رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المنطاد الصينى

لم يذهب أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، إلى بكين، اليوم الأحد، كما كان مقررًا، بسبب منطاد صينى «انتهك الأجواء الأمريكية لأغراض تجسّسية»، حسب اتهام الولايات المتحدة، أو دخل المجال الجوى الأمريكى «عن غير قصد»، ويُستخدم «لأبحاث الأرصاد الجوية»، كما أكدت الخارجية الصينية، فى بيان، أعربت فيه عن «أسفها» وألقت باللوم على الرياح، وشدّدت على أن بكين لم تنتهك أبدًا أراضى أى دولة ذات سيادة أو المجال الجوى لها، ورأت أن «بعض السياسيين ووسائل الإعلام فى الولايات المتحدة استخدموا الحادث ذريعة للهجوم على الصين وتشويه صورتها». 

قيل إن المنطاد سافر من الصين إلى جزر ألوشيان فى ألاسكا، ثم عبر شمال غربى كندا، قبل أن يحلّق فوق قاعدة عسكرية فى ولاية مونتانا، تتمركز فيها صوامع صواريخ تحمل رءوسًا نووية. وللصحفيين، قال الجنرال باتريك رايدر، المتحدث باسم البنتاجون، مساء الخميس، إن المنطاد كان يتحرك، يوم الأربعاء، على ارتفاعات أعلى من حركة النقل الجوى التجارى، وإن الحكومة الأمريكية تصرفت على الفور بمجرد اكتشافه، لمنعه من جمع «المعلومات الحساسة»، دون أن يحدّد طبيعة تلك المعلومات أو الإجراءات التى تم اتخاذها لمنع جمعها، غير أن بعض المصادر ذكرت أن وزارة الدفاع الأمريكية أرسلت طائرات مقاتلة من طراز F ٢٢، لتتبع المنطاد، ما أدى إلى تعليق الرحلات الجوية فى مطار «بيلينجز» بشكل مؤقت!. 

على الخط، دخلت وزارة الدفاع الوطنى الكندية، وذكرت فى بيان، صدر مساء الخميس، أن قيادة الدفاع الجوى فى أمريكا الشمالية، نوراد، التى تعد جزءًا من الشراكة العسكرية بين الولايات المتحدة وكندا، تعقبت تحركات «منطاد المراقبة» على ارتفاعات عالية. وأضافت أن وكالات المخابرات فى البلاد تعمل مع شركاء أمريكيين لضمان أمن مجالها الجوى ولاتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية معلومات كندا الحساسة. 

المنطاد، بإقرار الولايات المتحدة، لا يشكل تهديدًا عسكريًا أو أمنيًا، وقدرته محدودة فى جمع المعلومات المخابراتية مقارنة بما يمكن أن تلتقطه الأقمار الصناعية الصينية، لكنه فضح، فى المقابل، هشاشة الأمن القومى الأمريكى، وأكد أن الصين يمكنها اللعب على الأراضى الأمريكية بشكل مباشر، وليس فى محيطها الجغرافى، كما تفعل الولايات المتحدة التى تلعب حاليًا فى تايوان واليابان ومؤخرًا فى الفلبين. 

ربما لهذا السبب، أثار الموضوع ردود فعل غاضبة لدى نواب الحزبين الديمقراطى والجمهورى، فى الكونجرس الأمريكى، إذ كتب الجمهورى كيفين مكارثى، رئيس مجلس النواب، فى حسابه على «تويتر»، أن «تجاهل الصين الوقح لسيادة الولايات المتحدة عمل مزعزع للاستقرار تجب معالجته، ولا يمكن للرئيس بايدن السكوت عليه». وفى بيان مشترك، طالب النائبان، الجمهورى مايك جالاجر، والديمقراطى راجا كريشنامورثى بضرورة التحرك السريع لمواجهة هذا التهديد الذى أظهر «أن الخطر الصينى لم يعد يقتصر على الشواطئ البعيدة». وكان التصريح الأغرب، هو ذلك الذى نقلته وكالة أسوشيتد برس عن مسئول لم تذكر اسمه، وزعم فيه أن هذه ليست المرة الأولى التى ترسل فيها الصين مناطيد تجسس إلى الولايات المتحدة!. 

تاريخيًا، جرى استخدام المناطيد فى التجسس، للمرة الأولى، سنة ١٧٩٤ خلال معركة فلوروس، بين جيش الجمهورية الفرنسية الأولى، تحت قيادة الجنرال جان بابتيست جوردان، وجيش التحالف النمساوى الهولندى بقيادة الأمير جوسياس. ولعبت دورًا مهمًا فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولشبكة «سى إن إن» قال بيتر لايتون، الضابط السابق فى سلاح الجو الملكى الأسترالى، إن الولايات المتحدة استخدمت مئات المناطيد خلال الحرب الباردة، للتجسس على خصومها، أو على دول الكتلة الشرقية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن زيارة بلينكن إلى بكين، التى لم تعلن عنها الصين أو الولايات المتحدة، رسميًا، قبل إعلان الأخيرة عن تعليقها، أو تأجيلها، كانت ستصبح الزيارة الأولى لوزير خارجية أمريكى، منذ سنة ٢٠١٨، وكان الهدف منها هو تخفيف التوترات بين البلدين. وبالتالى، فإنها حال حدوثها، لاحقًا، فإن موضوع المنطاد، أو المناطيد الصينية، سيكون أول الموضوعات المطروحة على طاولة النقاش، قبل ملف تايوان، أو علاقات الصين بروسيا وموقفها من الأزمة الأوكرانيّة!.