رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آدينا بـ نتفرج

فيه ظاهرة بـ تستفحل يومًا بعد يوم، وهي إنك تلاقي الإنسان من دول اختار محتوى واضح الهبل: يشيره أو يشير إليه.
الهبل قد يتمثل في إنه يقدم معلومات غلط مليون في المية (زي ما حد مثلًا يقول إن جمال عبدالناصر تعرض للاعتقال أثناء مشاركته في ثورة 1919، وقد يتمثل في إنه يطرح آراء بادية العوار، سواء من الناحية المنطقية أو القيمية "الأخلاقية".
ثم إن هذا الإنسان يعلق على ما اختار "هو" أن يشيره بـ كلام من نوعية: إيه الغباء دا! إزاي فيه ناس بـ تقول كدا؟ أو يسخر منه أو ينتقده.
الواقع، إنه هذا السلوك لفت انتباهي، مش من باب إنه صح ولا غلط، لكن من حيث تفسيره، أصل حضرتك العالم واسع، ومفيش أكتر من المحتوى، وأكيد إنت مش بـ تشارك المحيطين بيك "كل" ما يصادفك، فـ ليه لما تنتقي، بـ تختار حاجة مقطوع بـ إنها هبلة "على الأقل في دايرة معارفك"؟ ليه؟
ما أتصوره إنه البشر في العموم بـ يكون ليهم أهداف من توجيه خطاب ما، أو التصدي لـ شأن ما، وإن كل الأهداف أصبحت تتوارى أمام هدف واحد، هو إننا نصدر صورة إيجابية عن أنفسنا لدى متلقينا، يعني بـ البلدي: عايزين نبان جامدين طيبين إنسانيين، رحماء لطفاء أذكياء فاهمين قاريين، مستوعبين الأشياء.
هذه الصورة تستلزم المقارنة، لو واحد مثلا طوله 180 وقف جنب إنسان 165 سم، هـ يبان عملاق. ولو نفس الشخص وقف جنب لاعب سلة أمريكي يبان قزم، ولو وقف لـ وحده، قد لا نستطيع الحكم بـ شأنه إن كان طويلًا أو قصيرًا، فـ المقارنة مهمة.
المقارنة مهمة، وهي تتجلى أوضح ما تتجلى عندما تكون في موضع اشتباك تدحر فيه خصومك، يعني بـ اختصاربـ تبقى محتاج معركة وخصم وانتصار، الانتصار بـ يبقى مضمون كلما زاد هبل الخصم. 
التصدى لـ محتوى جاد يستلزم أولًا معرفة كافية بـ الموضوع، وهذه المعرفة قد لا تتوافر لديك، وحتى إن توافرت فـ هي بـ حاجة لـ جهد، من أجل استعادتها وترتيبها وصياغة طرحها، وإنت مش عايز تبذل هذا المجهود، عايز انتصار مريح.
حتى لو عندك المعرفة وبذلت المجهود قد لا يتحقق الانتصار، وقد لا يكون جليًا، لـ إنه فيه فرصة لـ الرد على كلامك، يبقى الأسهل اختيار خصم مجاني، مرمى سهام قريب ومتسع. 
تمام!
مبروك عليك الانتصار، لكن فيه حاجة هنا، وهي إنك لما بـ تتصدى لـ الشأن العام، دا بـ يكون على هامش حياتك، في ظل تحملك مسئوليات وعمل وبيت وخلافه، بينما الأمر مش كدا لـ صانع المحتوى، اللي بـ يكون ما يطرحه هو متن حياته، إما أكل عيشه بـ شكل مباشر، أو بـ يزود فرصه في إيجاد عمل، فـ هو الانتشار بـ النسبة له مش رفاهية، بـ غض النظر ينتشر كـ إيه؟
اختيارك المحتوى الأهبل دا بـ يضع صناع المحتوى قدام اختيارات صعبة، إما إنه يقرر الاستمرار في الجدية عند التصدي لـ أمر ما، فـ يخسر فرص انتشار مجانية، أو إنه ينافس في الهبل، والأغلبية بـ يختاروا الحل التاني، فـ يقعد دا يغذي دا: الراغب في الظهور كـ متفوق إنسانيا ومعرفيا، والمستعد لـ صناعة ما يساعده على هذا بـ المبالغة في تقزيم نفسه، وفي دورة التغذية دي تلاقي اليوم راح، واليوم يجر يوم، واليوم يجر يوم، وآخرتها؟
مفيش يا عم آخرتها.
آدينا بـ نتفرج.