التألق وتحتفي بالإبداع

انقضت منذ أيام قليلة و بنجاح مبهر الدورة الرابعة و الخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ، هذا الحدث الثقافي المصري - بل و العربي - الأبرز. أربعة و خمسون دورة رقم كبير نعم ، لكن دلالاته أكبر ،  فأرقام هذه الدورة بلغت : 3 مليون و 700 ألف زائر في 13 يوما ، 2و نصف مليون مشاهدة للكتب أونلاين ، 317 فاعلية ثقافية ، 167 نشاط فني مصاحب ، 12 فاعلية متخصصة للطفل ... كلها أرقام تؤكد نجاح دورة المعرض لهذا العام ، و لكن المبهر في الأمر أن كل هذا النجاح لهذه الدورة تم بإدارة جديدة تماما باشرت عملها في وقت قياسي ، فقد تم تكليف د.أحمد بهي الدين برئاسة هيئة الكتاب قبل نحو ثلاثة أشهر و نصف من البدء الفعلي لدورة المعرض ، بل إن الدكتورة نيفين الكيلاني كانت قد أدت اليمين وزيرة للثقافة قبل المعرض بخمسة أشهر فقط .  
 و رغم أن تاريخ انطلاق الحدث في دورته الأولى صار بعيدا حيث بدأ عام 1969 بقرار من الراحل الكبير ثروت عكاشة وزير الثقافة حينها ، ليتواكب مع الاحتفال بألفية تأسيس القاهرة ، و تولت رئاسته و تأسيسه الكاتبة سهير القلماوي ، إلا أنه استطاع و منذ سنوات تأسيسه الأولى أن ينافس المعارض الدولية الكبرى إلى أن أصبح ثاني أهم معرض للكتاب على مستوى العالم بعد معرض فرانكفورت . و يبقى معرض الكتاب دليلا على أن مصر التي اهتمت و اعتنت بالفكر و الوعي و الثقافة و الفنون و الآداب -منذ تلك السنوات البعيدة- كانت صاحبة السبق و الريادة في الاهتمام بالمعرفة على مستوى محيطيها القاري و الإقليمي .
     كما يبقى استمرار المعرض بهذا الاهتمام الرسمي و ذلك الزخم الشعبي دليلا على أن الكتاب سيظل سلعة مفضّلة لدى قطاع كبير من المصريين رغم المتغيرات الثقافية و الإعلامية و الاقتصادية . و قد أكد المعرض أنه حدث قادر على جذب جمهوره مهما ادّعى البعض بُعد موقعه عن قلب العاصمة ، فتلك مسألة تم تجاوزها بدليل هذا العدد المذهل من زوار المعرض . الموقف مشابه لما حدث حين تم نقل المعرض قديما من أرض المعارض بالجزيرة - مقر دار الأوبرا حاليا - إلى أرض المعارض بمدينة نصر ، ثم إلى مقره الجديد خلف مسجد المشير طنطاوي . و يحسب للمسئولين تنسيق أعداد كبيرة من حافلات النقل العام و التي بلغت 58 أوتوبيسا أسهمت في نقل رواد المعرض من ميادين العاصمة عبر 7 خطوط إلى التجمع الخامس و العودة بأسعار معقولة و خدمة متميزة .
     و الجميل في الأمر أيضا هو حرص إدارة المعرض على توجيه دعوات لأقطاب الإبداع العرب لحضور فعالياته و المشاركة في ندواته ، و هو ما تحقق هذا العام بمشاركة أسماء كبيرة مثل : البحرينية ليلى المطوّع ، الجزائري العالمي واسيني الأعرج ، الإماراتية مريم الساعدي ، الأردني حسين داعسة ، السوداني أمير تاج السر  وغيرهم ، فضلا عن مئات من زوار القاهرة من عشاق القراءة العرب الذين يحرصون على أن تتزامن زيارتهم لعاصمة الإبداع العربي مع انعقاد أيام المعرض ليشهدوا فعالياته المكثفة و ليقتنوا أحدث الإصدارات .
      و مع مطلع شهر يناير الماضي لاحظنا سباقا تنافسيا شريفا سعى خلاله كل المبدعين المشاركين بكتب فيه إلى الترويج لإبداعاتهم من خلال حفلات التوقيع التي تسبق المعرض لتكون هي المنصات الأرقى و الأرخص و الأكثر جماهيرية و الأسرع تأثيرا في التسويق للكتاب ، فضلا عن استغلال شباب الكتّاب لمنصات التواصل الاجتماعي الشهيرة- كالفيسبوك و تويتر وغيرهما - للدعاية لمنتجهم الإبداعي .
       و رغم أن المعرض هو حدث ترويجي - في الأساس - لسلعة الكتاب ، إلا أن ما يصاحبه من ندوات فكرية ، و أمسيات شعرية ، و عروض فنية ، و أنشطة تعليمية صارت كلها أنشطة جاذبة للجمهور ، فهي فعاليات للاستمتاع بالكلمة الراقية و بالفن الرفيع و بالفكر المتجدد . و كلها أمور حققتها هذه الدورة بنجاح كبير من خلال زخم الأسماء الكبيرة التي شاركت في كافة الأنشطة ، و هو ما أمّنه وجود لجنة منظمة واعية إذ لم تضع شروطا للمشاركين و لا قيودا على الموضوعات المطروحة للنقاش . 
      و رغم ما تخوّف منه البعض من أن تؤثر الأزمة الاقتصادية العالمية على نسبة المبيعات ، إلا أن كثيرين من الأصدقاء الناشرين قد أسرّوا لي برضاهم عما حققوه من مبيعات اتسقت مع هذا الإقبال الجماهيري الكثيف ، فضلا عن عروض و أفكار عدد من  الناشرين الذين نجحوا في زيادة نسب مبيعاتهم و تيسير اقتناء الكتب ، و من هذه الأفكار كانت فكرة " كتاب بالتقسيط " و التي تبناها اتحاد الناشرين المصريين برئاسة سعيد عبده و بالتنسيق مع أحد البنوك الوطنية . 
      أما على مستوى الإعلام فإن أمنيتي أن يُسمح بتكثيف تناول وعرض الكتب الحديثة و استضافة مبدعيها و ناشريها في كافة المنابر الإعلامية للترويج لإبداعاتهم ، فما أشد احتياج المبدعين من مؤلفي الكتب لدعم منتجهم و الترويج له بما يعوضهم جهدا مضنيا بذلوه حتى خرج إبداعهم إلى النور ، و يبقى الكتاب هو السلعة الوحيدة التي يربح المجتمع كله حين تروج و تنتشر.