رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«يناير».. وتوطين الشر فى مناطق ضعفنا

ونحن نعيش أيامًا ينايرية جديدة لعام جديد، لا ينبغي أن ننسى كيف بدا المشهد الينايري 2011 في بدايته بملامح تشي بحالة من الزهو والفخار ليكتشف مواطنونا في النهايةــ للأسف ـ أننا من حولنا فورة غضب "يناير" الرائعة إلى الرضا في الواقع بوكسة حكم الإخوان أهل الشر، لأننا نحن من تورطنا في توطين هؤلاء في مناطق ضعفنا بعد أن غشونا بمسوح وأردية التدين القشرية وقوافل دعم الغلابة منا، فتمكنوا من تلابيب ومفاصل وأعمدة الدولة، ولولا الاستفاقة الرائعة ووقفة الجيش العظيم في مواجهة تتار التخلف، وبشجاعة ووطنية قائده في 30 يونيو ما سقطوا من على كراسي السلطان..
لقد عاش شعبنا العظيم أثناء الأيام الينايرية الأولى عام 2011 فترة تعاظمت فيها أحلام المواطن المصري في تحقيق قيم وأهداف ثورة رفع فيها شعارات (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية) في ميادين التحرير، وارتسمت على الوشوش علامات الرضا والبشر والحبور لسبب بسيط مرده اقتناع المواطن أن دعاوى الإحباط التي كانت تؤكد له أن التغيير حدوتة لا يمكن تصور حدوثها ، بل هي واحدة من المستحيلات الكونية قد قهرتها وقفة الملايين الرافضة لاستمرار الواقع المرفوض في 18 يومًا فقط ..  
وأكاد أتصور ترديد  الناس عند خروجهم من ميادين التحرير ــ وهم في نشوة الإحساس بالانتصارــ غنوة بطل أوبريت الليلة الكبيرة "دي وصفة سهلة.. دي وصفة هايلة"، وتركوا ظلال أحلامهم على أسفلت وبلاطات أرصفة ميادين الفرحة تتوسط- للأسف- دماء من استشهدوا ومن أصيبوا، وتنعي فقدان شخوصهم وأحلامهم في بداية المعركة، بل وما زاد الطين بله دخول الميادين جحافل من انكشفت وشوشهم بعد سقوط أقنعة الخيانة والعمالة والانتهازية والتدين القشري ومسوح الدروشة والاتجار بآيات من كتب مقدسة ليزيفوا فحواها ومعناها للأسف.
وكمان لاجل الحكاية ما تبقى "كحلي" ويمكن "سوده" في بعض الأحيان ابتلينا ببعض عناصر من حكومات توالى تشكيلها بغرابة، وقراراتها كانت أغرب، لتكتمل فصول المأسأة بأحزاب تتكاثر وتتوالد وتتوغل، ومنهم من انضموا إلى تشكيل "جبهة للإنقاذ الوطني" بجوارها عشرات ويمكن مئات الائتلافات والحركات والبهلوانيات يتقافز بها من أطلق عليهم "النشطاء"، فيتم في النهاية ــ وكمحصلة تداعي مواقف وقراراتــ  تقديم الميادين والبلاد بحكوماتها وكتلها السياسية هدية وتسليم مفتاح للباشا المرشد وزبانية الشر المقيم في أوصال وبدن بلد كانت تعاني مشاكل من كل نوع ولون من أسقام وأمراض نهشت في جسد الوطن وعبر صفقة مجانية!
لكن والأكاده واللي يغيظ ويفرس حديث إعلام تم تتويهه لتبرئة الإخوان، فبتنا نتابع في تلك الفترة ترديد مقولات وتبريرات بطرح أسئلة نعلم إجاباتها وأخرى باتت عناوين للفشل والعجز مثل  "نحن نتعرض لمؤامرة كونية".. و"التمويل الأجنبي والعملاء باعوا البلد"  ... "هوه مين الطرف الثالث" .... "إنهم جحافل وكتائب أعداء الدين" لتمرح في النهاية جماعات التشدد الديني بطول البلاد وعرضها محملين بزجاجات الزيت وأجولة السكر والدقيق واعتلاء منابر تكفير الجميع، ليصلوا إلى سدة الحكم، بينما نخب وأحزاب الندامة يتصارعون على كراسي جبهة الغرق ومش عيب عليهم أبدًا يلتفوا حول الزعيم المفدى الإخواني وارتجال خطب عصماء حول آمالهم الطيبة في زمن الإخوان وعبقرية مشروع النهضة وطائرها المحلق في آفاق الوكسة! 
في يناير 2023، وحتى نعود لسؤال العنوان "من الذي وطنهم في مناطق ضعفنا؟" .. وحتى لا نعاود السؤال أن ننبه إلى أهمية تصعيد ودعم كل قوانا الناعمة والفكرية لمواجهة خطابات التخلف والتطهر من جراثيم التطرف، والذهاب إلى الاستثمار الحقيقي لمشروع "الحوار الوطني" الذي أراه فرصة تاريخية لأن نتجاوز حدوتة الركون إلى التشخيص وإهدار الوقت في التحاور حول هو معلوم من كل جوانبه، والذهاب إلى كل ما  يدعم خطة 2030 ، والتحمس لفكرة عقد جلسات استماع شعبية كلما ظهر أهمية الرجوع إليها، والعودة لتفعيل بنود الدستور التي لم تجد فرصة إقرار وجودها على الأرض مثل قانون "مفوضية عدم التمييز" التي طالب الدستور بتفعليها في الدورة الأولى فور إقرار الدستور، والإسراع في وجود من يمثل المواطن في المحليات التي تمثل برلمانات الأقاليم والمتهمة منذ العصر المباركي بأن الفساد فيها بات للركب، وتفعيل كل نظم الرقابة والمتابعة للتصدي لجحافل الدجل السياسي وحرامية أزمنة الأزمات المحلية والإقليمية والعالمية بانتهازية إجرامية بشعة.. ولعل العزاء المُبلسم لكل ما عانيناه بعد "يناير" وحتى 30 يونيو فرحة الاحتفال المصري السنوي بأعياد الميلاد بحضور رئيس كل المصريين.