رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بابا الفاتيكان يلتقي الشباب ومعلمي التعليم المسيحي

بابا الفاتيكان
بابا الفاتيكان

التقى البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان في استاد الشهداء في كينشاسا، الخميس، بأعداد كبيرة من الشباب ومعلمي التعليم المسيحي.

وبدأ اللقاء بالترحيب ببابا الفاتيكان ثم وجه رئيس لجنة العلمانيين في مجلس أساقفة الكونغو، كلمة حيا فيها البابا وشكره، كما وتحدث عن الشباب وتطلعاتهم ومشاكلهم، وشدد على أهمية عمل معلمي التعليم المسيحي في هذا البلد رغم ما يواجهه من تحديات ومصاعب.

وفي كلمته إلى أكثر من 65 ألف شخص، أراد البابا فرنسيس التأكيد على الفرق بين شد الأيادي وإغلاقها لتصبح قبضة لتوجيه اللكمات، وفتحها ومدها لمساعدة الآخرين وخدمتهم.

أكد أن "هنا يكمن الخيار الأساسيّ، منذ العصور القدّيمة، منذ هابيل الذي قدّم ثمار عمله بسخاء، بينما "رفع قايِنُ يده على أَخيه فقَتَلَه" (تكوين 4، 8)". وفي حديثه إلى الشباب الذين يحلمون بمستقبل أفضل هو بأياديهم توقف البابا فرنسيس عند ما وصفها ببعض ”المكوِّنات للمستقبل“ وهي خمسة، يمكنكم أن تربطوها بعدد أصابع اليد.

وبدأ البابا الحديث عن الإصبع الأول فقال إنه "الإصبع الأقرب إلى القلب، تقابله الصّلاة، التي تجعل الحياة تنبض. 

وتابع أن الصلاة "قد تبدو شيئا مجردا، بعيدا كلّ البعد عن واقعيّة المشاكل. لكنها المكوّن الأوّل، ذلك الأساسيّ، لأنّنا وحدنا لا نستطيع أن نعمل شيئًا. لسنا قادرين على كلّ شيء، وإذا اعتقد أحدٌ أنّه كذلك فإنه يفشل فشلا ذريعاإنّه يصبح مثل شجرة اقتُلعت من جذورها: حتّى لو كانت كبيرة وقويّة، لا يمكنها أن تقف وحدها. لهذا نحتاج إلى أن نتجذّر في الصّلاة، في الإصغاء إلى كلمة الله، التي تُمَكننا من النمو في العمق كلّ يوم، ونؤتي ثمرًا، ونحوّل التلوّث الذي نتنفسه إلى أكسجين مُحيِي".

وواصل البابا:"للقيام بذلك، كلّ شجرة تحتاج إلى عنصر بسيط وأساسيّ: الماء. إذن، الصّلاة هي”ماء النّفس“: الصّلاة متواضِعة، لا تُرَى، لكنّها تعطي الحياة. مَن يُصلي ينضج في داخله ويعرف كيف يرفع نظره إلى الأعلى، متذكرا أنّه خُلِقُ من أجل السّماء". كما ودعا قداسته الشباب إلى التوجه إلى يسوع لا ككائن بعيد مثير للخوف، بل كالصديق الأكبر الذي قدّم حياته من أجلك.

وقال:"هو يعرفك ويثق بك ويحبّك، دائمًا. حين تنظر إليه معلّقًا على صّليب ليُخلصك، ستفهم ما هي قيمتك بالنسبة له. يمكنك أن توكل إليه، ملقيا بها على صليبه، صلبانك، مخاوفك وهمومك فهو سيعانقها. لقد فعَلَ ذلك قبل 2000 سنة، وهذا الصّليب، الذي تحمله اليوم، كان منذ ذلك الوقت جزءًا من صليبه. فلا تخَفْ أن تأخذ المصلوب بين يديك وتَشُدَّه إلى صدرك، وتسكب دموعك على يسوع. ولا تنسَ أن تنظر إلى وجهه، وجه إله شاب حيّ وقائم من بين الأموات". 

أضاف البابا أن الله "يحبّ هذه الصّلاة الحيّة الملموسة النابعة من القلب، وهكذا يتدّخل، يدخل في ثنايا الحياة بطريقة خاصّة، يأتي ”بقوّة سلامه“ والتي لها اسم هو الرّوح القدس الذي يعزّي ويحيِي. فهو محرّك السّلام، قوّة السّلام الحقيقيّة. ولهذا فإنّ الصّلاة هي أقوى سلاح موجود. فهي تنقل إليك طمأنينة الله ورجاءه، تفتح أمامك دائمًا فرصا جديدة، وتساعدك على التّغلّب على المخاوف".

وفي حديثه عن الإصبع الثاني، قال البابا إنه الإصبع الذي نشير به إلى شيء ما للآخرين.

وتابع:"الآخرون، الجماعة، هذا هو المكوّن الثاني. أيّها الأصدقاء، لا تدعوا شبابكم تُفسده الوحدة والانغلاق. فكّروا دائمًا معًا فتكونوا سعداء، لأنّ الجماعة هي الطّريق كي تكون راضيًا وأمينًا لدعوتك. أمَّا الخيّارات الفردانية، فإنّها تبدو في البداية مغريّة، لكنّها تترك بعد ذلك فراغًا كبيرًا في داخلك". ودعا الأب الأقدس الشباب إلى تفادي الانخداع بجنَّات زائفة، مبنية على المظاهر والمكاسب السّهلة أو على تّدين مشوّه. كما وحذر البابا من تجربة توجيه أصبع الاتهام إلى أحد ما، وإقصاء أحد لأنّه من أصل مختلف عن أصولكم، قال قداسته، وتابع: "احذروا روح الإقليميّة، والقبليّة التي تبدو وكأنها تقويكم في مجموعتكم، ولكنّها إنكار للجماعة. تعرِفون كيف يحدث ذلك؟ أوّلًا نصدّق الأحكام المسبقة عن الآخرين، ثم تبرَّر الكراهية، وبالتالي العنف، وأخيرًا نجد أنفسنا في حرب. 

ربط الأب الأقدس بعد ذلك الإصبع الثالث بالنزاهة والصدق وقال في هذا السياق: "أن نكون مسيحيّين هو أن نشهد للمسيح. الطّريقة الأولى لفعل ذلك هي أن نعيش باستقامة، كما يريد هو. هذا يعني ألّا نترك أنفسنا نَقَع في أشراك الفساد. لا يمكن للمسيحيّ إلّا أن يكون صادقًا، وإلّا فهو يخون هويّته". وتوقف البابا هنا عند آفة الفساد التي تتناقض مع الصدق والنزاهة ودعا الجميع إلى نبذه. ولهزيمة الفساد ذكَّر البابا فرنسيس بكلمات القديس بولس "لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ اغلِبِ الشَّرَّ بِالخير".

ثم تابع البابا:"وصلنا إلى الإصبع الرابع، وهو البِنْصَر، فيه يوضع خاتم الزّواج، لكن، إن فكّرتم في الأمر، البِنْصَر هو أيضًا الإصبع الأضعف، والذي يواجه صعوبة أكثر في أن يرتفع. يذكّرنا أنّ أهداف الحياة الكبيرة، وفي المقام الأول المحبّة، تمرّ عبْر الضّعف، والمتاعب والصّعوبات، لكن في ضعفنا، وفي أزماتنا، ما هي القوّة التي تجعلنا نمضي قدمًا؟ إنّها المغفرة. وأضاف أننا لكي نخلق مستقبلًا جديدًا، نحن في حاجة إلى أن نمنح المغفرة وأن نحصل عليها.

وأخيرا كان الحديث عن الإصبع الخامس وهو الأصغر، وقال البابا فرنسيس إن "الصِّغَر بالتّحديد، أن نكون صغارًا، هو الذي يجذب الله. هناك كلمة مفتاح في هذا المعنى، وهي: الخدمة. مَن يخدم يجعل نفسه صغيرًا مثل بذرة صغيرة، تبدو أنّها تختفي في الأرض، لكنّها تؤتي ثمارًا. بحسب يسوع، الخدمة هي القوّة التي تحوّل العالم". ودعا قداسته كل شاب وشابة إلى التساؤل ماذا يمكنني أن أفعل من أجل الآخرين؟ كيف يمكنني أن أخدم الكنيسة، وجماعتي، وبلدي؟ وقال للشباب: "لا تخافوا أن تتحرّكوا من أجل الخير، وأن تستثمروا في الخير، في إعلان الإنجيل، معدين أنفسكم بشغف وبشكل ملائم، أَحيُوا مشاريع منظّمة، وطويلة الأمد. لا تخافوا أن تُسمِعُوا صوتكم، لأنّه ليس المستقبل فقط بين أيديكم، بل اليوم أيضًا: كونوا في وسط الحاضر!".