رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا مقبل يوم وليلة

منذ وقت غير قليل لم تأتنى أخبار طيبة من الصعيد.. منذ وقت غير قليل لم تأتنى أخبار طيبة.. ومنذ أيام قليلة كنت قد توحشت صديقًا قديمًا يعمل فى مجال السياحة.. كان قد تركها لشهور وجرّب العمل فى التجارة.. تجارة شنط البلاستيك.

لكنه فشل وخسر كل ما لديه.. قبلها كان الرجل ما أن يقابلنى حتى يبدأ فى سردية طويلة من الشكوى عن سوء الحال فى المجال الذى أحبه وأضاع عمره فيه.. السياحة بالنسبة له لم تكن مجرد أكل عيش.. كانت حياة كاملة.. فجأة وجدته أمامى مستبشرًا مهللًا.. وبعد لحظات من الترحيب والسؤال عن سر الغياب أخبرنى مبتهجًا: كنت عندكم ف الصعيد.. استغربت فأنا أعرف أن معظم سفرياته وأعماله السابقة فى شرم الشيخ.. لم يتركنى فى حيرتى كثيرًا.. وأضاف بأن العمل فى الأقصر وأسوان حاجة تفرح.. لقد عادت السياحة.. لا توجد غرفة خالية فى أى فندق من أى نوع.. الليلة الواحدة بألف دولار.. ومافيش.. مافيش عربية نقل سياحى مش شغالة.. مافيش مركبة مش مشغولة.. توافد غير مسبوق من السائحين على جنوب الصعيد.. لدرجة أنه والعاملين معه فى الشركة ينامون فى استراحة كانت مهجورة.. لا توجد أماكن.. الحركة دبت فى الأقصر وأسوان بشكل مبهج.. يتحدث الرجل ثم يسكت فجأة.. إزاى ما فكرناش إن ربنا ممكن يبعتلنا الخير ده وبنينا فنادق جديدة.. لقد تم بناء ستة فنادق فى المنيا والأقصر وأسوان والغردقة والفيوم لكنها غير كافية... سوهاج تحديدًا تعانى.. والأقصر وأسوان لم ينقذهما إلا تأجير الأهالى فيلاتهم الموجودة فى البر الغربى وهى غالية جدًا.. الشقق أيضًا غالية.. سرحت وسألته: وماذا لو فكرت أسرة مصرية فوق المتوسطة فى قضاء يومين فى إجازة نص السنة فى الأقصر وأسوان؟.. رد دون أن يفكر: مستحيل. 

بقدر ما فرحت بعودة الروح للسياحة.. بعودة الأمل للرجل الذى عاد يبتسم بعد عبوس ليس قليلًا.. بقدر ما حزنت.. لأن بعض صغار الموظفين فى المحليات والجهات الحكومية الأخرى عطلوا استثمارات بالمليارات فى هذا المجال.. وتحت يدى بالمستندات ما يكشف عن تعنت وبيروقراطية طاغية فى هذا الأمر.. لقد فكر أحدهم، ولا يزال، فى بناء فندق سبع نجوم على نيل سوهاج.. واشترى الأرض بمبلغ كبير جدًا.. وسارع بالتعاقد مع متخصصين من الخارج قدموا له تصميمات مدهشة لبناء يليق بعاصمة طيبة القديمة.. بلد مينا موحد القطرين.. بالقرب من مرقد ميريت آمون.. وأودع فى البنك ما يقترب من المليار.. لكن كل شىء توقف لخلاف بين موظفة وزميلها فى جهة أخرى حول عرض الشارع الذى يمر أوسطه كوبرى.. هل هو عشرون مترًا أم أربعون؟.. ملايين مرمية على الأرض والسياح يبحثون عن غرفة خالية.. المحافظ لم يفعل شيئًا.. والمشروع ف الدرج.. درج الموظف إياه.. عشرات النماذج والقصص أعرفها طفشت كل من فكر فى إقامة مشروع من هذا النوع.. وها نحن فى أمس الحاجة لمثل هذه المشاريع. 

لقد دخل إلى مصر فى التسعة أشهر الأولى من العام الماضى، حسب بيانات رسمية، ما يقترب من ١٢مليون سائح.. وعدد كبير من هؤلاء ذهب إلى الصعيد.. والطبيعى أن الملايين قد ذهبت إلى هناك فى مطلع الشتاء ومن المتوقع أن يزيد العدد فى الأشهر المقبلة فماذا سنفعل؟.. شركات السياحة رغم هذا الرواج بعضها يخسر بسبب الأسعار المرتفعة جدًا للغرف الفندقية.. والحلول البديلة لا تصلح.. زبون الصعيد مختلف دايمًا عن زبون الغردقة وشرم ولا تصلح معه الفنادق الصغيرة والرخيصة وإن كنا نحتاجها.. نحن فى حاجة إلى تدخل سريع من حكومة الدكتور مدبولى للإسراع فى إنشاء فنادق جديدة فى الصعيد.. ربما نحلم بمنتجعات.. القطاع الخاص يحتاج إلى مساندة للتخلص من مشاكل الموظفين حتى يتمكن من العودة والمساهمة.. الصعيد بعد القفزة الرائعة فى مجال الطرق، والنقل بشكل عام، يحتاج إلى استثمارات أخرى ليستوعب ما نحلم به من تدفق زوار من كل حدب وصوب لأهم آثار الدنيا وأروع مشاتيها على الإطلاق.. فهل ننتبه حتى نلحق بالشتاءات القادمة.. هل يعود لأهلنا فى الصعيد بعض من تلك البهجة التى افتقدوها سنوات؟