رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدين الذى يؤمن به الجميع

بكل أسف انتهت العبودية زمنيًا وتاريخيًا، لكن جوهرها وأساسها الأسمنتى العتيد موجود بل ويزداد رسوخًا فى أشكال عصرية تتأقلم مع المتغيرات وتفكك الكتلة الشيوعية والاشتراكية وتوحش النظام العالمى الرأسمالى الأوحد المسيطر على كوكب الأرض وتحالفاته مع الجريمة المنظمة عبر الحدود، ومبدعى فنون الصخب والمخدرات والعنف والدعارة وقادة الإرهاب الدينى الدموى.

نحن الآن فى نظام عالمى حديث مودرن متقدم تكنولوجيًا وصناعيًا وفلوسيًا وعسكريًا وعلميًا وفضائيًا وإعلاميًا وطبيًا وفيروسيًا، لكنه فى منتهى التأخر الإنسانى والتخلف فى المعايير والأولويات والسياسات والقرارات والغايات والمفاهيم والقيم.

زمان كانت "حقوق الإنسان" للأفراد والمجتمعات تنتهك فى جميع المجالات، فقرر المجتمع الدولى إقرار ميثاق عالمى لحقوق الإنسان فى 10 ديسمبر 1948، لضمان الحقوق الغائبة والمنتهكة.
هل بعد ما يقرب من 75 عامًا منذ إقرار هذا الميثاق العالمى انتعشت حقوق الإنسان والشعوب، نساء ورجالا وأطفالاً محليًا وعالميًا؟
وما هو هذا الكيان المبهم الهلامى المتأنق غير المحدد المؤرق بحقوق البشر فى العالم المتخذ اسم "المجتمع الدولى"؟ وهل هذا المجتمع الدولى متحرر من نفوذ وهيمنة العبودية الحديثة المودرن؟ وهل هذا المجتمع الدولى له كلمة عليا على الرأسمالية العالمية السائدة على كوكب الأرض؟

بدأنا منذ شهر عامًا جديدًا عام 2023، ومعه تبدأ أو تتجدد تأملاتنا المتسائلة عن هذا العالم الذى وصل عدد سكانه فى منتصف نوفمبر 2022 لـ8 مليارات شخص، ما هى ظروف هؤلاء الـ8 مليارات؟ هل مع مجىء 2023 ستتحسن أوضاع الأغلبية منه أم فقط قلة قليلة؟

أنا لست متشائمة لكننى أرصد فقط الظواهر وأحلل الواقع الفعلى دون أوهام أو وضع ماكياج يجمل صورة العالم، وهناك شىء أساسى أصيل مغروز فى تربة هذا العالم ضد العدالة. 
العالم تحكمه العلاقات العمودية ولكن بأشكال ودرجات متفاوتة، والعلاقات العمودية هى العلاقات من إرث العبودية التى تقوم بين أعلى وأدنى أفرادًا وجماعات، وهذا يمكن التستر عليه أو تبريره على أنه الأفضل والمسار الطبيعى، بغسل العقول وتضليلها بالإعلام والثقافة والفن ومقررات التعليم والمفاهيم الدينية.

تأمل أحوالنا يؤكد استمرار جوهر الاستعباد، فها نحن نعيش فى هذا العالم التعيس المتحضر شكلًا، الهمجى مضمونًا، المتعصب والعنيف خلقًا ودينًا وطباعًا، المتخم بآليات الاستغلال الطبقى والقهر الذكورى والعنصرى، الممتلئ بأوكار الفقر والبطالة والجريمة المنظمة والعشوائية، يجنى أرباحه الخيالية من تجارة المخدرات والأسلحة والدعارة والأعضاء البشرية والبلطجة المحلية والدولية والحروب وتأجيج وتمويل النعرات الدينية.
فى العلاقات بين أعلى وأدنى ينظر الطرف الأعلى إلى نفسه باعتباره الصيّاد القوى البارع فى نصب الفخ، والطرف الآخر الأدنى هو الفريسة الضعيفة التى تقع فى الفخ.
وعملية الصيد هذه بين طرف أعلى وطرف أدنى، أقدم مهنة فى التاريخ، مهنة أدرك بها البشر أنها هى مصدر البقاء على قيد الحياة ومصدر الغذاء ومصدر الماء ومصدر القوة ومصدر الاستعلاء والهيبة.
وإن كنت أغفر للكائنات الأخرى مثل الطيور والحيوانات أنها للبقاء على قيد الحياة لا بد لها من الصيد، فإننى مع البشر أعتبر ذلك الفعل جريمة أو عارًا، يدعو للخجل والاشمئزاز لا إلى الافتخار والتباهى بالتفوق.
هل هذا معقول؟ أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يقتل ويصطاد الآخرين وهو لا يشعر بالجوع ولا يحتاج لسفك الدماء لكى يبقى على قيد الحياة؟ بل يقتل وهو شبعان على عكس الطيور والحيوانات، حتى المتوحشة والمتنمرة لا تقتل ولا تصطاد إلا لتأكل أو تطعم صغارها.
قال جورج برنارد شو: عندما يريد الانسان أن يقتل نمرًا يسميه رياضة وحينما يريد النمر قتله يسميه شراسة.
وقال فيثاغورس: طالما أن الإنسان يقتل ليأكل لحم الحيوانات فلن يشعر أبدًا بالهناء والطمأنينة والسلام.

أكره هذه العقلية الدموية التى تقف وراء الصيد، وتنفرنى الدوافع النفسية المريضة لعملية الاصطياد، عقلية الصياد الأقوى والفريسة الأضعف، الصياد الذى يخطط ويتربص ويراقب ويترقب ويتجسس ويخطف يعد المصيدة باحتراف، وعندما تقع الفريسة يحتفل ويفرح ويأكل ويشرب ويسمى الأمر انتصارًا وتفوقًا.

إن الانتصار فى أى معركة مرهون بوجود تكافؤ بين الأطراف المتعاركة وإلا يصبح بطشًا وغدرًا واستغلالًا للطرف الأقل تكافؤا ولا يدعو للفخر والاحتفال.
وهذا منطق نجده فى العلاقات الإنسانية بين الأفراد، بين النساء والرجال، وبين الجماعات والدول، فى أى علاقة هناك من يصطاد وهناك من تخدعه المصيدة، هناك من يطعن بالسكين وهناك من يسيل دمه، هناك من يأكل وهناك من يؤكل، هناك من يختبئ يرتدى قناعًا مخادعًا وربما لا يبالى ولا يختبئ ويقتل دون أقنعة.
ربما فى الماضى كان القتل دون أقنعة، حديثًا يتم القتل إما بدون أقنعة أو بقفازات حريرية وبكلمات ملتوية تسمى الأشياء بغير مسمياتها الحقيقية.

إن 15% من سكان العالم الآن يسيطرون على مقدرات ومصائر واختيارات 85%، فأى عدالة حقيقية يمكن تخيلها؟ هذا ما نتج عن تراكم واستمرار حضارة الدم والقتل وصيد الأقوياء للضعفاء.
لا أنكر الاكتشافات العلمية المعرفية والتقدم التكنولوجى، لكن العالم أحمق وفوضوي.
وضع «إيمانويل كانت» فارقًا كبيرًا بين العلم والحكمة، فالعلم معرفة منظمة أما الحكمة فحياة منظمة.
وتتناغم الفوضى والحماقة مع ترسيخ عولمة "رأس المال أهم من الإنسان"، هذا بالإضافة إلى أن التقدم المعرفى والتكنولوجى مكرس لخدمة من لديهم أساسًا الفائض الوفير، ومن أصلا يتمتعون بامتيازات الأثرياء المستثمرين فى التراكم الخيالى لرأس المال.
العالم ممتلئ بالعديد والكثير من الأديان الموروثة، لكن عندما يظهر المال فإن الجميع لهم دين واحد لا يثير التعصب والانقسامات "الفلوس"، أنانية رأس المال لا تفهم أن النبل الإنسانى هو أن نعطى أكثر مما نأخذ، وألا نقطع الغابات من أجل قطعة واحدة من الخشب أو نقطع الأشجار لحصد بعض الثمار.
أشبه العالم بسجن كبير بالعلم الزائف الذى هو أخطر من الجهل وبالحرية الزائفة التى هى أبشع من العبودية، يضمن بقاءنا طواعية داخل الأسوار.
- من بستان قصائدى 
لا تحزن يا توأم الروح
بعدك لا أتذوق طعم الأشياء
ليس لى مزاج للاستمتاع 
لا شىء يستحق الاهتمام
حتى الكتابة ولذة الإبداع 
لا تحزن يا توأم الروح
بعدك أقمت جدارًا عاليًا عازلًا
بينى وبين الأحياء والأموات
لا أفتح الباب
لا أرد على الهاتف 
لا زيارات لا مقابلات 
لا تحزن يا توأم الروح
بعدك على الدنيا ألف سلام
أنت فاتحة وخاتمة الأشياء
لست بائسة 
أبصرت خداع الدنيا
وكنت قبلا عمياء